قطر لجينوم الصقور... مشروع علمي يخدم "صقارة" العالم

23 اغسطس 2022
يعد القنص باستخدام الصقور تراثاً عالمياً (العربي الجديد)
+ الخط -

تُعتبر تربية صقور الصيد أحد أبرز الأنشطة التراثية في منطقة الخليج العربي، وقبل أن تظهر عدة مؤسسات متخصصة، عمل كثير من المربين على توثيق تاريخ الصيد، والحفاظ على أدواته.

وأطلقت جمعية القناص القطرية منذ إنشائها قبل 14 عاماً، العديد من المهرجانات والبطولات المتنوعة، وفي مطلع عام 2016، وخلال مؤتمر قطر الدولي لبيطرة الصقور، أطلقت الجمعية مشروع "قطر لجينوم الصقور"، وهو مشروع علمي فريد من نوعه تعمل الجمعية من خلاله لخدمة تراث "الصقارة" محلياً وإقليمياً ودولياً. 
واعتبر رئيس مجلس إدارة الجمعية، علي بن خاتم المحشادي، المشروع إنجازاً علمياً، مؤكداً تمكّن "قطر لجينوم الصقور" من تحليل الخرائط الجينية للأنواع الرئيسية للصقور، وتطوير فحص جيني عالي الدقة يعد الأول من نوعه، لتحديد سلالاتها، والكشف عن نسب التهجين. 
ويستخدم المشروع آخر ما توصلت إليه علوم الجينوم لدراسة المادة الوراثية للكائنات الحية لتحقيق عدة أهداف، أهمها توصيف الخريطة الجينية للأنواع الرئيسية للصقور، وخصوصاً الصقر الحر، وصقر الشاهين، وصقرالجير، وتحديد البصمات الوراثية المميزة للسلالات النادرة والشائعة من الصقور، واكتشاف الجينات المسؤولة عن أهم الصفات التي تختص بها أنواع الصقور المختلفة، بالإضافة إلى إنشاء بنك جينات يحفظ المواد الوراثية للسلالات المختلفة لتسهيل عمل الباحثين في هذا المجال. 
وحول تطبيقات المشروع، ذكر المحشادي لوكالة الأنباء القطرية الرسمية، أن النتائج ستوظف للتأسيس لمشاريع الحفاظ على الصقور في قطر بناء على أساس علمي متين، وضمان الحفاظ على المجموعات البرية للصقور، وحفظ نقاوة سلالاتها في الطبيعة، وستطبق النتائج في مشاريع الحفاظ على الصقور التي تنظمها جمعية القناص القطرية.
وحول صدى الكشف عن الخريطة الجينية للصقور، قال المحشادي، إن الجمعية تلقت اتصالات عديدة، وأشاد كثيرون بهذا الإنجاز العلمي العالمي، والذي تم تسجيله في جامعات عالمية، وجذب جهات دولية للتعاون من بينها جامعة روكفلر في نيويورك، وجامعة موناش في أستراليا.
وأوضح مدير مشروع "قطر لجينوم الصقور" الباحث المتخصص في علوم الجينوم، فاروق العجلي، أن الفحص ارتكز على آخر ما توصل إليه علم الجينوم من رسم خرائط جينية عالية الجودة لعدة أنواع من الصقور، وتم إيداعها في قواعد بيانات التقنية الحيوية العالمية، وتبع ذلك مسح واسع النطاق لمجموعات الصقور لتحديد البصمات الجينية للأنواع الرئيسية والسلالات الفرعية.

الصورة
تحديد سلالات الصقور يكشف نسب التهجين (العربي الجديد)
تحديد سلالات الصقور يكشف نسب التهجين (العربي الجديد)

