قالت مصادر مقربة من هيئة تحرير الشام، (جبهة النصرة سابقاً)، إنّ مجلس الشورى في الهيئة أقرّ "قانون الآداب العامة" الصادر عن وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ، وهي الذراع الإداري للهيئة في مناطق شمال غربي سورية، والذي يتضمن العديد من المواد التي تهدف إلى الحفاظ على الآداب والذوق العام، ومنع المخالفات، وكل ما هو مذموم في الشرع والعرف.
وبموجب القانون الجديد يمنع سب الله وأنبيائه ودينه، أو الانتقاص من شعائر الإسلام ورموزه وعلمائه، كما يمنع السحر والشعوذة، والمجاهرة بالإفطار في نهار شهر رمضان، ويمنع فتح المحال التجارية أو المطاعم والمقاهي بعد النداء الثاني لصلاة الجمعة، وحتى انتهاء الصلاة، وهو يمنع الاختلاط في العمل، كما يمنع التدخين في المشافي والمؤسسات العامة ووسائل النقل العامة.
وبحسب القانون الجديد الذي أقرّته الهيئة المتطرفة، يحظر اختلاء الرجل بامرأة أجنبية عنه، وخروج النساء والفتيات اللاتي بلغن الثانية عشرة من غير لباس ساتر للرأس، كما يحظر تشبه أحد الجنسين بالجنس الآخر، ويحظر الزنا والبغاء واللواط والقمار والوشم، والنهب والغش والرشوة، كما تضمن القانون العديد من المواد التي تمنع السب والقذف والتحريض، ويمنع عرض السلع التجارية الخادشة للحياء في واجهات المحال التجارية، والسخرية من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتعذيب الحيوانات.
ويلزم القانون أصحاب صالات الأفراح بتوظيف عاملات في صالات الأفراح النسائية، ومنع الاختلاط، والأصوات الصاخبة، والعروض المخالفة للدين، ويمنع إطلاق النار أو استعمال السلاح في الأفراح، ويفرض الفصل بين الذكور والعائلات، كما يمنع تقديم الأراجيل (النرجيلة) في المطاعم والمقاهي، ويمنع الدعاية للتبغ في الطرقات والحدائق.
يعيش سكان شمال غربي سورية ظروفاً صعبة منذ تقلص المساعدات الدولية
وقال مصدر مقرب من هيئة تحرير الشام إن القانون اعتمد مسمى "شرطة الآداب العامة" وليس "الشرطة الأخلاقية"، كون الاسم الأخير سيئ السمعة لدى السوريين، مؤكداً أن القانون ليس محاولة للتدخل في حياة الناس أو خصوصياتهم، وأنه بعيد تماماً عن عمل "الحسبة" التقليدي، كما بيّن طرق التعامل مع المقبوض عليهم، وأكد أنهم يجب أن يعاملوا بما يحفظ كرامتهم، والاستماع إلى الإفادات على الفور، وإذا مرت 48 ساعة قبل أن يصدر قرار من القاضي، وجب إطلاق السراح على الفور.
وتفرض الهيئة المتشددة سيطرتها على قسم كبير من محافظة إدلب، وبعض مناطق ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وبلدات وقرى في ريف حلب، وهي تفرض قوانينها على سكان تلك المناطق التي تتعرض لقصف شبه يومي من قبل قوات النظام والطيران الروسي بذريعة محاربة التنظيمات المتطرفة، ما يحول دون استقرار هذه المناطق التي يعيش سكانها ظروفاً معيشية صعبة مع تراجع المساعدات الدولية التي تصل من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
ويؤكد الباحث في مركز "كاندل" عباس شريفة، لـ"العربي الجديد"، أن "القانون يجري العمل عليه منذ شهر رمضان الماضي، وهو يتسق مع ميل هيئة تحرير الشام للمركزية بعد أن كانت تعمل اعتماداً على الذاكرة الفقهية. شرطة الآداب العامة سيكون أفرادها من خريجي كلية الشريعة والقانون، وسيخضعون لدورات تدريبية قبل انضمامهم إلى سلك الشرطة، لكن سياقات إصدار القانون متعددة، فهو يأتي قبل إنهاء مهام الحكومة الحالية، والدعوة إلى انتخابات لاختيار حكومة جديدة، كما يعد رداً من الهيئة على اتهامها بالتنصل من قضية حاكمية الشريعة، وجاء في ظل حديث عن اختراقات أمنية لأجهزة الهيئة التي قامت بسلسلة اعتقالات في الآونة الأخيرة، وربما يكون الإعلان عنه محاولة لإشغال الرأي العام عن قضايا أخرى".
