استبعد فرع الهلال الأحمر في محافظة السويداء جنوبيّ سورية عشرات الأسر المهجرة من المحافظات السورية من برنامج الإغاثة الشهري، بناءً على دراسات للجان مُشكّلة من الفرع ذاته، وتقييمات مخاتير المناطق والأحياء، بالإضافة إلى أُمناء وأعضاء فرق حزب البعث. فضلاً عن حرمان مئات العائلات الفقيرة من المحافظة لأسباب متعددة قبل الزلزال بأشهر.
ومن بين العائلات المستبعدة أُسر لجأت إلى المحافظة من ريف دمشق وإدلب وحلب واستقرت فيها منذ سنوات بعدما فقدت بيوتها وأملاكها خلال الحرب.
أم عبد الله أرملة في السبعينيات من العمر هاجرت وابنتها من ريف إدلب منذ سنوات، تقول لـ"العربي الجديد" إن الهلال الأحمر منع عنها المساعدات منذ خمسة أشهر، بحجة أن ابنتها تجاوزت الـ14 عاماً ولا تحتاج لمساعدة، وبأنهما قادرتان على العمل، وأن هناك أُسراً لديها أطفال صغار، وهي الأحق بالإغاثة.
وتشير المتحدثة إلى أنها راجعت المسؤولين بالفرع، وأخبروها أنهم سيشكلون لجاناً جديدة لتقييم وضع الأسر المحتاجة، وعليها الانتظار.
شبكة الراصد المحلية في السويداء، كشفت عن تمييز ووساطة في توزيع المساعدات. في الوقت الذي استدرك فيه مدير فرع السويداء، نواف قرموشة، لاحتمال الخلل في التقييم، وبيّن أن مهمة الإدارة لا تتجاوز إجراء دراسات دورية على طالبي الإغاثة وتقديم البيانات والمعلومات إلى منظمة الأغذية العالمية، وهي بدورها تقرر المستحقين للإغاثة من المستبعدين.
وفي الوقت نفسه، أعلن البدء باستقبال طلبات الاعتراض على الاستبعاد والشكاوى، كما جاء في خبر نشرته صفحة محافظة السويداء الرسمية، في اعتراف غير مباشر أن لجان التقييم قد تُخطئ.
"العربي الجديد" التقى عدداً من العائلات المستبعدة التي تقطن في أحياء نائية في مدينة السويداء، واطلع على أوضاعهم المعيشية، فوجد معظمهم يعيشون دون الحد الأدنى من الفقر ويدفعون بدل سكن شهرياً يراوح بين 50 و150 ألف ليرة سورية، ما يضطرهم إلى العمل بأي شيء، وضمن ظروف قاهرة.
عهد طفلة من إدلب في الصف الخامس ابتدائي تفوقت على جميع طلاب مدارس المحافظة في القراءة والفصاحة، وتحلم بأن تصبح طبيبة، قالت لـ"العربي الجديد": "كنت أنتظر السلة الغذائية كل شهر من أجل "زبدة الفستق وبعض المعلبات"، ثم بدأت تغيب بعض هذه الأشياء من السلة. ومنذ عام أصبحت تصل إلينا كل شهرين مرة واحدة، ثم غابت عنّا نهائياً منذ خمسة أشهر".
وفي حيّ آخر، تشير أم محمد إلى أحد المنازل الفارهة قائلة لـ"العربي الجديد": "هذا منزل مختار الحي ومُعتمد توزيع الغاز في الوقت نفسه، يملك سيارتين ويحصل على سلل غذائية له ولولده ولشقيقته المسافرة خارج البلد، وهو من يقيّم وضع المحتاجين للإغاثة في الحيّ، وبالطبع لا يرى أننا منهم".
يتبع فرع الهلال الأحمر في السويداء إدارياً لمنظمة الأغذية العالمية، ويخضع لسلطة مجلس المحافظة والفروع الأمنية والحزبية، ومن المعروف لدى أهالي السويداء ضخامة الكميات التي تستولي عليها هذه الجهات وتباع على البسطات وفي الأكشاك "الحرة"، على الرغم من أن هذه المؤسسة يجب أن تكون مستقلة سياسياً، ولا تخضع إلا لإدارتها المركزية.
