قمة المناخ الدولية غداً... والعين على بايدن بعد إعادة واشنطن للمسار البيئي

21 ابريل 2021
وقفة احتجاجية بيئية قبل فوات الأوان (أرتور فيداك/ Getty)
+ الخط -

تتّجه الأنظار غداً الخميس إلى قمة المناخ العالمية التي دعا إليها الرئيس الأميركي جو بايدن، بالتزامن مع اليوم العالمي للأرض، بحضور أربعين من زعماء العالم، أبرزهم الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ. وتجمع القمة المرتقبة 17 دولة مسؤولة عن ثمانين في المائة من الانبعاثات العالمية المضرّة بالبيئة، ويشارك فيها كذلك عدد من رجال الأعمال وقادة المجتمع المدني.

والقمة التي تُعقَد على مدى يومَين، افتراضياً بسبب جائحة كورونا، تهدف إلى حشد الجهود التي تبذلها الاقتصادات الكبرى للحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ (2015) الرامية إلى الإبقاء على ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية أقلّ من درجتَين مئويتَين فوق المستويات المسجلة قبل الحقبة الصناعية، بحلول نهاية القرن.

وستتناول مناقشات القمة عدداً من الموضوعات الرئيسية، منها تحفيز جهود الاقتصادات الكبرى للحد من الانبعاثات في خلال هذا العقد الحرج، وحشد تمويل القطاعَين العام والخاص لدفع التحوّل إلى صافي الانبعاث الصفري ومساعدة البلدان الضعيفة على التعامل مع تأثيرات المناخ. كذلك ستستعرض القمة الفوائد الاقتصادية للعمل المناخي، مع التركيز القوي على خلق فرص عمل وعلى أهمية ضمان استفادة كل المجتمعات والعمال من الانتقال إلى اقتصاد الطاقة النظيفة الجديد، ومع تحفيز التقنيات التحويلية التي قد تساعد في تقليل الانبعاثات والتكيّف مع تغيّر المناخ، إلى جانب خلق فرص اقتصادية جديدة هائلة وبناء صناعات المستقبل.

وكان بايدن قد وقّع فور وصوله إلى البيت الأبيض، وبعد أدائه اليمين الدستورية في يناير/ كانون الثاني الماضي، سلسلة أوامر تنفيذية، من بينها مرسوم يعيد الولايات المتحدة الأميركية إلى اتفاق باريس للمناخ، بعدما كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد انسحب رسمياً منه في يونيو/ حزيران 2017. وشملت أوامر بايدن حظر منح عقود إيجار جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في الأراضي الفدرالية، إذ شدّد على وجوب الحفاظ على ثلث هذه الأراضي (على أقلّ تقدير) كمحميات. كذلك أمر بتسريع وتيرة منح التراخيص لمشروعات الطاقة المتجددة، من أجل مضاعفة إنتاج طاقة الرياح بحلول عام 2030 وجعل قطاع الكهرباء خالياً من الكربون بحلول عام 2035.

وقد أكد بايدن في هذا الإطار أنّ بلاده ستقود جهود العالم في مواجهة التغيّر المناخي، مضيفاً أنّه لا يمكنها القيام بذلك بمفردها. وبالنسبة إليه، إنّ العمل على حماية المناخ سيوفّر كذلك وظائف جديدة برواتب عالية، إذ سيتطلب الأمر تشغيل مهندسين وعمال لبلورة برامج بشأن الطاقة النظيفة، مشيراً إلى عزمه على استثمار 90 مليار دولار أميركي في مجال الطاقة النظيفة. يُذكر أن الولايات المتحدة قد وعدت خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، بتقديم ثلاثة مليارات دولار لصندوق الأمم المتحدة الأخضر للمناخ، لكنّها لم تقدّم إلا مليار دولار قبل أن يسحب ترامب الدعم الأميركي للصندوق، فيما وعدت إدارة بايدن بالوفاء بوعد أوباما. لكنّها تعهدت فقط بمليار و200 مليون دولار، فيما حثّ ناشطون أميركيون الرئيس بايدن على التبرّع بمبلغ ثمانية مليارات دولار للصندوق من أجل اللحاق بالمساهمين الآخرين.

