"تزداد العواصف والفيضانات وحرائق الغابات في العالم. يؤذي تلوث الهواء صحة عشرات الملايين، ويلحق التغيّر المناخي أضراراً لا توصف بالمنازل وسبل العيش، ما يعني أن التأثيرات مدمرة". بهذه الكلمات يقدم ألوك شارما، رئيس قمة "كوب 26" للمناخ التي تستضيفها مدينة غلاسكو الاسكتلندية، اليوم الأحد، القمة المصيرية للعالم بعد تسارع النتائج السلبية لعدم الالتزام الكامل ببنود اتفاق باريس للمناخ عام 2015.
وينظر خبراء كُثر إلى مؤتمر غلاسكو، الذي أرجئ عقده عاماً بسبب جائحة كورونا، باعتباره "فرصة أخيرة لإنقاذ الأرض من مصير مظلم"، علماً أن التغيّر المناخي تحوّل من قضية هامشية للعالم عام 1995 إلى قضية أساسية وطارئة، وحتى وسيلة لجذب أحزاب وحركات مواطنين في مجتمعات، خصوصاً في دول الشمال، من خلال تبني شعار "التحوّل الأخضر"، ومخاطبة ما يسمى "جيل غريتا"، نسبة إلى الناشطة البيئية السويدية غريتا تونبرغ التي تعمل لوقف الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ.
وبغض النظر عن الوصف المتشائم للرئاسة البريطانية للقمة، لا تعكس الوقائع الميدانية أي مؤشرات للخير على صعيد الوضع العالمي للمناخ، في ظل مشاهد عن حالات مناخية "غير طبيعية" تترافق مع كوارث من العيارات الثقيلة، وتقارير متتالية لباحثين وخبراء تحذر من التداعيات السلبية لاستمرار الحال السائدة، وبينها في ألاسكا الأميركية ومنطقة القطب الشمالي، حيث يذوب الجليد ويرتفع منسوب المياه بشكل غير مسبوق بسبب ارتفاع الحرارة.
وخلال الصيف الماضي، عايش الأوروبيون المعنى الحقيقي لتغيّر المناخ من خلال الفيضانات المدمّرة ودرجات الحرارة المرتفعة والحرائق، علماً أن الشمال الأوروبي تحديداً يحتضن اليوم النقاش الأكبر حول مسؤولية الإنسان عن الضرر الذي لحق بالبيئة والمناخ العالميين. وتظهر موائد الطعام في مجتمعاته بعض معطيات الجدل من خلال تضمنها كميات أقل من لحوم الأبقار وأكبر من الأغذية العضوية، كما يزداد اعتماد هذه المجتمعات على الطاقة البديلة والمستدامة. أما في مجتمعات ما يسمى "العالم الثالث" فتخلق الوقائع المأساوية للتغيّرات المناخية، ولو ببطء أحياناً، حالات هجرة ونزوح، وكوارث طبيعية ظلت لعقود بعيدة عن جدول أعمال حكوماتها.
الشباب في المرصاد
من هنا سيناقش جدول أعمال قمة غلاسكو أسئلة كثيرة مطروحة حول وسائل وقف البشرية التدهور البيئي المتسارع، وهو ما يتطلب، بحسب خبراء الأمم المتحدة، "إرادة وقدرة لدى الدول على استخدام بدائل للوقود الأحفوري لا تضخ الغاز المضرّ الذي خلق الاحترار ودمّر البيئة في مناطق، مع تحقيق الإفادة القصوى من تطور التقنيات والوسائل التي تسمح بانتقال البشرية إلى الطاقة المستدامة". لكن هؤلاء الخبراء يدركون في الوقت ذاته أن "هذه الإرادة تتناقض أيضاً مع إصرار دول صناعية على مواصلة نسق الإنتاج السابق المسؤول عن معظم انبعاثات مادة ثاني أوكسيد الكربون".