ويعتبر الصحافي المقيم بشمال غربي سورية، وليد عثمان، أن فرض هذا القانون، وتفعيل ما يسمّى بـ "شرطة الآداب العامة" أمر مؤسف، ويقول لـ"العربي الجديد": "مقصد الدين هو تحقيق العدل بين الناس، وتأمين ما يلزمهم في معيشتهم كيلا يلجأوا إلى أساليب غير أخلاقية لكسب الرزق، وليس فرض قوانين متشددة تفاقم من معاناتهم. هذا القانون خطوة إلى الوراء، ويندرج ضمن سياق المزايدات الدينية، ومن يقف وراء إقراره أناس لم يقدموا للمجتمع أي شيء، ويريدون فرض سطوتهم على الناس بذريعة حماية الأخلاق".
ويقول محمد السيد، من مدينة إدلب، لـ"العربي الجديد"، إن "المجتمع السوري عموماً، ومناطق الشمال الغربي خصوصاً، لا يحتاج إلى قوانين من جهات متشددة لحماية الأخلاق العامة. مجتمعنا متعدد الطوائف الدينية، ومتعدد التيارات الفكرية والسياسية، وكان محافظاً قبل الثورة في عام 2011، ولا يزال كذلك رغم كل ما مرّ عليه من حروب ونزوح وأوضاع معيشية تكاد تصل إلى حد الكارثة".
ويتابع أن "فرض الفضيلة بالقوة سيؤدي إلى نشوء مجتمع منافق، فالأخلاق لا تفرض بالقوة، بل إن العادات والدين هما الفيصل في هذا، فضلاً عن كون القانون يحمل اتهاماً للمجتمع بعدم الانضباط الأخلاقي وهذا منافٍ للواقع السوري. إقرار القانون الجديد يأتي في سياق ترسيخ سطوة الهيئة على الشمال الغربي، وخضوع لإرادة التيار الأكثر تشدداً، ما سيفتح باب استياء شعبي".
ويقول المحامي أحمد مزنوق لـ"العربي الجديد": "القانون المعمول به لدى النظام السوري يجرّم من يخرق الآداب العامة، ومن يقوم بفعل مخالف للشرع، مثل السكر في الأماكن العامة، أو ارتكاب فعل منافٍ للحشمة في الشوارع، والعقوبات على هذه الأفعال ما بين 3 أشهر إلى 3 سنوات في السجن وفق تقدير القاضي، لكن تطبيق هيئة تحرير الشام للقوانين سيكون متشدداً".
ومرت الشرطة الدينية التابعة لهيئة تحرير الشام بمراحل عدة منذ عام 2014، إذ كان اسمها بداية "الحسبة"، قبل أن يتحول إلى "سواعد الخير"، ثم "الفلاح"، وأنهت الهيئة في عام 2021 العمل بـ "جهاز الفلاح"، والذي كان بمنزلة "الشرطة الدينية"، وكان يُعنى بمراقبة الأسواق، ومنع الاختلاط، وذلك في سياق محاولات تسويق نفسها على أنها سلطة منفتحة، وأنها تعمل على توفير الاستقرار في مناطق سيطرتها.