قتل النساء في الكويت... جرائم تستوجب تقييم المؤسسات الأمنية

20 مايو 2021
أصرّت النيابة العامة على الإفراج عن المتهم بكفالة مالية (جابر عبد الخالق/الأناضول)
+ الخط -

هزّت جريمة قتل المواطنة الكويتية فرح حمزة أكبر المجتمع الكويتي وأدّت إلى قيام تحركات في البلاد تدعو إلى حماية المرأة الكويتية من العنف وتدين تجاهل المؤسسات الأمنية والقضائية للمرأة وعدم حمايتها بشكل كافٍ. وكانت الضحية قد تعرّضت إلى الملاحقة والتحرّش من قبل القاتل منذ أكثر من عام. لم تستجب له ورفعت شكوى تحرّش بحقه بعدما زادت مضايقاته، فحاول خطفها وقتلها لترفع شكوى أخرى سُجّلت كقضية محاولة اختطاف وشروع بالقتل. بعد ذلك، لاحق القاتل الضحية لشهور عدّة لإجبارها على التنازل عن القضايا التي رفعتها ضدّه، وسط تجاهل من قبل الأجهزة الأمنية، على الرغم من أنّ أكبر كانت تُهدّد بالقتل بشكل مستمر فيما أصرّت النيابة العامة على الإفراج عن المتهم بكفالة مالية.
وأدّى نشر عائلة أكبر تفاصيل القضية إلى زيادة الغضب على المؤسسات الأمنية والقضائية التي تجاهلت حمايتها، بالإضافة إلى السخط العام إزاء انتشار ثقافة العنف ضد النساء سواء داخل العائلة أو خارجها. ولم تعلّق وزارة الداخلية على ادعاءات العائلة بقيام المحقّقين بتجاهل شكاوى كثيرة تقدمت بها الضحية وعائلتها قبل حادثة القتل بأسابيع، كذلك لم تعلّق النيابة العامة على القرار الذي كان قد اتخذه وكيلها بالإفراج عن المتهم بكفالة مالية على الرغم من تأكيد الضحية أنّه سوف يقتلها بناءً على تهديداته المستمرة.
وبدأت جمعيات النفع العام في الكويت، من بينها جمعيات مختصّة بشؤون المرأة، وتيارات سياسية، ونقابات عمّالية واتحادات طالبية، بحراك واسع لإيقاف ما وصفوه بـ"الاعتداءات المتكرّرة على النساء وحماية النساء والضحايا"، وسدّ فجوات الخلل المؤسسي الذي أدى إلى تصاعد العنف ضدّ المرأة. وصدر بيان مفصّل بعنوان "بيان المرأة"، قُدّمت فيه اقتراحات، أبرزها تفعيل قوانين العنف الأسري وفتح وتشغيل دور الإيواء والشروع في استقبال النساء المعنّفات وتخصيص ونشر أرقام تسهّل على النساء الشكوى بسرية تامة، سواء المعنّفات أو الشاهدات، مع ضمان الحماية لهنّ.
أمّا أبرز الاقتراحات المقدّمة التي طالبت بها النساء في الكويت، فهو مقترح إعادة تأهيل المؤسسات الأمنية وجهاز الشرطة بالكامل وتدريب رجال الشرطة على تلقي شكاوى النساء، وسنّ "بروتوكولات تضمن فصل رأيهم الشخصي وموروثهم الاجتماعي عن واجباتهم الوظيفية ليكونوا أكثر مهنية". وفي هذا الإطار، تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة شيخة العلي لـ"العربي الجديد" إنّه "في العادة، يعمد رجال الشرطة في الكويت والمحقّقون الذين يعملون في المخافر إلى تجاهل تسجيل حالات التحرّش وحالات الاعتداء من قبل الوالدَين على بناتهما أو من قبل الزوج على زوجته، بحجّة "إصلاح ذات البين وعدم عقوق الوالدَين". تضيف العلي أنّ "رجال الشرطة والمحقّقين يتدخّلون في الغالب، بحكم الأعراف الاجتماعية والقبلية، في محاولة لإقناع المرأة التي تعرّضت إلى الاعتداء بالضرب من قبل أهلها أو التحرّش أو الملاحقة من قبل آخرين، لمنعها من تقديم شكوى قانونية، بالإضافة إلى تهوينهم من الاعتداءات الموجّهة إلى النساء وربطها بلباسهنّ أو بتوجّههنّ إلى أماكن لا ينبغي لهنّ الذهاب إليها، كذلك يدلون بآرائهم الدينية ويجعلون أنفسهم أوصياء على المرأة".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