وسبقت قمة غلاسكو مناقشة قمم كثيرة خفض انبعاث ثاني أوكسيد الكربون. وتوصلت أهمها في باريس عام 2015 إلى اتفاق تاريخي صادقت عليه أكثر من 190 دولة، قبل أن تنسحب الولايات المتحدة الأميركية منه في عهد رئيسها الجمهوري السابق دونالد ترامب، ثم تعود إليه بعد تولي الرئيس الديمقراطي جو بايدن الحكم هذا العام. لكن ذلك لم يمنع تسارع الضرر البيئي بشكل فاق كل التوقعات، ما يؤكد أن أجراس الإنذارات التي أطلقها خبراء ونشطاء في البيئة والمناخ طوال سنوات لم تؤخذ بجدية. لكن الجيل الشاب بات أكثر وعياً وانخراطاً في الضغط على السياسيين من كل التيارات لتبني برامج تحدّ من المخاطر الملموسة للتغيّرات في يوميات الفيضانات وارتفاع درجة حرارة الأرض، مع استمرار الانبعاثات المشكلة للغازات الدفيئة والاحتباس الحراري.
الفهم الخاطئ
والحقيقة أن رؤساء دول، بينهم الروسي فلاديمير بوتين ونظيره السابق ترامب وآخرون من المتحالفين مع الشركات الضخمة، وبعض زعماء العالم الثالث، أظهروا فهماً خاطئاً في التعامل مع ارتفاع درجة الحرارة بنسبة 2 في المائة، ما جعلهم لا يتنبهون للمخاطر إلا حين نقلت عدسات الإعلام الحوادث المدمّرة أخيراً، والتي ربطها الخبراء بالإمعان في استخدام الوقود الأحفوري الذي يزيد كثافة الاحترار العالمي ويسرعه بشكل جنوني.
وفي إحدى المرات، أبدى بوتين الذي سيغيب عن قمة غلاسكو، سعادته بأن درجة حرارة سيبيريا والبحر المتجمد الشمالي ترتفع. لكن الحرائق الأخيرة في سيبيريا نفسها وآثار التغيّرات المناخية ربما تكون قد أقنعته بأن ثمن "جشع" المنافسة على الطاقة والمواد الأولية في المنطقة القطبية الشمالية باهظ، ليس على بلاده وحدها بل على الكرة الأرضية.
تحذيرات الخبراء
والأكيد أن "الجشع" السياسي لم يتلاقَ مع التحذيرات الدؤوبة لخبراء الأمم المتحدة الذين قالوا في تقرير سابق إن "توقيع اتفاق باريس للمناخ وموجة الحديث عن التغير أو التحوّل الأخضر لا يمنعان استمرار وتزايد إنتاج الطاقة السوداء للوقود الأحفوري، من دون أي مؤشرات إلى تراجعه أو توقفه، في ظل توقعات بارتفاع إنتاج الفحم أكثر من 244 مرة في عام 2030، والنفط بنسبة 57 في المائة، والغاز بنسبة 71 في المائة".
ويقول بلوي أشاكولويزيوت، وهو أحد معدي التقرير، لـ"هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي): "توضح الأبحاث أن العالم يحتاج على المدى البعيد إلى تقييد إنتاج الفحم والنفط والغاز وخفضه، إذا أراد فرملة ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية. ويجب أن يظهر ذلك فوراً في منحى الإنتاج، في وقت تواصل فيه الحكومات التخطيط لدعم إنتاج الوقود الأحفوري حتى إلى حد يتجاوز بكثير الكميات المطلوبة لحرقه بمسؤولية".
ولا بد من الإشارة إلى أن تحديد درجة الارتفاع الحراري بـ1.5 في المائة ليس أمراً سهلاً استناداً إلى الوتيرة المتسارعة منذ انطلاق عصر الصناعة، علماً أن خبراء وصفوا الالتزام بهذه الدرجة بأنه "كارثي في ظل استمرار تملص الدول من مسؤولياتها، خصوصاً تلك المسؤولة عن الانبعاثات الأكثر ضرراً".
