لا تزال مدن الضفة الغربية، وخصوصاً بيت لحم، مدينة السيد المسيح، تحارب للتخلص من تداعيات فيروس كورونا. ويأمل أبناؤها أن يوفر عيد الميلاد هذه السنة فرصة لإنهاء الموجات المتكررة للجائحة، وإعادة أحوالهم إلى الازدهار الذي كان سائداً قبل نحو عامين.
في بيت لحم التي تستقبل المسيحيين الآتين من أنحاء العالم للاحتفال بعيد الميلاد وفق التقويم الغربي، يحتار أهالي المدينة المجاورة لمدينتي بيت جالا وبيت ساحور اللتين يغلب عليهما الطابع المسيحي أيضاً، بين إظهار بهجتهم الكبيرة بأمل تحسن الأحوال، وواقع تدمير وباء كورونا للسياحة في العامين الأخيرين، وهي المورد المعيشي الأساسي لمعظمهم.
ولن تسمح سلطات المدينة هذا العام بحضور العدد الكامل للمحتفلين والمصلين، الذي يناهز 3500 قداس منتصف الليل في كنيسة المهد، وستحصره بنصفهم، أي حوالى 1700 شخص، بحسب ما يقول رئيس بلدية بيت لحم، أنطوان سلمان، لـ"العربي الجديد"، الذي يوضح أن الإجراءات ذاتها للحماية من فيروس كورونا التي اتخذتها البلدية والجهات المختصة خلال حفل إنارة شجرة الميلاد في ساحة الكنيسة قبل أيام، ستطبق خلال مراسم القداس داخل الكنيسة، فيما لن يحدد عدد المحتفلين في الساحة باعتبارها مكاناً مفتوحاً.
ويشير إلى أن "الناس أبدت فرحتها بقرار السماح بتنظيم احتفال في ساحة الكنيسة، بعدما كان قد أُلغي العام الماضي بسبب الجائحة، ما عرّض سلطات المدينة لانتقادات. وقد نظمنا كما كل عام أسواق الميلاد بدءاً من 5 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وذلك لمدة عشرة أيام من أجل منح الناس فرصة تسويق منتجاتها".
فرحة رغم كورونا
ورغم الضغوط النفسية والمعيشية التي يخلقها وباء كورونا، تتحدث داليا دنحو لـ"العربي الجديد" عن أجواء مختلفة ترتبط بعيد الميلاد في بيت لحم. وتقول بصوت مبتهج ومتحمس: "نصحو صباح العيد في 25 ديسمبر/ كانون الأول، ونبحث عن الهدايا التي وضعناها بأنفسنا تحت شجرة الميلاد في المنزل، وكأن سانتا كلوز أو بابا نويل أحضرها في الليلة الماضية. وحتى أنا أحظى بهدية من زوجي جوزيف الذي لا ينساني، وكذلك من ابنتي ماريا".
من جهتها، تقول نجاح برهم التي لجأت عائلتها خلال نكبة فلسطين عام 1948 إلى مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، لـ"العربي الجديد": "لا بدّ من التسوق في العيد، وقد قصدت أسواق الميلاد في مدينة رام الله لشراء قطع صغيرة للزينة من بازارات الكنائس".
اشتقنا للاحتفالات!
في بلدة الزبابدة التي تقع جنوب شرق مدينة جنين شماليّ الضفة الغربية، ويشكل أبناء الطائفة المسيحية نسبة 65 في المائة من عدد سكانها الذين يناهزون الـ3 آلاف، ويعيشون بتآخٍ مع المسلمين، احتفل أهلها في 13 ديسمبر/ كانون الأول الجاري بإضاءة شجرة الميلاد، وسط أجواء من الفرحة ترافقت مع رسالة "اشتقنا للاحتفالات يا كورونا"، بحسب ما تقول المربية المتقاعدة باسمة بشارة لـ"العربي الجديد"، والتي تضيف: "تسود الأجواء الاحتفالية، سواء عبر إنارة شجرة الميلاد، أو الزيارات العائلية التي كانت محدودة العام الماضي. وقد أسعدتني المشاركة في إضاءة شجرة الميلاد في احتفال جمع عدداً كبيراً من الناس والمسؤولين".
وتنتظر باسمة أن يأتي أبناؤها الأربعة من رام الله والناصرة للاحتفال بالعيد، علماً أن عدد أحفادها يبلغ 17. وتتمنى أن يمنحها الله السلامة ويرفع الوباء عن الجميع، ويعمّ السلام عليهم.
وحول مظاهر التآخي التي يتشاركها المسلمون والمسيحيون في الأعياد، يقول ابن بلدة الزبابدة، مالك شرقاوي، لـ"العربي الجديد": "نشارك إخوتنا المسحيين احتفالاتهم، خصوصاً لإنارة شجرة الميلاد، ونعايدهم مع رجال الدين الذين نقصدهم في الكنائس الأربع بالبلدة. ويوجد التآخي بهجة مشتركة بيننا، علماً أن هذه العادات قديمة وليست طارئة أو جديدة، رغم أن بعضها اختفى، مثل زيارة المسلمين أموات المسيحيين في العيد، الذين يفعلون ذلك بدورهم في أعيادنا".
