- على الرغم من الاستثمارات الروسية الكبيرة، تواجه القرم تحديات مستمرة مثل الضربات الأوكرانية، توقف حركة الطيران، وتراجع السياحة، بالإضافة إلى تجنب الشركات والمصارف الروسية العمل هناك خوفاً من العقوبات الغربية.
- ضم القرم لروسيا كان نتيجة استفتاء لتقرير المصير عقب اضطرابات في كييف، مما أثر على هوية وانتماء سكان القرم. الوضع في القرم يظل معقداً بسبب التحديات الاقتصادية والأمنية والديناميكيات الدولية المتغيرة.
بعد مرور عشر سنوات على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 18 مارس/آذار 2014، يواجه سكان القرم البالغ عددهم نحو 2,5 مليون نسمة، مجموعة متباينة من التحديات، بعضها أمني على إثر محاولات أوكرانية متكررة لاستهداف مواقع عسكرية ولوجستية في شبه الجزيرة، وبعضها الآخر معيشي بالتزامن مع تراجع حركة السياحة وارتفاع الأسعار.
وشهد العقد الماضي إنجاز عدد من مشاريع البنية التحتية والاجتماعية في القرم، لعل في مقدمتها "جسر كيرتش" البالغ طوله 19 كيلومتراً، والرابط بين إقليم كراسنودار وشبه الجزيرة، والذي تعرض لاستهداف عبر تفجيره بواسطة شاحنة ملغومة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ما اضطر السلطات الروسية إلى إخضاعه لعملية صيانة، إضافة إلى طريق "تافريدا" السريع، والبالغ طوله 290 كيلومتراً، والذي يربط بين مدينتي كيرتش وسيفاستوبول، ويسهم في تسهيل حركة السيارات داخل شبه الجزيرة.
ويعتبر رئيس تحرير موقع "بوليت نافيغاتور" الإخباري الروسي، سيرغي ستيبانوف، أن الانضمام إلى روسيا أحدث نقلة نوعية في مستوى البنية التحتية في القرم، مقراً في الوقت نفسه بوجود تحديات متفاقمة بعد بدء "النزاع المفتوح" في أوكرانيا، وفي مقدمتها الضربات الأوكرانية المتكررة، وتوقف حركة الطيران، وتراجع حركة السياحة.
ويقول ستيبانوف لـ"العربي الجديد" من القرم: "طوال السنوات التي تلت تفكك الاتحاد السوفييتي، عملت السلطات الأوكرانية على دمج سكان القرم من أصول روسية حتى تنشأ أجيال لا روابط لها مع روسيا، وفي فترة السيادة الأوكرانية، كان يتم تهميش القرم من جهة التمويل والرعاية الاجتماعية والبنية التحتية والطرق، وكان الفارق واضحاً بين القرم وكييف مثلاً".
وحول رؤيته للتغيرات التي طرأت على الأوضاع في القرم بعد عام 2014، يضيف: "استثمرت روسيا مبالغ طائلة في إعادة بناء شبكة الطرق، وفي المستشفيات والمدارس ورياض الأطفال التي لم تخضع للصيانة لعدة عقود. رغم ذلك، ثمة شريحة من المستائين الذين يتعاطفون مع أوكرانيا لاعتبارات سياسية، وهناك آخرون من رجال الأعمال الذين كانت لهم مصالح مع النخب السابقة، وهناك من غادروا شبه الجزيرة. أضف إلى ذلك أن العديد من الشركات والمصارف وشبكات التجزئة الروسية تعزف عن العمل في القرم خشية العقوبات الغربية، ما يؤدي إلى تقليص المنافسة وارتفاع الأسعار".
وبعد انضمام شبه الجزيرة إلى روسيا، عزفت كبرى المصارف الروسية عن دخول القرم خوفاً من العقوبات، ولكن الوضع تغير بعض الشيء بعد فرض العقوبات على قطاع كبير منها في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا، ومع ذلك، لا يتخطى عدد المصارف الروسية العاملة في القرم حالياً عدد أصابع اليدين، ومن بينها أكبر مصرف حكومي روسي "سبيربنك".
وفي ما يتعلق بتأثير اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022 على القرم، يتابع ستيبانوف: "في عام 2022، توقفت حركة الطيران إلى القرم، ما أثر سلباً على حركة السياحة الوافدة، وزاد من متاعب قطاع الأعمال، وإن كانت فنادق مدينة يالطا مثلاً، لا تزال تسجل نسبة إشغال جيدة في الأعياد، وتمكنت بعض مناطق القرم من جذب سياح لا يخشون من الضربات الصاروخية الأوكرانية عن طريق تقديم تخفيضات على أسعار الإقامة".
وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن السلطات المحلية إلى أن حركة السياحة في القرم سجلت تراجعاً من 9.5 ملايين سائح في عام 2021 إلى 5.2 ملايين فقط في عام 2023. وفي ظل توقف حركة الطيران إلى شبه الجزيرة، وصل أكثر من 85 في المائة منهم إلى القرم عبر جسر كيرتش، أو بواسطة السكة الحديدية، في حين قدم 14 في المائة على متن سيارات خاصة عبر المناطق الروسية "الجديدة"، والتي وفرت ممراً برياً من روسيا القارية إلى القرم.
وكانت روسيا قد ضمت القرم بعد موجة من الاضطرابات في كييف، وموافقة مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي على استخدام القوات المسلحة الروسية في أوكرانيا، ثم إجراء استفتاء لتقرير المصير في شبه الجزيرة ذات الأغلبية الناطقة بالروسية، وبعدها إعلان استقلال جمهورية القرم عن أوكرانيا من جانب واحد، ووقعت القرم على اتفاقية الانضمام إلى روسيا.
ويذكر أن القرم كانت جزءاً من الإمبراطورية الروسية، ثم إقليماً ضمن روسيا السوفييتية، قبل أن يضمها الزعيم السوفييتي الراحل، نيكيتا خروتشوف، إلى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية في عام 1954، ونتيجة لذلك، ظلت القرم جزءاً من أوكرانيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، إلى أن ضمتها روسيا مرة أخرى.