من هنا يرى الخبراء أن "قمة غلاسكو ستتصدى لتحدي تطبيق نتائج قمة باريس قبل 6 سنوات على صعيد ضرورة تخفيف ظاهرة الاحتباس الحراري عبر تفعيل ما يسمى الأهداف الوطنية الطموحة، وتخصيص الأموال اللازمة للحدّ من الانبعاث الحراري، وإلا ستذهب الأرض بشكل متسارع نحو وضع كارثي في ظل التهديدات بارتفاع الحرارة إلى 2.7 درجة مئوية".
وفي السياق، يطالب بعض الخبراء بـ"إعادة هيكلة نظام الطاقة العالمي بالكامل، بحلول منتصف القرن الحالي، من أجل تحقيق هدف نجاة البشرية".
الأفعال بدلاً من الثرثرة
من هنا، تقول الناشطة تونبرغ، إن "الدول يجب أن تنتقل في قمة غلاسكو إلى الأفعال بدلاً من الثرثرة، وتركز على معالجة المخاوف الكبيرة للدول المنتجة للطاقة الأحفورية، والبحث بسرعة عن وسائل تطبيق خطط التحوّل نحو الطاقة الخضراء في إنتاج الكهرباء وقطاعات النقل والصناعة والإسكان، والتي ستوقف أيضاً تدمير الغابات وإزالتها والعبث بالطبيعة ونهب التربة والرمال للبناء".
وتعتبر الخطط الموضوعة للانتقال من الطاقة الأحفورية إلى المستدامة الخضراء بحلول عام 2050 طموحة، لكن بطء تنفيذها يسرّع التوجه نحو كوارث تهدد شعوب الأرض، سواء انتمت إلى مجتمعات متقدمة أو نامية، علماً أن خبراء في الأمم المتحدة أو في الدول الأوروبية الشمالية يقترحون تبني الحكومات خريطة طريق لتحييد المناخ عن التأثيرات السلبية للوقود الأحفوري خصوصاً، ومطالب وكالة الطاقة الدولية الخاصة بالحد من التنقيب عن موارد أحفورية.
وباتت بعض الدول الأوروبية الشمالية، بينها السويد وألمانيا التي تخلت عن الوقود الأحفوري، تستعيد النقاش حول العودة إلى استخدام المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة، بينما تستهدف الدنمارك ودول أوروبية أخرى الوصول إلى إنتاج نصف احتياجاتها من الطاقة الكهربائية عبر توربينات الهواء. وقد باشرت دول أوروبية منذ سنوات باستكشاف سبل الحدّ من استخدام وسائل النقل التي تعمل بالبنزين والديزل، واستبدال السيارات التي تتزود بالطاقة الأحفورية بتلك الكهربائية.
التحوّل الأخضر بعيد
لكن روسيا والصين، ودول أخرى مثل النروج التي تعتبر أكبر منتجة للوقود الأحفوري في أوروبا، قلقة من النتائج السلبية لـ"التحوّل الأخضر" على اقتصاداتها وصناعاتها ومداخليها القومية، علماً أن الأمم المتحدة ترى أن "المسافة كبيرة بين خطاب التحوّل الأخضر والواقع الأسود، خصوصاً بعدما ضخت حكومات مبالغ كبيرة لمواجهة آثار أزمة كورونا على اقتصادها، علماً أن 20 دولة خصصت نسبة 45 في المائة من هذه المبالغ لشركات تستهلك الوقود الأحفوري أو تنتجه، ما يؤكد أن صناديق التحفيز لاقتصاد جديد وأخضر لا تسير في الاتجاه الصحيح".
وبعدما ارتفعت أسعار الوقود الأحفوري أخيراً، حذر خبراء من أن الربحية قد تدفع دولاً وشركات كبيرة إلى التملص من التزاماتها "المناخية". وتتحدث تقارير عن مشاريع صينية لزيادة إنتاج الفحم وربما لبناء محطات طاقة تعمل بها، ما سيصعّب الخطط الطموحة على هذا الصعيد، علماً أن المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة الدنماركية إنغر أندرسن تعتبر أن الإجراءات السابقة لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة لا تكفي، وتطالب بأخرى بعيدة المدى على مستوى العالم لخفض استخدام الفحم والنفط والغاز.