خالد الجبر يبيع الزيت والطحين والمعلبات وزبدة الفستق على بسطته مقابل قيادة شرطة المحافظة، يقول لـ "العربي الجديد"، إن هناك إقبالاً كبيراً من الزبائن على شراء المواد المخصصة للإغاثة، لأن أسعارها أقل وجودتها أفضل لكونها مستوردة. وأكد أن مصدرها معروف للجميع، ويحصلون عليها من عناصر الفروع الأمنية، وموظفين كبار، حيث يشتري منهم الكميات الكبيرة، بالإضافة إلى العديد من الأشخاص الذين لا يعرفهم ولا يراهم بشكل دوري.
أما سهيل، صاحب كشك على الشارع المحوري (أكبر شارع في مدينة السويداء)، لبيع الفُرُش والأغطية والبطانيات من مخصصات الهلال الأحمر، فيقول لـ"العربي الجديد": "إن معظم هذه البضائع، بالإضافة إلى غيرها أحصل عليها بأسعار رخيصة نسبياً لأنني أشتريها بسعر الجملة، وغالباً من عسكريين لا أعرف إلى أي جهة يتبعون".
يذهب جزء كبير من مخصصات الهلال الأحمر باتجاهين، أحدهما إلى السوق "الحرّة" مباشرة، والآخر يباع بأسعار مخفضة لبعض العائلات مباشرة.
ولا يخفي زهير من بلدة نجران الواقعة في الريف الغربي من السويداء أنه يشتري السلة الغذائية من أحد أقاربه الواصلين للهلال بثمن يعادل نصف سعرها الحقيقي وبشكل دوري كل شهر.
يدعي العديد من الوافدين إلى السويداء وبعض الأهالي، أنهم يتعرضون للإهانة والإذلال في أثناء تسلّمهم للمعونات، ومنهم من ينتظر لساعات ثم يعود في اليوم التالي، في الوقت الذي توزع فيه مخصصات البلدات والضيع في وقت محدد ويتسلّمها الأهالي في مجالس بلداتهم المحلية وعبر فروع الهلال.
فاطمة شابة من ريف حلب تعيش مع والدتها منذ عشر سنوات في السويداء بعدما توفي والدها وغُيب شقيقها الوحيد. تقول لـ"العربي الجديد": "استبعدوني ووالدتي منذ خمسة أشهر من المساعدات، بحجة وجود أُسر أكثر حاجة، ثم قالوا لنا انتظروا التقييم الجديد. وعندما قدمنا اعتراضاً يوم الثلاثاء الماضي، قالوا لنا إنّ الإدارة في دمشق خفضت حصص السويداء من أجل توجيه المساعدات للمتضررين من الزلزال".
وتضيف: "والدتي أرملة ومريضة، وأنا أعمل، وهذا لا يفي بإيجار المنزل والطعام والدواء، فيما يستطيع كل شخص أن يرى بعينه كل من يذهب إلى صالة التوزيع خلف الملعب البلدي؛ المعونات التي تذهب لأشخاص دون أن ينزلوا من سياراتهم".
أحد المتطوعين في منظمة الهلال الأحمر طلب عدم ذكر اسمه أكد لـ"العربي الجديد"، أنه بقدر ما استطاع فريق الإسعاف الهلالي من السائقين والممرضين المتطوعين الوصول إلى أهالي المحافظة، وتقديم صورة مشرقة عن الخدمات وتعويض النقص الكبير لإسعاف مديرية الصحة والمشافي، أساء المسؤولون في الجهات الأمنية والحزبية والمجالس المحلية إلى عمل الهلال من خلال فرض كميات كبيرة من السلل الغذائية دون بيانات حقيقية وبأسماء مزورة، بعضها متوفى منذ سنين، وبعضها لم يولد أصلاً، وما دامت هذه الجهات هي التي تُعين الإداريين والعاملين في الهلال وتحميهم، لا يُرجى خير من عمل المنظمة.
قضية السلل الغذائية المتعلقة بالهلال الأحمر تتفاعل كل يوم، وسط غضب عارم من أغلب شرائح المجتمع، تقابلها اجتماعات شبه يومية من السلطة لتدارك هذا الغضب، حيث بات حديث شبكات التواصل الاجتماعي، الذي يتهم بشكل واضح وصريح إدارة الهلال الأحمر بالفساد.