قصة فاليري... فرنسية أنهت حياة مغتصبها

31 مايو 2021
تزايد العنف ضدّ النساء في فرنسا في السنوات الأخيرة (ألان بيتون/ Getty)
+ الخط -

كانت فاليري باكو، في الثانية عشرة من عمرها فقط، حين بدأ زوج أمها باغتصابها يومياً، حتى حملت منه في سن الـ17، ليحتفظ بها كعبدة له لـ18 سنة، قبل أن تضع حداً لمأساتها بطلقة مسدس أنهت حياة دانيال بوليت، في مارس/ آذار 2016. أثارت قصتها الرأي العام، حتى أصبحت رمزاً لخلل في المجتمع والقضاء الفرنسي. فالقضاء يريد سجنها بتهمة القتل المتعمد، فيما وقّع 400 ألف شخص على عريضة، يطالبون بتبرئتها بعد انكشاف بشاعة ما عاشته، وخصوصاً بعد صدور كتاب بعنوان "الكلّ كان يعلم"، وفيه تروي الضحية تفاصيل استعباد جنسي، بما فيه تشغيلها من قبل القتيل دانيال كمومس، ومعرفة والدتها بالموضوع، التي سمحت بانتقال الرجل إلى بيتها في العام 1992 لتبدأ مأساة طفلة بـ"علم الجميع".  
ورغم سيطرة هموم جائحة كورونا على المجتمع الفرنسي، شغلت قصة باكو مئات آلاف الناس، قبل أن تبدأ محاكمتها في يونيو/ حزيران القادم، وخصوصاً أنّ الكتاب الصادر مؤخراً حول قتلها لمن يفترض أنه كان "الوالد البديل"، أي شريك أمها السابق، دانيال بوليت، كشف فظائع تعرّضت لها منذ طفولتها وبعلم والدتها، ومعرفة أسرة الجاني القتيل، كونه مغتصبا ومهووسا جنسيا، اعتدى حتى على أخته الصغيرة وهي في الحادية عشرة من عمرها. 
القصة التي أثارت جدلاً على المستوى الاجتماعي والقضائي منذ عام 2016، باتت اليوم قضية رأي عام، ووصل السجال حتى إلى المستوى السياسي الفرنسي. إذ رغم كل ما تكشّف من تفاصيل وفظائع، تصرّ النيابة العامة الفرنسية على سجن فاليري، ما يثير عملياً سجالاً بين الكثيرين على المستوى الاجتماعي والإعلامي حول القضاء الفرنسي ودوره في حماية ضحايا الاغتصاب. ففي كتابها "الكل كان يعلم"، أوضحت فاليري كيف أنها قبل 5 سنوات، في مطبخها، وضع دانيال (الذي يسميه القضاء الفرنسي "زوجها السابق القتيل")، فوهة مسدس على جبهتها مهدداً بقتلها وأطفالها، وضغط على الزناد دون وجود طلقة فيه، مستتبعاً التهديد بضحكة استهزاء قائلاً لها: "هدئي من روعك، المرة القادمة سيكون في المسدس طلقات لك وللأطفال"، بحسب كتابها الذي صدر في 12 مايو/ أيار الجاري، والذي يثير جدلاً ليس فقط لأنّ جميع من حولها كانوا يعرفون ما يجري، بل لأنّ أحداً لم يفعل شيئاً لوقفه، بحسب ما أوضحت لقناة "تي إف 1" الفرنسية. 