من جهتها، ترى الأستاذة في كلية التربية في المعهد التطبيقي نورة المطيري أنّ "القوانين التي تحارب العنف ضدّ المرأة متوفّرة، خصوصاً قانون العنف الأسري الذي مُرّر في سبتمبر/ أيلول من عام 2020، لكنّ هذا القانون لم يطبّق حتى الآن". وتشير المطيري لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "المشكلة تكمن في تطبيق القانون وغياب الإرادة لدى المسؤولين في الأجهزة الأمنية بحماية المرأة، لأنّهم يرون أنّ هذه القوانين القليلة وغير الكافية لا تمثّلهم أصلاً". تضيف المطيري: "ما أعجبني حقيقة في التحرّكات الأخيرة، هو توجيه اللوم بزيادة العنف ضدّ المرأة إلى المؤسسات الأمنية، أي إلى حيث هي المشكلة، والمطالبة بتقويم سلوك رجال الشرطة وتدريبهم على أنّ التحرش جريمة وعليهم أن يأخذوها بجدية ومن دون تهاون، ويتعاطوا معها كما يتعاملون مع بلاغ حول جريمة سرقة وقتل، وأنّ المرأة التي تدخل إلى المخفر ليست امرأة سيّئة كما تصوّر العادات والتقاليد، بل هي امرأة تطالب بحقّها".

رفض للعنف (ياسر الزيّات/فرانس برس)
رفض للعنف (ياسر الزيّات/فرانس برس)

في سياق متصل، تعمل مجموعة من النسويات اللواتي يصنّفنَ أنفسهنَّ على أنّهنّ غير مرتبطات بجمعيات النفع العام، على حملات توعية وضغط من أجل نساء الطبقات الدنيا اللواتي يتعرّضنَ إلى العنف، خصوصاً النساء المنتميات إلى المجتمعات القبلية أو النساء الوافدات أو العاملات المنزليات اللواتي لا تطالب جمعيات النفع العام بحقوقهنّ بسبب ما يصفنه بـ"الاختلافات الطبقية". وتقول هدى العنزي، وهي إحدى الناشطات اللواتي يصنّفنَ أنفسهنّ "نسويات بدويات"، لـ"العربي الجديد"، إنّ "معدل جرائم العنف والقتل ضد النساء يزداد في المجتمعات القبلية، ومعدل عدم تلقي الشكاوى من قبل رجال الأمن في المناطق التي يقطنها البدو أو أبناء القبائل أعلى من المعدلات في المناطق الأخرى، وذلك لأنّها ما زالت تعيش في دائرة العيب والمحرّمات". لكنّ العنزي تؤكّد احترامها "لجهود جمعيات النفع العام في محاولة الضغط بشكل رسمي وشبه رسمي على نواب مجلس الأمة بهدف سنّ قوانين أكثر فاعلية لحماية المرأة، والضغط على وزارة الداخلية لزيادة الوعي بحقوق المرأة في داخلها".

ولا يبدو أنّ الضغوط التي تمارسها الحركات المؤيدة لحقوق المرأة تؤدي إلى نتيجة كافية للضغط على النواب وتبديل أولوياتهم السياسية في ظلّ صراع حكومي برلماني كبير في البرلمان الحالي، تعطّلت معه كلّ القوانين المقترحة. فتقول الناشطة سارة الشمري لـ"العربي الجديد": "قابلنا كمجموعات نسائية بعد جريمة قتل فرح أكبر عدداً من النواب من مختلف الأطياف السياسية والفكرية، إلاّ أنّ هؤلاء أطلعونا على أنّ قوانين حماية المرأة ووقف العنف الموجّه ضدّ النساء، ليست من أولوياتهم، لأنّ ثمّة استحقاقات في الصراع مع الحكومة لا يمكن تجاهلها". أضافت الشمري أنّ النواب أشاروا إلى أنّ "حضورهم في جلسات مجلس الأمة، في ظلّ إصرار المعارضة على مقاطعة الجلسات ومحاولتهم تمرير القوانين المقترحة المتعلقة بالعنف ضدّ المرأة في ظلّ الوضع الحالي، هو مغامرة سياسية سوف تؤدي إلى سقوطهم في الانتخابات المقبلة، لكن في إمكانهم الضغط على وزير الداخلية ومحاولة التحقيق في ادعاءات تهاون من قبل الشرطة والأمن في هذه القضايا".