وتابع أن الخرائط الجينية للصقور تتميز باستيفائها معايير الجودة الجينومية العالية من جهة دقتها واكتمالها وتواصل تسلسلها بفضل استخدام أحدث التقنيات العلمية ونظم المعلومات الحيوية، مما يجعل هذه الخرائط مرجعاً ليس لدراسات الصقور فحسب، وإنما للجوارح وأنواع الطيور المقاربة الأخرى.
ويؤكد العجلي أن الفحص الذي جرى تطويره باستخدام هذه الخرائط الجينية سيكشف بدقة النسب الفعلية للتهجين في الصقور، لا سيما تلك التي تم إكثارها في مزارع التفريخ حول العالم، بالإضافة إلى تحديد الأنواع والسلالات المستعملة في عملية التهجين.
ومن الأهداف الرئيسية لتطوير الفحص تمكين مشاريع الحفاظ على الصقور في قطر وخارجها من رصد السلالات المهجنة، واستبعادها من عملية التكاثر لضمان إكثار السلالات النقية، وخاصة المهددة منها بالانقراض، ثم إطلاقها في الطبيعة بناء على بصماتها الجينية، الأمر الذي يهدف إلى تعزيز مجموعات الصقور البرية المنتمية إلى نفس السلالة الجينية، والمساهمة في اندماج الصقور المتكاثرة، وتأقلمها على التكاثر في البيئات الأصلية من دون الإخلال بالبنية الجينية لمجموعات الصقور البرية في أماكنها الطبيعية.
وكشف الباحث القطري عن توصل المشروع إلى العديد من النتائج المهمة على الصعيد العلمي والتطبيقي في علوم الجينات، لا سيما في سياق مساعي الحفاظ على الصقور وصحتها.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وقال المدير العام لمؤسسة الحي الثقافي في قطر "كتارا"، خالد السليطي، إنه من شأن هذا الاكتشاف العلمي، أن يرسخ دور قطر ومكانتها الريادية على مستوى العالم في مجال صون تراث الصقارة، والذي يعتبر تراثاً إنسانياً عالمياً مسجلاً لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" منذ عام 2016، فضلاً عن ممارسة هواية الصيد بالصقور على أسس علمية، ومساعدة الباحثين في مجال بيطرة الصقور على تقديم الرعاية لها وفق أعلى المعايير.
ويعتبر مدير مستشفى سوق واقف للصقور، إقدام مجيد الكرخي، المشروع من بين البحوث العلمية المتطورة التي يحتاجها المهتمون بالصقور، سواء الباحثون والأكاديميون، أو أصحاب الصقور، لدوره الفعال في الكشف عن العديد من المشكلات المبهمة التي كانت تثير في السابق كثيراً من التساؤلات، ومن بينها سلالات الصقور، ومواصفاتها من ناحية السرعة، ومقاومة الأمراض.
ويضيف الكرخي: "من خلال معرفة نسب أنواع الصقور، سيمكننا المشروع من معرفة أصل الصقور، وما إذا تم استقدامها من أماكن باردة أو رطبة أو حارة، والتعرف إلى الأمراض التي قد تصيبها لتوفير العلاجات المناسبة، أو تجنب العوامل التي تؤدي إلى إصابتها بالأمراض، مثل نوع التغذية، أو درجات الحرارة وغيرها".
ويقول صاحب محمية الكبيسي التعليمية، محمد بن سعيد الكبيسي، لـ"العربي الجديد"، إن "قطر لجينوم الصقور مشروع رائد على مستوى العالم، ويفيد الصقارين في كشف ماهية الصقر المشارك في المسابقات المختلفة التي تنظم في مجالات الصيد والصقور، كما يحدد طبيعة جيناته، ويكشف ما إذا كان هناك خلط في الجينات، ويحدد نسبتها، كما يحدد سلالات الصقور بدقة".

الصورة
تصل أسعار الصقور نقية السلالة إلى أرقام خيالية (العربي الجديد)
تصل أسعار الصقور نقية السلالة إلى أرقام خيالية (العربي الجديد)

ومن أشهر أنواع الصقور المستخدمة في القنص، صقر الحر، وصقر الشاهين، وصقر الجير، وكل نوع تتفرع منه عدة أنواع، فالصقر الحر معروف بجماله وقوته، وصقر الشاهين هو أسرع حيوان في العالم، وتصل سرعة طيرانه إلى 389 كيلومتراً في الساعة، وهما صقرا الصيد الأكثر شهرة، واللذان عادة ما يتم ترويضهما، وإعدادهما للطلب التقليدي للبيع في أسواق الصقور، وتتراوح الأسعار ما بين 30 ألف ريال وأكثر من مليون ريال للصقر الواحد. (الدولار يساوي 3.64 ريالات).
وتضم جمعية القناص القطرية في عضويتها أكثر من 2000 صقار، إضافة إلى الهواة. وبدأ في عام 2015 مشروع إنشاء "أرشيف الصقارة القطري" لتوثيق تاريخ الصيد، والصقارين القدامى، وذلك عبر جمع الكتب والوثائق والمخطوطات والصور، والمواد المكتوبة والمسموعة والمرئية، وتوثيق التاريخ الشفهي المتعلق بهذا الإرث القطري الذي يعد جزءا من التراث العالمي.

المساهمون