تواصل "قضية الموز" تفاعلها في تركيا، بعد اعتقال الشرطة 7 مواطنين سوريين شاركوا فيديوهات عنها بتهمة "تحريض الناس على الكراهية والإذلال"، والتلويح بترحيلهم إلى سورية، وكذا استغلال أحزاب تركية معارضة هذه الورقة للضغط على اللاجئين.
وبدأت قصة "الموز" منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد تداول مقطع فيديو أجرت خلاله محطة يوتيوب تركية مقابلات بالشوارع، سألت خلالها عن الوضع المعيشي للأتراك بعد تراجع سعر صرف الليرة ودور اللاجئين بتفاقم الوضع المعيشي، فقالت سيدة تركية "أرى السوريين في الأسواق الشعبية يشترون الموز بالكيلوغرامات، وأنا بنفسي لا أستطيع تحمل كلفة الموز".
هذه القضية أثارت جدلا واسعا، الأمر الذي دفع سوريين مقيمين بتركيا وخارجها، للرد بسخرية عبر حملات وتريندات حول الموز وإطلاق شعارات ساخرة من قبيل "الموز ولا المذلة". بل عمدت جهات إلى الإساءة إلى علم تركيا واستبداله بموزة، فيما رفض سوريون آخرون تسييس الموضوع.
هذه القضية أثارت جدلا واسعا، الأمر الذي دفع سوريين مقيمين بتركيا وخارجها، للرد بسخرية عبر حملات وتريندات حول الموز
وفي هذا السياق قال الإعلامي فراس ديبة "لم نكن نتوقع أن تأخذ القصة هذه الأبعاد والتأويلات، كتبنا ساخرين لمواجهة أوجاعنا بالابتسامة والردّ على التجنّي من بعض الأتراك، بعد تعالي نبرة العنصرية التي تؤججها أحزاب تركية وبعض الجهات الخارجية".
وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، "قلّما نملك أدوات أو وسائل قانونية ندافع بها عن حقوقنا أو نوضح الحقيقة المزيّفة التي يتداولها معظم الأتراك، لذا نلجأ للسخرية وأحياناً للكتابة والتوضيح، أو إلى حملات إن اقتضت الضرورة، كما وقع في ملف رفض معالجة المرضى السوريين بالمشافي الحكومية، والتراجع عن القرار بعد الضغط ورفع الصوت.
وأوضح أن تداعيات هذه القضية لم تتوقف، حيث تم الركوب من كثيرين عليها، وسيّسها البعض، ورآها آخرون نكراناً للجميل ووصلت الإساءة لرموز تركيا، باستبدال علم تركيا بموزة وهو ما نستنكره بالمطلق.
وتابع "إن التفاعل الكبير مع هذه القضية من شأنه أن يخرجها من الغرف المغلقة والتداول غير الرسمي، إلى فوق الطاولة، ووقتها يمكن للدولة التركية الحد من حملات العنصرية ونشر المعلومات المضللة حول اللاجئين السوريين بتركيا، كأخذ مبالغ من الحكومة والتعليم الجامعي المجاني وأن السوريين سبب البطالة والفقر، من دون التطرق إلى وضع سورية غير الآمن أو دور السوريين بالاستثمارات وتشغيل العمالة وتنشيط الاقتصاد".
وفيما يتعلق بالإساءة لعلم تركيا، أوضح أنّ "من صمم ذلك هم سوريون من خارج تركيا، وربما لهم رأي ومواقف من تركيا، ولكن هذا لا يمثلنا ويجب ألا ندفع ثمنه"، ولفت إلى أن بعض المعارضة التركية تتواصل مع مخابرات بشار الأسد، وذلك بالتوثيق وليس تكهنا أو استنتاجاً، بهدف مشترك هو تأليب الأتراك على اللاجئين وتصعيد خطاب الكراهية وسلوك العنصرية، ولدينا محادثات لمعارضة بارزة مع مخابرات سورية".
من جهتها، استغلت جهات وأحزاب تركية تصاعد الحملة، واعتبرت أنّ "السوريين لا يحترمون ولا يظهرون الامتنان إلى البلد الذي أنفق عليهم مليارات الدولارات". وكان حزب "الجيد" الذي ترأسه ميرال أكشنر أبرز من قاد الحملة لتستغل القيادية بالحزب، إيلاي أكسوي منشورات السوريين وتزيد من التحريض وخطاب الكراهية، كما يقول سوريون بتركيا.
