فيضانات باكستان تعيد المزارعين 50 عاماً إلى الوراء

03 سبتمبر 2022
أدت الفيضانات إلى تشرد كثيرين (عارف علي/ فرانس برس)
+ الخط -

ما زال المزارعون الباكستانيون يحصون خسائرهم من جراء الفيضانات المدمّرة التي غمرت ثلث مساحة البلاد، إلا أن عواقب الكارثة على المدى البعيد تظهر منذ الآن بوضوح.

ويقول المزارع في إقليم السند أشرف علي بانبرو، الذي قضت الفيضانات على نحو ألف هكتار من القطن وقصب السكر كان سيحصدها قريباً: "عاد بنا الزمن 50 عاماً إلى الوراء". وتضرّر أكثر من 33 مليون شخص من جرّاء الفيضانات التي تسببت بها أمطار موسمية هطلت "بغزارة أكثر من عشر مرات من المعتاد منذ منتصف يونيو/ حزيران الماضي" بحسب وكالة الفضاء الأوروبية.

وإقليم السند في جنوب باكستان هو إحدى أكثر المناطق تضرراً. ويقسم نهر السند الإقليم، وازدهرت الزراعة على ضفافه لآلاف السنوات، وتعود أنظمة الريّ فيه للألفية الرابعة قبل الميلاد. وهطلت أمطار بكميات قياسية على الإقليم، لكن لم يكن هناك مجال لتصريفها بسبب بلوغ مستوى تدفق نهر السند ذروته وتضخّم روافده شمالاً وفيضان ضفافه في عدة أماكن.

يتابع بانبرو: "في مرحلة ما، تساقطت أمطار دون توقّف لمدة 72 ساعة"، مشيراً إلى أنه خسر ما لا يقلّ عن 270 مليون روبيه (نحو 1,2 مليون دولار) من الاستثمارات. ويوضح "تلك كانت تكاليف الأسمدة ومبيدات الحشرات، ولا يشمل ذلك الربح الذي كان يفترض أن يكون بالفعل أعلى بكثير لأن المحصول كان سيكون وفيراً".

وما لم تجفّ الأراضي الزراعية، لن يتمكّن المزارعون مثل بانبرو من زرع القمح في فصل الشتاء، علماً أنه أساسي لضمان الأمن الغذائي في باكستان. ويضيف من مزرعته الواقعة في قرية سامو خان البعيدة نحو 40 كيلومتراً شمال شرق مدينة سكر: "أمامنا شهر واحد. في حال لم تجفّ المياه خلال هذه الفترة، لن يكون هناك قمح".

وكانت باكستان مكتفية ذاتياً لسنوات من ناحية إنتاج القمح، لكنها بدأت تعتمد مؤخراً على الصادرات لضمان امتلاء الصوامع كجزء من احتياطها الاستراتيجي.

عجز الدولة 

بالكاد تستطيع إسلام أباد تحمّل تكاليف الواردات، حتى لو اشترت حبوباً بسعر مخفض من روسيا مثلما يُبحث به حالياً. واستدانت البلاد مليارات من مقرضين أجانب، وتمكّنت الأسبوع الماضي من إقناع صندوق النقد الدولي باستئناف التمويل الذي لا يمكن توظيفه لسداد الديون الخارجية ولا حتّى لتعويض الأضرار التي تسببت بها الفيضانات والتي تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار تقريباً. ويظهر، من على طريق سريع مرتفع يتّجه من سكر إلى سامو خان، مشهد دمار كبير من جراء الفيضانات. وتمتدّ المياه، في بعض الأماكن، على امتداد البصر. وفي الأماكن القليلة التي ما زال يظهر فيها القطن، تبدو أوراقه بنية، وبالكاد تظهر أي لوزة.

ويقول لطيف دنّو، وهو مزارع في منطقة صالح بات على بعد 30 كيلومتراً شمال شرق سكر: "فلننسَ أمر القطن". من المرجح أن يتخطّى كبار ملاك الأراضي الأضرار التي سببتها الفيضانات، لكن يواجه عشرات الآلاف من عمال المزارع صعوبات رهيبة.

يُدفع للعديد منهم على ما يحصدونه فقط، ويزيدون أرباحهم من خلال الزراعة في فسحات صغيرة في قرى منتشرة في الإقليم. إلا أن هذه الأراضي أيضاً مغمورة بالمياه، وفرّ عشرات الآلاف من منازلهم بحثاً عن ملجأ في مناطق مرتفعة. ويقول سعيد بالوش الذي يعمل كل موسم مع أفراد من عائلته: "لم يبقَ شيء يُحصَد".

وليس المزارعون وحدهم من تضرّر، بل تأثر أيضاً كل عضو في سلسلة التوريد. ويقول وسيم أحمد، وهو تاجر قطن في صالح بات، "نحن ملعونون". وكان أحمد قد دفع، مثل كثيرين غيره، أموالاً مسبقاً للتحوّط في مواجهة التضخم وتقلّبات السوق. يضيف: "لم يُحصد إلّا نحو 1360 كيلوغراماً من أصل 7465 تقريباً"، مشيراً إلى أنه أوقف خططاً لتوسيع أعماله. في متجر صغير في سوق قطن نابض بالحياة عادة في السند، قام فتيان بتفحّص كومة من القطن المبلل، للتحقق مما إذا كان يمكن إنقاذ أي شيء. ويقول التاجر أحمد، وهو يشير إلى سلسلة من المحال المغلقة: "السوق مُغلقة وحتى مصانع الحلج مغلقة". ومع الشعور الغامر بالعجز، يأمل بتدخل إلهي للحصول على مساعدة. ويقول: "نتطلّع إلى الله. إنه المخلّص الوحيد". 

(فرانس برس)

المساهمون