ويقول محللون إنّ الوصول إلى الأهداف العالمية في مواجهة التغيّر المناخي يتطلب التخلص التدريجي من الفحم بشكل أسرع بخمس مرات ممّا كان عليه في خلال الفترة الممتدة ما بين عام 2013 وعام 2018، وزيادة المساحات الخضراء بمعدّل أسرع بخمس مرات، وتكثيف إنتاج واستكشاف الطاقة المتجددة بصورة أسرع بستّ مرات ومضاعفة الانتقال إلى السيارات الكهربائية 22 مرة. يضيف هؤلاء أنّ الوصول إلى صافي صفر من انبعاثات الكربون العالمية في وقت مبكر من عام 2050 سيؤدّي إلى تحوّل شامل في الاقتصاد العالمي، إذ سيتجاوز الاستثمار العالمي في مجال الطاقة النظيفة الجديدة 10 تريليونات دولار حتى منتصف القرن، أي أكثر من ستة أضعاف الاستثمار في الخيارات الأكثر تلويثاً، ومن الممكن أن تمثّل قطاعات الطاقة النظيفة الأخرى من الهيدروجين إلى السيارات الكهربائية أسواقاً بمليارات الدولارات في خلال العقود المقبلة.

في سياق متصل، قرعت المنظمات والمؤسسات البيئية أجراس الإنذار من جديد إزاء مخاطر التغيّر المناخي على الكوكب وساكنيه، فقد قضى موسم حرائق الغابات في خلال عام 2020 على أكثر من 10 ملايين فدان، وتكلفت الولايات المتحدة الأميركية بنحو 100 مليار دولار من جرّاء الكوارث الطبيعية مجتمعة في العام الماضي، علماً أنّ أكثر من 11 ألف كارثة وقعت في السنوات الخمسين الماضية ارتبطت بأخطار تتعلق بالطقس والمناخ والمياه، وسبّبت وفاة مليونَي شخص وخسائر اقتصادية قدرها 3.6 تريليونات دولار.

من جهتها، توضح المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في تقرير لها عن حالة المناخ العالمي لعام 2020، أنّ البيانات المسجلة لديها تُظهر زيادات كبيرة في درجات الحرارة فوق البرّ والبحر، فضلاً عن تغييرات أخرى مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وذوبان الجليد البحري والأنهار الجليدية والتغيرات بأنماط تساقط الأمطار. تضيف أنّ كل المؤشرات المناخية الرئيسية تسلط الضوء على التغيّر المستمر وغير المنقطع للمناخ، وتزايد الظواهر المتطرفة واشتداد حدتها، وتفاقم الخسائر والأضرار الجسيمة الناجمة عنها، متوقعة استمرار الاتجاه السلبي للمناخ على مدى العقود المقبلة، ومشددة على أهمية الاستثمار في التكيّف مع التغيّر المناخي، وخصوصاً في قطاع خدمات الإنذار المبكر وشبكات مراقبة الطقس.

وبحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي، فقد زاد عدد الأشخاص المصنّفين أنّهم يعانون أزمات وحالات طوارئ ومجاعات إلى نحو 135 مليون شخص في 55 بلداً، فيما تحذّر الأوساط الدولية من أنّ ثمن الفشل في التكيّف مع التغيّر المناخي سيكون باهظاً، فهو قد يدفع ملايين جديدة من البشر إلى براثن الفقر. ويُعَدّ الأمن الغذائي مصدر قلق كبير نتيجة توقعات بأنّ ثمّة ملياري شخص تقريباً سيُضافون إلى عدد البشر  حالياً بحلول عام 2050، ويتعيّن بالتالي إطعامهم وتوفير الغذاء لهم، علماً  أنّ 40 في المائة من مساحة اليابسة في العالم أرض جافة، وسيؤدّي ارتفاع درجات الحرارة إلى تحويل مزيد منها إلى صحراء .

وفي الإطار نفسه، يرى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أنّ العالم يقف اليوم على حافة الهاوية، ولم يعد لديه وقت يضيعه، فالمناخ يتغيّر وآثاره باتت تكلف الناس والكوكب الكثير، مشدداً على أنّ العام الجاري عام العمل، ويتعيّن على كل الدول التزام الوصول إلى انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، وأن تقدّم قبل انعقاد مؤتمر الأطراف في غلاسكو في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل خططاً مناخية وطنية طموحة تخفّض بحلول عام 2030 الانبعاثات العالمية بنسبة 45 في المائة، مقارنةً بمستويات عام 2010. وهذه دعوة غير مباشرة للعالم كي يوحّد جهوده لتفادي أسوأ العواقب التي قد تترتّب عن استمرار التغيّر المناخي وارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض وفي محيطاته وبحاره وأنهاره.

(العربي الجديد، قنا)

المساهمون