فلسطينيون يفضلون العيش في كهوف على ترك أراضيهم للمستوطنين

17 ديسمبر 2024
عائلة فلسطينية تعيش داخل كهف، 27 فبراير 2017 (عصام الريماوي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه الفلسطينيون في المناطق (ج) تحديات كبيرة بسبب سياسات الهدم والمصادرة الإسرائيلية، مما يدفعهم للعيش في الكهوف كحل مؤقت، كما هو الحال مع صدقي عقرباوي وراجية حميدة.
- تعاني العائلات من ظروف معيشية قاسية في الكهوف، مع نقص الخدمات الأساسية، لكنهم يصرون على البقاء لمنع الاستيلاء على أراضيهم.
- تدعم هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينيين بتحسين ظروف المعيشة في الكهوف عبر تأهيلها وتزويدها بخزانات المياه وألواح الطاقة الشمسية ومرافق أساسية.

هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزل صدقي عقرباوي (28 سنة)، فلجأ إلى غرفتين من "الزينكو" ليعيش فيهما رفقة عائلته في خربة "الطويّل" شرق بلدة عقربا جنوب مدينة نابلس، فلاحقه الاحتلال الإسرائيلي وسواهما بالأرض.
كان الشاب الفلسطيني يتوقع أن يلاحقه الاحتلال ويهدم غرفتي "الزينكو"، لذا باشر قبل عدة أسابيع بتنظيف كهف حجري تعلوه صخرة ضخمة، وتمكن بمساعدة إخوته من رفع كمية ضخمة من الحجارة والأتربة، ومد أسلاك الكهرباء كي يصلح الكهف للسكن.
يقول عقرباوي لـ"العربي الجديد": "سوت جرافات الاحتلال مكان سكني بالأرض، ولم تسمح لنا بإخراج أي شيء منه، وبت رفقة زوجتي وأطفالي في العراء، لكنني لا أعرف الاستسلام، ولن أترك أرضنا لقمة سائغة للاحتلال والمستوطنين، لذا جهزت الكهف، وأحضرت بعض الأساسيات المنزلية كالفراش وأدوات الطبخ البسيطة، وانتقلنا للسكن فيه. لن أغادر، ولو هدموا كل ما فوق الأرض سأعيش تحتها، فهذه أرضي وأرض أبي، وجدي ولد فيها قبل أكثر من قرن من الزمن، وقبل وجود دولة الاحتلال، ولن أخرج من أرض فلسطين حتى لو قتلوني أو سجنوني".
لا تزيد مساحة الكهف من الداخل عن سبعة أمتار، ويرفع سقفه لعدة أمتار في بعض مناطقه، ولا يستطيع الانسان الوقوف في جزء آخر منه. يضيف عقرباوي: "لا نملك أن نعيش من دون مأوى، فالأمطار على الأبواب، لذا يصبح العيش في كهف أرحم من النوم في العراء والبرد. هذا خيار فرضته الظروف بعد أن تركونا بلا مأوى، وقد ناشدنا الصليب الأحمر أن يساعدنا. المستوطنون يريدون هذه الأرض، وصمودي ليس فقط للدفاع عن أرضي، فأنا أدافع عن كل أهل عقربا".

صادر الاحتلال 122 ألف دونم من أراضي عقربا وخربتي الطويِّل ويانون

وعلى مدار سنوات طويلة، وعبر عمليات هدم عديدة، أحدث الاحتلال تغييراً كبيراً في معالم خربة الطويِّل، والتي تضم عشرات من الخرب المأهولة، وبعضها أثري، وتقدر مساحة السهول الزراعية فيها بنحو 10 آلاف دونم تُزرع بالقمح والمحاصيل الشتوية، وفيها نحو 30 ألف دونم جبلية تُستخدم مراعي للأغنام. وتجلت أبرز معالم التغيير في هدم المسجد الوحيد، وكذا منشآت سكنية وزراعية، وتدمير وتجريف البنية التحتية من طرق وخطوط مياه وكهرباء.
ومن بين أكثر من 144 ألف دونم تشكل كل مساحة قرية عقربا وخربتي الطويِّل ويانون اللتين تتبعان لها جغرافياً وإدارياً، صادر الاحتلال أكثر من 122 ألف دونم، سواء بقرارات عسكرية أو بوضع اليد.

مئات الفلسطينيين يعيشون في كهوف.12 أغسطس 2020 (عصام الريماوي/الأناضول)
مئات الفلسطينيين يعيشون في كهوف، 12 أغسطس 2020 (عصام الريماوي/الأناضول)

تصر الفلسطينية راجية حميدة (60 سنة) على عدم مغادرة الكهف الذي تقيم فيه رفقة زوجها وثمانية من أفراد أسرتها، في شرق بلدة "يطا" جنوب مدينة الخليل، والعيش في البلدة، حتى لا يستولي المستوطنون على أرضهم التي ورثوها أباً عن جد، والتي تقع في المنطقة المصنّفة (ج)، والخاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي بموجب "اتفاق أوسلو"، وشيد زوجها عليها قبل نحو سبعة أعوام، منزلاً مكوناً من ثلاثة طوابق، لكن جرافات الاحتلال هدمته بعد عام ونصف بقرار قضائي بحجة البناء من دون ترخيص، وتركتها هي وعائلتها في العراء، ما دفعهم للعيش في كهف قريب.
تقول حميدة لـ"العربي الجديد": "كان والدي يستخدم الكهف لتخزين الحبوب، وإيواء الماشية في الليل، لكننا شيدنا لها حظيرة خارجه لنعيش فيه. لدينا بيت في يطا، لكن في اللحظة التي نغادر فيها هذا المكان، سيضع المستوطنون أيديهم عليه وينشئون بؤرة استيطانية".
تبدو حياة العائلة داخل الكهف بدائية للغاية، إذ لا تتوفر الكهرباء، ويعتمدون على إحدى الآبار القريبة للحصول على المياه، فيما يستمدون الدفء من خلال إشعال الحطب الذي يجمعونه من الأراضي المحيطة. تقول حميدة: "الحياة هنا قاسية، ولا توجد أية خدمات، ولتوفير الإضاءة نعتمد على مولدات الطاقة التي صادرها جيش الاحتلال أكثر من مرة، لكن مهما ضيقوا علينا لن نيأس، وسنبقى هنا".

ويقول رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، مؤيد شعبان، لـ"العربي الجديد": "تتعمد سلطات الاحتلال خلق حياة غير مستقرة لأكثر من 400 ألف فلسطيني يعيشون في المناطق (ج)، من خلال هدم منازلهم، وعدم السماح لهم ببناء منازل جديدة، واعتبار المساكن الفلسطينية فيها غير قانونية لوقوعها في مناطق عسكرية، أو في مناطق حرم المستوطنات، والهدف إجبارهم على الرحيل إلى المناطق الخاضعة لإدارة السلطة الفلسطينية، لذا فإن البديل المتوفر هو العيش في الكهوف".
ويوضح شعبان: "تعمل الهيئة على تأهيل جدران الكهوف من الداخل بوضع طبقة من الإسمنت لسد أي فجوات كي لا تصبح جحوراً للأفاعي، وبناء حمام ومطبخ، ووضع بوابة في مدخل الكهف لحماية سكانه، كما نزود الكهوف بخزانات المياه، وألواح الطاقة الشمسية، إذ تمنع سلطات الاحتلال ربط هذه الكهوف بشبكات الكهرباء الفلسطينية".

المساهمون