واعتقلت الشرطة التركية 7 مواطنين سوريين شاركوا فيديوهات عن الموز، بتهمة "تحريض الناس على الكراهية والإذلال"، معلنة خلال بيان أنها ستقوم بترحيلهم بعد إتمام الإجراءات القانونية اللازمة، ومضيفة خلال بيان رسمي أن "العمل لا يزال جاريا للكشف عن جميع أبعاد هذه الحملة الاستفزازية، وسيواجه جميع المشاركين بها الإجراءات القضائية اللازمة".
ويرى المحلل التركي هشام جوناي، أن القضية أخذت أبعاداً كثيرة بعد ركوب جهات عدة عليها، فمن جهة تحميل السوريين وزر الواقع المعيشي خطأ، ولكن من حق المواطن التركي أن يسأل عن وضع اللاجئين بعد عشر سنوات من إقامتهم"المؤقتة" وتردي الواقع المعيشي، معتبراً أن سبب إثارة كل هذا الزوبعات عدم وضوح وضع السوريين بتركيا.
ويشير جوناي لـ"العربي الجديد"، أنّ الفضاء الإلكتروني مفتوح ويمكن اختراقه بسهولة، بمعنى أنّ من أساء للعلم التركي بوضع موزة مكان الهلال، قد يكون من خارج تركيا أو "مندس" من قبل نظام الأسد، ولكن في الوقت نفسه، يعتبر المحلل التركي أن رد فعل السوريين بتركيا على "فيديو السيدة التركية" مبالغ فيه ودخل حيز السخرية والإساءة، متسائلا "ما مبرر صور أكل الموز وإغاظة الأتراك والتعليقات الساخرة؟!
وحول الترحيل يضيف المتحدث، هذه القرارات يجب أن تتم بعد التثبت والدلائل وبعد قرار القضاء، منبهاً إلى أن الشمال السوري ليس خطراً على السوريين، بل إنهم يذهبون لقضاء الأعياد هناك، هكذا يرد الأتراك على مخاوف السوريين من العودة إلى بلدهم.
من جهته، يقول رئيس تجمع المحامين السوريين بتركيا، غزوان قرنفل لـ"العربي الجديد" آخر معلوماتنا أنه لم يتم ترحيل السوريين السبعة إلى سورية حتى اليوم، ولم يزالوا بمديرية هجرة غازي عنتاب، شارحاً أن عدم الترحيل يكون بسبب عدم تقديم الموقوفين طعناً بقرار الترحيل أو عدم التوقيع على "وثيقة العودة الطوعية إلى سورية"، لافتاً إلى أن من لم يتقدم بقرار طعن على قرار الترحيل أمام المحكمة الإدارية، على الأرجح سيتم تنفيذ القرار بحقه. ويوضح "كثير من السوريين لا يعرفون حقيقة ضرورة الطعن أو لا يملكون المال لتوكيل محام".
ويكمل قرنفل أنّ من "استغل الفيديو أو سخر من الرموز السيادية والوطنية فقد ارتكب جريمة منصوص عليها بقانون العقوبات"، غير أن موضوع الترحيل فيه ملاحظة، وهي أن إدارة الهجرة تستبق قرار الحكم القضائي بالترحيل دون انتظار نتائج المحاكمات، وهذه مشكلة قانونية يجب معالجتها ولا يجوز الترحيل من دون رقابة قضائية.
وحول تصاعد خطاب الكراهية واستغلال أحزاب تركية معارضة ورقة اللاجئين، يشير قرنفل إلى أن تركيا، تحضر هذه الفترة لإصدار قانون يجرّم العنصرية، فرغم وجود نصوص قانونية تجرّم خطاب الكراهية، إلا أنه ثمة أتراك يوغلون باستخدام تأجيج الكراهية مثل إيلاي أكسوي من حزب "الجيد" التي تقود حملات في هذا الصدد، وقد تم رفع دعاوى قضائية بحقها بتهمة تأجيج الكراهية والعنصرية، وتم التأكد بالأمس من تواصلها مع سوريين يتبعون لنظام الأسد والتنسيق معهم لتأليب الشارع التركي على اللاجئين السوريين.
ويعيش في تركيا نحو أربعة ملايين لاجئ سوري، وكثيراً ما تقع حوادث ضدّ بعضهم توصف أحياناً بـ"العنصرية"، خاصة في ظلّ الوضع المعيشي الصعب لكثير من المواطنين الأتراك، والذين يعتقد بعضهم أنّ مستوى معيشة اللاجئين السوريين أفضل منهم، بفضل المساعدات التي يتلقونها من الحكومة التركية.