خلال توليه منصب سفير دولة فلسطين في لبنان بين عامي 2006 و2009، اتفق عباس زكي مع الدولة اللبنانية على إصدار بطاقات تعريف للاجئين الفلسطينيين الذين أتوا إلى لبنان بعد النكبة الثانية عام 1967، والذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية. لكن أي تطور لم يحدث منذ ذلك الوقت في شأنهم، ما عنى استمرار حرمانهم من أي حقوق إنسانية، وفي مقدمها الاعتراف بوجودهم.
يقول محمد عطية، الذي يتحدر والده من غزة، وولد في لبنان عام 1983 من دون أن تمنحه الدولة اللبنانية وثائق رسمية، ويعمل حالياً سائق سيارة أجرة ويقيم في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب)، لـ"العربي الجديد": "تعلمت في المدرسة بقوة نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية التي انتمى والدي إليها. أما اليوم فلا يملك أولادي وثائق رسمية تسمح بالتحاقهم بمدارس، ولا أنتسب شخصياً إلى أي فصيل فلسطيني للإفادة من نفوذه، لكنني استطعت تحت ضغط الرحمة الإنسانية أن أدخل أولادي لمدرسة حكومية في لبنان، حيث جرى تسجيلهم في خانة التلاميذ قيد الدرس لأننا لا نملك أوراقاً تثبت جنسيتنا".
يضيف: "أحمل فقط ورقة تعريف أصدرتها سفارة دولة فلسطين في لبنان سابقاً، وأيضاً ورقة من الأمن العام اللبناني تؤكد هويتنا، والتي كنت أستفيد منها سابقاً باعتبارها بطاقة تعريف شخصية لي، لكن أحداً لم يعد يعترف بها اليوم، علماً أن جنود الجيش اللبناني يضحكون لدى إبرازي لها. وهي لا تخولني شراء خط تلفون أو استصدار دفتر قيادة ووثيقة للسفر".
ويصرّ عطية على أنه يريد أن يعيش مع أولاده بكرامة، ويقول: "لا أريد مالاً، بل فقط حل أزمة الاعتراف بنا، والحصول على أوراق تثبت هويتي. لم أستطع تسجيل أولادي، ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، لا تعترف بنا ولا توفر لنا خدمات، لذا يجب أن تتعامل أونروا والدولة اللبنانية والسفارة الفلسطينية في لبنان بجدية مع قضيتنا، وتعمل لحلها".
ويخبر محمد عادل مهنا، الذي ولد في مدينة طولكرم الفلسطينية عام 1953 ويقيم في مخيم عين الحلوة، "العربي الجديد": "أرضى أن أحصل على جواز سفر فلسطيني شرط أن يحمل رقماً وطنياً"، يضيف: "عاش والدي في العراق، في حين عشت مع أمي في فلسطين، قبل أن تنتقل للعيش مع والدي في الأردن، فبقيت وحدي في فلسطين. وفي عام 1965، تركت فلسطين وتوجهت إلى الأردن، ثم إلى باكستان عام 1975 لدراسة العلوم السياسية. وحين أردت العودة إلى فلسطين جرى منعي فانتقلت إلى الأردن، ثم جئت إلى لبنان بطلب من منظمة التحرير الفلسطينية خلال فترة اندلاع الحرب الأهلية، لكن صلاحية جواز سفري الأردني انتهت عام 1980، ولم أعد أستطيع العودة إلى الأردن، وتحديداً بعد عام 1993، حين جرى فصل الضفتين. ومنذ ذلك الوقت أعيش في لبنان من دون أوراق تثبت هويتي، وأنا أطالب السفارة الفلسطينية بالتحرك فوراً للعمل على إصدار وثائق تثبت هويتنا".
ويتحدث علاء الدين الجابري، الذي ولد في قطاع غزة عام 1976 ويقيم في مخيم عين الحلوة، لـ"العربي الجديد"، عن أن جده ترك فلسطين عام 1969 حين توجه إلى الأردن الذي تركه مع عائلته بعد عام واحد وقصد سورية ثم لبنان مع منظمة التحرير الفلسطينية، ثم عاد إلى سورية قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ويقول: "تكفلت منظمة التحرير الفلسطينية بكل احتياجاتنا من طبابة وتعليم وغيرهما، فوالدي عمل في جهازها للأمن الموحد. واهتمت المنظمة بتأمين جواز سفر لوالدي، في حين لم تكن عائلتنا تعطي أي اهتمام لبطاقات الهوية والإقامة وبقية الأوراق لأننا كنا نعيش في ظل المنظمة التي امتلكت نفوذاً حينها، واستطاعت فرض شروطها. ثم وصل الأمر إلى عدم الاعتراف بنا وعدم تسجيلنا في الدوائر الحكومية اللبنانية، وأنا لا أملك أي قيد في سراي مدينة صيدا".
يضيف: "لا تزال زوجتي مسجلة حتى اليوم على قيود أهلها بأنها عزباء لأن الدولة اللبنانية رفضت تسجيل الزواج بحجة أن فلسطينيي نكبة عام 1967 لا يحق لهم ذلك من دون العودة إلى وزارة الخارجية الفلسطينية التي تملك حق إعطاء أوراق تثبت هويتنا. وقد حاولنا فعل ذلك مرات، لكننا لم نستطع الوصول إلى أي شيء، فالسفارة الفلسطينية في لبنان لم تعمل لخدمتنا في هذا الشأن، في حين اكتفى السفير عباس زكي بتأمين بطاقة تعريف لنا بعدما كنا نحمل بطاقات هوية مزورة لأننا لا نملك غيرها".
ويوضح أن "حمل فلسطينيي عام 1967 وثائق سفر صادرة عن الجمهورية المصرية أو المملكة الأردنية الهاشمية أمر صحيح كونهما كانا البلدين اللذين لجأنا إليهما عام 1967 حين تهجر أهالي قطاع غزة إلى الأردن ومصر. والأشخاص الذين مكثوا في أحد البلدين حصلوا على جنسيته".
ويختم: "نريد أن تحل سفارة دولة فلسطين في لبنان الموضوع بالتنسيق مع الدولة اللبنانية كي نحصل على وثائق تثبت جنسيتنا، علماً أننا نملك وثائق تفيد بأن أصولنا من غزة".