فقدت عائلات سورية كثيرة معيلها. بعضها ما زال ينتظر مفقوديه على أمل العودة يوماً ما، فيما عرفت أخرى مصير أحبائها. إلا أن ما تعيشه هذه العائلات في مخيمات النزوح يمكن اعتباره مواجهة يومية مع الموت.
مع غياب الشمس، تجمع أم عبد الرحمن (34 عاماً) أطفالها الأربعة، وتغطيهم بما يتوفر لديها من أغطية رثة في الخيمة التي يعيشون فيها في أحد المخيمات العشوائية في ريف إدلب الشمالي، وتحدثهم عن والدهم، وماذا سيفعلون عندما يعودون إلى منزلهم الذي نزحوا منه قبل سنوات، ثم يدعون الله جميعاً بأن يعيد والدهم إليهم بخير، هو الذي فقد منذ سنوات من دون أن يعلموا شيئاً عن مصيره، تقول لـ "العربي الجديد". تضيف: "الحياة من دون أبي الأولاد شاقة جداً. يجب أن أكون الأب والأم في آن، علماً أنني وحيدة وبعيدة عن الأهل والأقارب. وكلّما مضى يوم أشعر بأن هذه المهمة أصبحت أصعب، خصوصاً وأن الأطفال أصبحوا في عمر المراهقة، ما يجعلني أعيش قلقاً دائماً من أن ينجر أطفالي إلى طريق السوء. كما أن ابنتي تكبر، وباتت صبية، وأخشى عليها من الزمن، وأنا بالكاد أستطيع أن أطعمهم".
تتابع: "المجتمع لا يرحم. فإذا صدر أي تصرّف قد يكون غير لائق عن الطفل، يمكن أن تسمع أحدهم يقول له: لو كان والدك موجوداً لما كنت فعلت هذا. حتى أنا لا أسلم من ألسنة الناس. تعرضت لمواقف صعبة جداً. بعض الأشخاص يعتقدون أن المرأة عندما تفقد زوجها تصير سهلة المنال، وقد مضت علي ليال كاملة لم أستطع فيها أن أغمض عيني خوفاً من أن يدخل على خيمتنا أحد". لذلك، تفضل عدم الخروج من الخيمة بعد مغيب الشمس.
الحمل الذي يقع على كاهل أفراد الأسرة الفاقدة للمعيل كبير في مخيمات النزوح. أكرم الإدلبي (كنية مستعارة)، الفتى الذي لم يتجاوز عمره 12 عاماً، يستيقظ وشقيقه الذي يصغره بعامين، باكراً حتى يتمكنا من جلب المياه إلى خيمتهما. وحين ينتهيان من ذلك، يجمعان ما يتيسر من أكياس النايلون والأخشاب والورق المقوى وأي شيء آخر قابل للاشتعال، حتى تتمكن والدتهما من طهي حساء الرز أو البرغل مع الخبز، بالإضافة إلى إشعال النار، علهم يشعرون ببعض الدفء خاصة مع اقتراب المساء.
لو كان والدك موجوداً لما كنت فعلت هذا
وتقول أم أكرم لـ "العربي الجديد": "استشهد زوجي في إحدى الغارات على بلدتنا في ريف إدلب الجنوبي قبل أن ننزح. اليوم، أخرج من الخيمة في الصباح الباكر للعمل في إحدى المزارع القريبة. لذلك، يضطر أطفالي للقيام ببعض الأعمال إلى حين عودتي، إذ ليس لدي الوقت للقيام بكل هذه الأعمال لوحدي".
ولا تخفي ألمها من جراء عدم التحاق أطفالها في المدرسة، قائلة: "لم أكن أتخيل في عمري أن نصل إلى ما نحن عليه اليوم. كان عمل زوجي جيداً، ونملك منزلاً جميلاً تحيط به الأشجار. كنا نحلم بتعليم أطفالنا ومشاهدتهم يكبرون أمامنا، ونحلم أن يتزوجوا وينجبوا الأطفال. الحمد الله على كل حال، فقد ضاعت تلك الأحلام واليوم بالكاد أحلم أن أطعمهم، وأحاول أن أصبر على كل ذلك حتى يصبحون في عمر أستطيع أن أعتمد عليهم في تأمين احتياجات الحياة".
من جهته، يقول أبو شهاب، مدير مخيم "صابرون" في ريف حلب الغربي، لـ "العربي الجديد": "هناك عائلات مصيبتها كبيرة جداً في ظل غياب الأب أو الأم معاً. والكبير بينهم لم يبلغ سن الرشد، في ظل ظروف اقتصادية غاية في السوء. فلا فرص عمل، ولا وجود لمنظمات أو جهات تؤمن لهم الحد الأدنى من الاحتياجات. ففي حال قدّم لهم أحداً الطعام يأكلون أو يعتمدون على الفضلات. ما هو المستقبل الذي ينتظر هؤلاء؟". يضيف: "قدرة الرجل على العمل أو البحث عن عمل والسعي وراء المنظمات أكبر. أما المرأة، فهي إن وجدت عملاً، تضطر إلى ترك أطفالها طوال اليوم من دون رقيب، وقد تتعرض لمضايقات. لذلك، يجب أن يكون هناك كفالة للعائلات المحرومة من معيل".