كيف بدأت القصة؟
كانت فاليري تعيش مع والدتها وأخوين صغيرين في بلدة صغيرة تدعى لاكلايت، على بعد 100 كيلومتر إلى الشمال الغربي من مدينة ليون. والدتها الخياطة، تعرّفت في 1992 على سائق الشاحنات، دانيال بوليت، الذي كان أباً لثلاثة أطفال، من 3 نساء مختلفات، هجرنه بسبب العنف. في عمر الـ37، انتقل دانيال للعيش في منزل الخياطة وأطفالها، ورغم أنّ فاليري لم تكن قد تجاوزت الـ 12 سنة من عمرها، فقد بدأ باغتصابها، فور انتقاله للعيش معهم في البيت. في المدرسة، كانت فاليري تتعثر وتتراجع "وكأنها تختفي، لم يعد لها لا لون ولا رائحة، كانت كالهواء"، بحسب شهادة مدرّسين للقناة الفرنسية التلفزيونية الثالثة. 
شهادتها حول ما كان يجري لها وسّعت حالة التعاطف معها، "كنت كلّما حضرت من المدرسة، أسمع مساء جملة: اصعدي إلى الأعلى (الطبقة الثانية من المنزل)، وكنت أدرك ما كان يعنيه ذلك"، وفقاً لما نقله عنها تلفزيون "تي أف 1". 
أخت دانيال، وبعد عامين من توالي اعتداء أخيها على فاليري، قصدت الشرطة، بعد أن سمعت أنّه يغتصب ابنته بالرعاية. الشكوى ضدّه أودت به إلى السجن 4 سنوات. والأفظع في رواية الطفلة المغتصبة، بمعرفة الأم، أنّ هذه الأخيرة أجبرتها  على مرافقتها لزيارته في السجن، بل أن تكتب له رسائل لطيفة. بعد عامين من السجن، أطلق سراحه ليعود إلى منزل العائلة مجدداً، وكأن شيئاً لم يكن. في عمر السابعة عشرة، حملت فاليري من مغتصبها، والحمل فقط هو ما أغضب والدتها، ليس من المغتصب بل من ابنتها، فطردتها خارج المنزل، وهنا استغلّ دانيال الموقف لينقل فاليري المراهقة والحامل إلى بلدة أخرى ويعيش معها في المسكن ذاته. 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

عاشت بعدها فاليري 18 عاماً مع مغتصبها، وأنجبت منه 4 أطفال، من دون أن يتدخل النظام الاجتماعي لحمايتها. وفرض عليها بوليت عزلة ومنع اختلاطها بأيّ من الجيران والأسرة، وكانت بعض الأمهات اللواتي يقابلنها أثناء إحضار الأطفال من مدارسهم يلاحظون عزلتها وشيئا من الرعب عليها، لكن أحداً لم يفعل شيئاً، من هنا الاتهام الذي كان يحمله ضمنياً عنوان كتابها "الكل كان يعلم"، وعدم تدخلهم في قضايا العنف ضد النساء. 
وكشفت التحقيقات أنّ بوليت جعلها "مستعبدة منذ الحمل الأول، وبالضرب والتعذيب والتهديد أجبرها على العمل بالدعارة لتكسب له المال. وذات يوم حين أغضبت زبوناً عنيفاً راح يعنّفها ويضربها". وفي 13 مارس/ آذار 2016، سحبت فاليري المسدس الذي هدّدها به بوليت سابقاً، لتطلق على رقبته طلقة أنهت حياته وعذابها، بحسب ما ذكرت في مقابلة تلفزيونية.
الادعاء الفرنسي طلب لها السجن مدى الحياة، معتبراً أنها أقدمت على القتل عن سابق إصرار. محاكمتها التي ستبدأ الشهر القادم في مدينة شالون سور سون، تثير غضب الرأي العام، بعد أن اعتبرها الادعاء الفرنسي "قتلت زوجها بدم بارد، وهو قتل متعمد مع سبق الإصرار، وهذه الجريمة يجب المعاقبة عليها بأقسى عقوبة".  

