مع احتلال بلجيكا المركز السادس في الترتيب الأوروبي لناحية نمط الحياة الذي لا يعتمد على الحركة، لا تعدّ صحّة القلب والأوعية الدموية للبلجيكيين مطمئنة. وزاد الأمر سوءاً خلال فترة الحجر الصحي في ظل تفشي فيروس كورونا، وبالتالي الاضطرار للعمل عن بعد. لذلك، أطلقت حملة بعنوان "أرجوك، قف وتحرك"، أو "من فضلك، انهض وتحرك" في البلاد، لتشجيع الناس على الحركة. ويقول طبيب القلب ورئيس اللجنة العلمية لرابطة أمراض القلب البلجيكية، البروفيسور أنطوان بوندو، لـ "العربي الجديد": "كانت الأرقام بالفعل مقلقة للغاية قبل فترة ظهور الجائحة. وأظهرت الدراسات أن البلجيكيين يبقون جالسين بمعدل ست إلى سبع ساعات يومياً. ومن الواضح أن ظروف هذه الأزمة الصحية لم تؤد إلا إلى تفاقم الوضع".
ويوضح بوندو: "يتحرك الناس أقل من السابق، حتى لو مارس البعض رياضة أكثر"، مشيراً إلى أنه لا يجب الخلط بين ممارسة الرياضة والنشاط البدني اليومي الذي انخفض. يضيف: "يمكننا القول بوضوح شديد إن هناك زيادة في الوزن مرتبطة بنمط حياة أكثر خمولاً وزيادة في تناول الطعام لدى عدد من الأشخاص خلال فترة الحجر الصحي. لدى استقبال المرضى، نرى أن عوامل الخطر المتعلقة بأمراض القلب متفشية. وبسبب الزيادة في الوزن، نرى أيضاً ارتفاعاً طفيفاً في ضغط الدم، ومشاكل أكثر خطورة مثل مرض السكري. يضاف إلى ذلك ضعف جودة النوم ومشاكل في الصحة النفسية والعقلية. مع ذلك، هناك معطيات موضوعية تظهر بوضوح أن غياب النشاط البدني المنتظم مرتبط بزيادة معدل الوفيات المتعلق بأمراض القلب والأوعية الدموية".
يتابع بوندو أن المعنيين بشكل أكبر من غيرهم هم أولئك الذين يعملون عن بعد والمراهقون الذين لم يعودوا يذهبون إلى المدرسة. "من المؤكد أن أسلوب الحياة الذي يتسم بقلة الحركة يساهم في تعزيز هذه الظاهرة".
بالإضافة إلى هذه الصورة القاتمة، هناك مشاكل أخرى تتعلق بالتأخر في التشخيص. ويقول بوندو: "في ما يتعلق بأمراض القلب والأوعية الدموية، أدت أزمة كورونا في بعض الأحيان إلى تأخر كبير في التشخيص"، مضيفاً: "علينا حقاً الإصرار على عودة الأشخاص إلى المستشفى وتشخيصهم وعلاجهم بشكل صحيح. كطبيب قلب، أنا قلق حقاً بشأن هذا الوضع. خلال تفشي الموجة الأولى لجائحة كرونا، شهدنا انخفاضاً في عدد المرضى بالقلب، لأن الناس لم يتوجهوا إلى المستشفى، الأمر الذي أدى إلى زيادة المرض. نستعد الآن لاستقبال المزيد من مرضى القلب والأوعية الدموية، لأن الناس يكسبون وزناً إضافياً، وقد أصبحوا أكثر خمولاً، ولا تتم مراقبة العوامل الخطرة التي تؤدي إلى أمراض القلب". ولأن الأطباء مرهقون أيضاً، فيتم إيلاء اهتمام أقل لتلك الجوانب التي تشكل الحجر الأساس لأمراض القلب والأوعية الدموية في المستقبل.
إلى ذلك، يقول أطباء إن الجلوس نحو ثماني ساعات في المتوسط يومياً خلف الحاسوب، قد يشكل خطراً على الصحة. وبحسب دراسة نُشرت مؤخراً، يرتبط الخمول البدني بزيادة بنسبة 24 في المائة بخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وزيادة بنسبة 16 في المائة بخطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وزيادة بنسبة 42 في المائة بخطر الإصابة بمرض السكري.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أشارت إلى أن أكثر من ثلاثة ملايين شخص يموتون سنوياً بسبب نمط الحياة الخالي من الحركة. وأوصت بما لا يقل عن ساعتين ونصف الساعة من النشاط البدني المعتدل الشدة، أو ساعة وربع الساعة من النشاط البدني القوي في الأسبوع، أو مزيج من الاثنين. ويمكن تنفيذ هذه التوصيات في المنزل، من دون معدات خاصة وفي مساحة محدودة.
في هذا الإطار، أطلقت حملة "أرجوك، قف وتحرك" أو "من فضلك، انهض وتحرك". وتركز حالياً بشكل أساسي على الموظفين في الشركات، لحثهم على تعزيز النشاط البدني، على أن تستهدف عامة الناس خلال العام الجاري. ويشرح بوندو: "نعتقد أن هناك حاجة حقيقية للناس لتعزيز النشاط البدني بمعدل ثلاثين دقيقة في اليوم. ليس من الضروري أن تكون رياضة مكثفة، ولكن مجرد المشي، وركوب الدراجة الهوائية قليلاً. هناك سلسلة كاملة من الأشياء التي يمكن للمرء أن يمارسها بسهولة في الحياة اليومية. الفكرة هي بالفعل الدخول في ديناميكية إيجابية للحركة، وممارسة نشاط بدني منتظم ويومي، من خلال برنامج رياضي ممتع يناسب الجميع". ففي مواجهة هذا التهديد الصامت المتزايد، يجب أن تستمر توعية عامة الناس من جميع الأعمار بأهمية النشاط البدني وفوائده الصحية، كما يشدد متخصصون في مجال الصحة.