قضاة بالمحكمة العليا الفلسطينية: تعديلات قوانين المحاكم "صيغت في عتمة الليل"

17 يوليو 2022
بيان القضاة يأتي داعماً لحراك نقابة المحامين الفلسطينيين (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

في أول تعليق من قضاة فلسطينيين على رأس عملهم على أزمة التعديلات القانونية المتعلقة بعمل المحاكم واستمرار نقابة المحامين بخطواتها الاحتجاجية، التي شملت تعليق الدوام مرة أخرى؛ أصدر، الأحد، أربعة من قضاة المحكمة العليا/النقض الفلسطينية، من أصل 32، بياناً، وصلت إلى "العربي الجديد" نسخة منه، واعتبرته أوساط حقوقية داعماً لحراك نقابة المحامين.

وطالب القضاة الموقعون على البيان بأن يجرى أي تعديل قانوني من خلال مشاركة واسعة من كافة أقطاب العدالة، معتبرين أن "التعديلات صيغت بأحسن الأحوال في عتمة الليل". والقضاة الموقعون هم: عبد الله غزلان، وعدنان الشعبي، ومحمد الحاج ياسين، وفواز إبراهيم عطية.

وتحدث أمين سر مجلس نقابة المحامين داود درعاوي، لـ"العربي الجديد"، عن أهمية المكانة القانونية للموقعين البيان، حيث إن "أحدهم، وهو غزلان، أقدم قاضٍ فلسطيني، ومعه قضاة موقعون من أقدم القضاة"، مشيراً إلى أنهم في بيانهم وضعوا أيديهم على الجرح التشريعي بشكل أساسي، وهو ما اعتبره الحقيقة الغائبة عن كل ما أُثير بخصوص الأزمة والقرارات بقانون (أي القوانين أو التعديلات القانونية التي يصدرها الرئيس محمود عباس بقرار منه في ظل غياب مجلس تشريعي يقر القوانين، والذي توقف عن العمل بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007، وحله عباس عام 2018 بعد قرار من المحكمة الدستورية).

وأصدر القضاة بيانهم في ظل ما قالوا أنه أنباء عن شل عمل المحاكم بعد إضراب نقابة المحامين ودعوتها لاجتماع للهيئة العامة لنقل أسماء المحامين المزاولين إلى سجل المحامين غير المزاولين، احتجاجاً على القرارات بقانون المتعلقة بتعديل قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية وقانون الإجراءات الجزائية وقانون التنفيذ، التي باتت نافذة منذ بداية الشهر الجاري، بعد أن جُمّد العمل بها لأشهر.

وقال القضاة حول التعديلات القانونية: "على ما أنبأت عنه القرارات بقانون، وما سبقها من قرارات بقانون كتلك المتعلقة بالسلطة القضائية وغيرها، فإنها وفي أحسن الأحوال صيغت في عتمة ليل، مخالفة لقواعد الدستور المتمثلة بالقانون الأساسي، إذ خلطت بين السياسة والقانون على نحو واضح، وهدمت الحقوق الدستورية الفردية والجماعية، وزادت من ارتفاع حمى الفصل وإصدار الأحكام والفصل في الدعاوى على حساب حقوق المواطنين".

ورأى القضاة أن الرأي الشخصي (في إشارة لمن قام بكتابة التعديلات) يبحث عن الإجراء الذي يكفله القانون بعيداً عن مشروعيته، حتى ولو خالف الدستور، وتابعوا "كما شوهت الكثير من النصوص التي تم اقتباسها من بعض القوانين العربية، بحيث تم إعمال ما يمكن أن يطلق عليه التقطيع، ناهيك عن عدم مراعاة الواقع الفلسطيني المعاش".