Gathering In Front Of The Local Education Board Against Sexual Violence In Schools A blinded woman holds a placard reading 'During courses, you're with boys and professors and which could be aroused'. People gathered in front of the Local Education Authority to denounce, harassment, machism and sexual violence from school to university. They want also to denounce the silence from the Local Education Authority when women or girls denounce harassment or rape or touching. Toulouse. France. April 7th 2021. (Pho
(ألان بيتون/ Getty)

أكثر من 412 ألف شخص وقّعوا عريضة حتى تاريخه، ينادون بتبرئة فاليري، وأثار الادعاء في القضية غضباً نسوياً واسعاً في فرنسا، في حملة مستمرة قبل المحاكمة (بين 21 و25 يونيو/ حزيران القادم) تحت عنوان "الحرية لفاليري باكو"، ويجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نفسه تحت ضغوط كبيرة لإصدار عفو عنها. 
المثير في هذه القضية التي تشغل الرأي العام، أنّ أخت القتيل دانيال بوليت، تدعم بوضوح الإعفاء عن المتهمة بقتل أخيها، فاليري. وأثارت شهادة الأخت الكثير من المشاعر والأسئلة حول ترك النظام القضائي والاجتماعي الفرنسي لمعتدين أمثال دانيال، طلقاء. فالأخت ذكرت أنّ المعتدي والمغتصب القتيل، "قام في شبابه بترهيب أسرته والاعتداء جسدياً على والديه، وقام باغتصاب أختنا الصغيرة". وهو ما أكده أيضاً أحد أصدقاء أسرة القتيل للشبكة التلفزيونية الفرنسية "فرانس 3".
ووفقاً لمحامية فاليري، جانين بوناغيونتا، فإنّ الدعم الهائل الذي تحظى به قضية فاليري والتعاطف معها، كما دوّنت في مقدمة الكتاب "الجميع كان يعلم"، يعود إلى أنّ "فاليري هي تجسيد حقيقي لكلّ الألم الذي تشعر به العديد من النساء الصامتات". 

أبعد من قضية فاليري 
تشغل قضية العنف ضدّ النساء في فرنسا، بال المجتمع والمشرّعين والمنظمات النسوية، مع تزايدها في السنوات الأخيرة. ويبدو أنّ المجتمع يعاني من مشكلة "عدم التدخل في الشؤون الأسرية الخاصة"، كما نقلت القناة الثالثة عن جيران فاليري ودانيال بوليت، وهو أيضاً ما أحرج عمدة البلدة، وخصوصاً لناحية استغلال القتيل لفاليري في الدعارة لمصلحته المالية من خلال سيارة فان، خصّصت للغرض، ووضعه إعلانات على الإنترنت للاتجار الجسدي بأم أربعة من أطفاله.  
وتعترف محامية فاليري، جانين بوناغيونتا، أنّ فرنسا "تعاني من ثقافة العنف المنزلي". واعتبرت المحامية أنّ "النساء يعانين من كوابيس ومن سياسة عدم تدخل المجتمع". 
واستعرضت المحامية أمثلة على ذلك، إذ إنّ عدد عمليات قتل الشركاء (النساء على يد رجال) يزداد وترتفع أرقامه. ففي 2018، قتلت 121 امرأة فرنسية على يد شريكهنّ الحالي أو السابق، وفي 2019 ارتفع الرقم إلى 146 عملية قتل، بحسب وزارة الداخلية الفرنسية، وبذلك تحتلّ فرنسا المرتبة الثالثة من حيث القتل والعنف بحق النساء في أوروبا. 
وتعتبر المحامية والناشطة في مجال حقوق النساء، آن بويون، بحسب "فرانس 24" أنّ "جرائم قتل الشريكات هي مجرد ذروة مرئية لثقافة العنف الأسري، وهي إحدى المشاكل الرئيسية في فرنسا". وترى أيضاً أنّ فرنسا باتت "مجتمعا يهيمن فيه الذكور، وهو أكثر انشغالاً في الدفاع عن المعتدي الذكر بدل الضحية المرأة، وينتشر بين الفرنسيين فكرة متأصلة مفادها أنّ مستوى معيناً من العنف المنزلي مقبول، علاوة على تصنيف الأمر كنوع من الخصوصية". 

المساهمون