أن يُحدث المطر المفاجئ الذي يطلق عليه الخبراء "انفجار السحب"، فوضى وارتباكاً في الشوارع، فذلك أمر يمكن قبوله في ظل عدم الاستعداد الكافي، لكن أن تحدث الربكة في الإدراك، فهذا ما يستوجب تبسيط المعلومة للناس حتى لا يذهبوا في تفسير الظاهرة إلى أبعد من معطيات العلم.
تعمل "نُون" بإحدى المؤسسات ذات النشاط الفكري، وتسكن حياً في أطراف العاصمة السودانية الخرطوم، شهد مؤخراً انفجاراً مباغتاً للسحب، ولأن لغة نون تأثرت بما يطرق أذنيها يومياً، فقد عبّرت عن الموقف بأنه "فوضى مناخية"، وحكت أنها خاضت في المياه للوصول إلى مسكنها.
رُصدت منذ عام 2005، زيادات كبيرة للأمطار في بعض أجزاء الكرة الأرضية، فيما باتت مناطق أخرى أكثر جفافاً، وحسب بيانات اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن المناطق المتأثرة بالجفاف تتزايد منذ السبعينيات، ويُشير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى بحيرة تشاد كمثال، والتي تراجع ترتيبها العالمي من حيث الحجم وكمية المياه، بعد تراجع معدلات الأمطار في المنطقة.
هناك عدة أسباب لتغيُّر نمط مناخ الأرض، وهو بالأساس ينشأ من خمسة مكونات، هي الغلاف الجوي (الهواء)، والغلاف المائي، والغلاف الجليدي، والغلاف الصخري، والمحيط الحيوي (الكائنات الحية)، كما يتغير وفق تقلبات داخلية، وتأثيرات خارجية.
يؤكد الراصد الجوي، المنذر الحاج، أنّ تزايد هطول الأمطار في منطقة وتفاقم الجفاف في منطقة أخرى يرتبط بتقسيم موسم الخريف إلى فترات يطلق عليها اسم "العِينات"، ففي عينات محددة تكون السحب محلية، وحركة تيار الهواء ضعيفة بحيث لا تسطيع تحريك السحابة، بينما في "عِينة الجبهة" التي تستمر من 18 إلى 31 أغسطس/ آب، تدخل سحب الهضبة الإثيوبية والإريترية إلى شرق السودان، وتدخل معها تيارات رطبة تهيئ لسقوط الأمطار.
وللتغير المناخي أثر في تغيير أنماط هطول الأمطار، وكذلك الجفاف، فضلاً عن إعادة التوزيع الجغرافي للآفات والأمراض، وظاهرة "النينو" التي تحدث بسبب تغيّر الحرارة في أحد المحيطات البعيدة يمكن أن يصل تأثيرها إلى قلب قارة أفريقيا. فهل تدرك الشابة نون، وغيرها من السودانيين هذا؟
وحول ما حدث لمناخ العاصمة السودانية عبر السنوات، يؤكد المنذر الحاج أنّ "الخرطوم كانت تنتمي إلى مدن المناخ الصحراوي الجاف، ومنذ هذا العام ستدخل في المناخ الرطب الحار والممطر. التغيرات المناخية تصبّ في صالح السودان عبر تقدم حزام الأمطار إلى الشمال، ما يستوجب إيجاد سياسات تستطيع تسخير الأمطار الغزيرة في الزراعة، وإلا سيحدث مزيد من الكوارث"، في إشارة إلى الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات من جراء السيول.
(متخصص في شؤون البيئة)