ويرى القضاة أن الإصلاح لا يتأتى من خلال تعديل أو تغيير القوانين، ما لم تكن منسجمة وأحكام الدستور، وغير قابلة للالتفاف عليها لإثبات دستوريتها، وفق مشيئة من صاغها وأعدها، وفق تعبيرهم، متسائلين إن كانت القوانين محل التعديل قد غدت عديمة الجدوى وفاقدة الثمار حتى يصار إلى تعديلها أو تغييرها.

أما عن تجميد القوانين قبل نفاذها، فاعتبره القضاة مؤشراً واضحاً على وجود خلل يلازمها، مؤكدين أن التجميد لا أساس له تشريعياً وقانونياً وقضاء وفقها، بل هو ظاهرة غير مسبوقة.

ولذا دعا القضاة في حال دعت الضرورة لتعديل أي قانون فلا بد، في ظل غياب المجلس التشريعي، من أن يتم ذلك من خلال مشاركة واسعة من كافة أقطاب العدالة: قضاة ومحامون وأعضاء نيابة عامة ومؤسسات المجتمع المدني وأساتذة القانون في الجامعات الفلسطينية وغيرهم من ذوي الاختصاص، منعاً للارتباك ونفعاً للصالح العام الوطني والمجتمعي والمهني، ليصار الوصول إلى حالة من الاستقرار العام، وحفظا للسلم الأهلي.

وعلق درعاوي في حديثه مع "العربي الجديد" بالقول: "إن القضاة وضعوا يدهم على الجرح، المتمثل بفكرة الاجتهاد الفلسطيني بموضوع إصدار القرارات بقانون وشل آثارها (تجميدها) رغم أن التشريع الفلسطيني لا يسعف في ذلك".

وقال درعاوي: "إن دعوة القضاة لوضع أية تشريعات بحاجة إلى تعديل للنقاش المجتمعي الواسع هي صمام أمان لضمان اتفاقها مع المبادئ الدستورية، فمن دون ذلك قد تنعكس أهواء شخصية على النصوص"، وهذا ما يرى درعاوي أنه حصل عندما شُكّلت لجنة من قضاة وأعضاء نيابة عامة يعملون في القضاء، لاقتراح التعديلات، وضعوا نصوصاً للمشاكل اليومية التي يواجهونها هم؛ ترتبط بالاختناق القضائي ونقص أعداد القضاة وأعضاء النيابة العامة بعيداً عن القاعدة القانونية التي تؤكد وجوب اتسام القوانين بالثبات التجرد والعمومية.

وكانت نقابة المحامين قررت الاستمرار بتعليق الدوام اليوم، بالتزامن مع جلسة طارئة للمجلس التنسيقي لقطاع العدالة لبحث مطالب النقابة، إثر تعليمات من الرئيس عباس، رغم تجميدها منذ أشهر لإتاحة المجال للمجلس نفسه لبحثها وهو ما لم يتم وفق نقابة المحامين.

وقال درعاوي: "إن بحث تعديلات قانونية في المجلس التنسيقي لقطاع العدالة لا يغني عن دعوة القضاة بالحوار الواسع، لأن المجلس مشكل من رئيس مجلس القضاء الأعلى، ونقيب المحامين، والنائب العام، ومدير الشرطة، ومدير الهيئة المستقلة؛ وهؤلاء يمثلون المستوى الرئاسي لهذه المؤسسات، ولا يمكن فتح نقاش تفصيلي معمق أمامهم حول تلك القضايا، وقد تنبع آراؤهم من إشكالية المصلحة، فالنائب العام معني بمشكلة نقص أعضاء النيابة العامة، ورئيس مجلس القضاء يسعى لتخفيف الاختناق القضائي".

وكانت نقابة المحامين أرسلت لعباس رسالة احتجاج على نفاذ التعديلات القانونية، خلال مسيرة توجهت إلى مقر المقاطعة (الرئاسة) في رام الله في الخامس من الشهر الجاري، وعلقت الدوام أكثر من مرة أمام المحاكم والنيابات العامة ضمن الاحتجاجات المتواصلة للنقابة.

المساهمون