أما الصحافي رامي دعيبس من بلدة الزبابدة، فيقول لـ"العربي الجديد": "تشكل إنارة الشجرة الاحتفال الرئيس بالعيد في بلدتنا، أما باقي مظاهر الاحتفالات، فتغلب الشعائر الدينية عليها. وقد شارك حوالى ألف شخص في احتفال إنارة شجرة الميلاد الذي استمر ساعتين، وشهد مشاعر فرح أكبر للناس مقارنة بالعام الماضي".
بيت لحم تئنّ اقتصادياً
وقرب منطقة باب الدير أو ساحة كنيسة المهد في مدينة بيت لحم، يجلس المسن سامي عبد الله في محل للبقالة زيّنه بأضواء الميلاد، وملأ رفوفه الخشبية بألواح الشوكولاتة والمشروبات الروحية الخاصة بالمناسبة. ويقول لـ"العربي الجديد": "أنتظر قدوم أبناء بيت لحم ليلة عيد الميلاد إلى الساحة، وقصدهم دكاني الذين يشترون منه منتجات لتسلية أطفالهم والشعور بفرحة العيد. لكن الأوضاع عموماً ليست جيدة، فحال بيت لحم اليوم ليس كما قبل جائحة كورونا، لكن ذلك لا يلغي فرحة الناس بالعيد في منازلهم، وهو ما أفعله مع زوجتي وثلاثة أبناء لي وحفيدة واحدة. ونحن نأمل أن ينتهي الإغلاق في العالم كله".
وفي الساحة ذاتها، يزين وسام إسعيد، وهو من مدينة بيت ساحور، محله التجاري في وقت متأخر من دون أن يبدي رضاه عن الوضع، علماً أنه أخرج لوازم تركيب شجرة الميلاد على واجهة محله قبل أربعة أيام من العيد فقط.
ويقول إسعيد لـ"العربي الجديد": "انتهت بيت لحم. لا سياحة فيها ولا سياح، ولا شغل، لا شيء. بدأت أفكر في تغيير مهنتي، رغم أنني أملك محلاً كبيراً للتحف الشرقية لم يعد يضمّ موظفين. وأنا لم أعد أستطيع تأمين قوت أطفالي الثلاثة، فكيف ستزورني بهجة العيد التي زالت بعدما كنا بخير قبل الجائحة".
ويضحك إسعيد بسخرية مضيفاً: "انطفأت قلوب الناس، ومن لا يريد أن يرى الواقع، فهو حر".
أما الشابة هالة مخول من مدينة الناصرة، التي تقيم منذ خمس سنوات في بيت لحم، والتي قصدت محل إسعيد بعدما رأت أن أغلب متاجر بيع التحف الشرقية أو "السنتواري" في المنطقة أوصدت أبوابها بسبب شحّ الإقبال وغياب حركة السياح، فتقول لـ"العربي الجديد": "بحثت في المنطقة عن محل سنتواري كي أشتري البخور للخوري في كنيسة قريتي البقيعة بقضاء عكا، ولم أجد طلبي بسهولة. واضح أن البهجة التي تعرفها بيت لحم ومدن أخرى لم تعد ذاتها كما في الماضي، لكنني أتمنى أن يمرّ العيد بخير وسلامة، وأن تعود بلادنا كما كانت سابقاً، وتستعيد المحال التجارية حركة العمل، خصوصاً التحف الشرقية، وتقف على قدمها مجدداً. وأنا أحاول دعم أصدقائي في المحل الذي قصدته لشراء البخور".
"أيام ولّت"
من جهته، يقول فيكتور طبش الذي كان والده قد افتتح في العشرينيات من القرن الماضي أحد أشهر محلات بيع التحف الشرقية في ساحة كنيسة المهد لـ"العربي الجديد": "أشعر بصدمة من استمرار الأوضاع الحالية في بيت لحم. لقد توقف السياح عن القدوم إلى المدينة في العام الثاني لوباء كورونا، واستغنيت عن العمال والحرفيين الذين يحفرون منتجات من خشب الزيتون. لقد ولّت حقاً أيام عدم التوقف عن الإنتاج المحلي أو التصدير لدول عدة في العالم مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة".
ويبتسم طبش قليلاً عندما يتذكر أن بهجة العيد يجب أن تحضر في المنازل، ولو عبر احتفال، مؤقتاً، ويقول: "ينقصنا السلام في العيد، وأن يكف وباء كورونا شرّه عنا".
ومطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، احتفلت بيت لحم بإضاءة الشجرة ميدانياً بمشاركة شعبية ورسمية، بعدما كانت هذه المراسم قد أُلغيت العام الماضي، بسبب تدابير الوقاية الصحية من فيروس كورونا.
وقدمت أكاديمية مؤسسة يوحنا بولس الثاني للفنون الأدائية في بيت لحم "أوبريت قصة الميلاد"، إضافة إلى عروض وتراتيل ميلادية أنشدتها فرق محلية ودولية عبر الفيديو.
وقال رئيس الوزراء محمد اشتية: "النور واحد والظلمات متعددة، وشعبنا ينشد النور ويحارب الظلمات. نعيش هذا العام ظلمات الاحتلال وكورونا والانقسام، ونواجه أبشع أنواع الاحتلال في التاريخ".