فتى لبناني يقضي اختناقاً بدخان المولّد وسط صدمةٍ عارمة

17 ديسمبر 2022
غادر الحياة وهو في أولى مرحلته الثانوية (فيسبوك)
+ الخط -

ما زالت أجواء الحزن والأسى تخيّم على منزل عائلة وأصدقاء الفتى زاهي عدنان الأيوبي، ابن الـ15عاماً، الذي قضى اختناقاً نتيجة استنشاقه دخان مولّد كهرباء وضعته العائلة في مستودع مقفل بجانب منزل ذويه في بلدة النخلة في قضاء الكورة (شماليّ لبنان).

المأساة التي تزامنت مع مباراة كأس العالم منذ أيام، أعادت مجدّداً الحديث عن تداعيات انقطاع التيار الكهربائي في البلاد وما تحمله المولّدات الخاصّة من ملوّثات وغازات سامّة، ولعلّ آخرها قضية الرحيل المؤلم لشابٍ بعمر الورد.

زاهي، الابن الأصغر لعائلة مؤلّفة من أربعة أولاد (ثلاثة إخوة وشقيقتهم)، لم يكتمل حلمه، فكان أن غادر الحياة وهو في أولى مرحلته الثانوية في مدرسة دده الرسمية المختلطة.

وفي التفاصيل، كشف عم الفقيد، عضو بلدية النخلة وحارة الخاصّة غالب الأيوبي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "ابن شقيقه كان يتابع مباراة كأس العالم في المنزل، قبل أن يهمّ بالدخول إلى الحمّام، ويجده مشغولاً. فكان أن فرح بعودة التيار الكهربائي وقصد مسرعاً المستودع لدخول الحمام، علماً أن طول المستودع يبلغ نحو 13 متراً، وهو عبارة عن صالة كبيرة يوجد فيها المولّد الخاص بالعائلة وغرفة تتضمّن دورة مياه، لكنّه من دون أيّ نوافذ تُذكر، ويحتوي فقط على الشفاطات".

وتابع العمّ المفجوع: "كنّا قد أطفأنا المولّد الخاص بنا قبل دخول زاهي بقليل، لكن على ما يبدو، فإنّ الصالة كانت عابقة بالدخان والغازات السامّة والروائح الكريهة، وأغلب الظنّ أنّه تنشّق ذلك الدخان، فكان أول أكسيد الكربون كفيلاً بتخدير جسمه وإصابته بالدوار ومن ثمّ فقدان الوعي. والكل كان مشغولاً بمتابعة المباراة، وبعد انتهائها فقدناه وبحثنا عنه، فوجدناه جثة". وأضاف الأيوبي: "لا يمكننا الجزم بسبب الوفاة بالفعل، لكن هذا ما حصل، ويبقى للأطباء تشخيص الواقعة. للأسف، هذا قدره، لكنّها وفاة صادمة. رسالتي اليوم للأهالي أن يتنبّهوا لمثل هذه الحالات ولمدى معاناة أطفالهم من حالات صحية معيّنة، ولا سيّما أنّنا نعيش في كنف دولة تحرمنا أدنى حقوقنا، بينها حقّنا بالكهرباء".

من جهته، أوضح محرر البلدية ربيع الأيوبي أنّ "البلدية تراقب مولّدات الاشتراكات بالكهرباء، وليست معنية بالمولّدات الخاصّة التابعة لكلّ منزل".

بدورها، لفتت الطبيبة المتخصّصة في أمراض الصدر والجهاز التنفّسي ليال عليوان، إلى أنّ "الإنسان لا يموت على الفور بعد استنشاقه الغازات السامّة، أي ليس بغضون خمس ثوانٍ، لكن تنشّق كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون (CO2)، يؤدّي إلى زيادة معدل أول أكسيد الكربون (CO) في الجسم، ما يسبّب غيابه عن الوعي، ومن بعدها الوفاة إن لم يعثر عليه أحد".

وقالت: "خمس دقائق كفيلة بفقدان الوعي، في حال استنشاق أول أكسيد الكربون، خصوصاً إذا كان بمعدّل تركيز مرتفع، علماً أنّ الكبار يستطيعون الصمود مدة لا تتجاوز ربع ساعة، في حين أنّ الصغار يموتون قبل ذلك، فهم أكثر تأثّراً، لكون الرئتين أصغر، وبالتالي فهم غير قادرين على أخذ نفسٍ عميقٍ كالكبار. غير أنّ العلاج سهل في حال اكتشاف الشخص الفاقد للوعي مبكراً، حيث يُزوّد على الفور بالأكسجين، ويخرج أول أكسيد الكربون من جسمه".

ورجّحت أن يكون الفقيد، الذي يُعدّ ضمن فئة الصغار، "قد تنشّق أول أكسيد الكربون بكميات كبيرة، وعدم العثور عليه في الوقت المناسب أدّى إلى مفارقته الحياة"، مناشدةً المواطنين "عدم وضع المولّد الكهربائي في غرفةٍ مقفلة من دون نوافذ، وضرورة الحرص على تركيب فلاتر لتخفيف انبعاث أول أكسيد الكربون".

وكانت إدارة المدرسة قد نعت الأيوبي عبر صفحتها على "فيسبوك"، قائلةً: "اليوم تركتنا يا زاهي، وقد حبسنا دموعنا أمام رفاقك، وصرخ قلبنا ألماً لفراقك. اليوم تذكّرناك، بابتسامتك الخجولة، ونظراتك البريئة؛ ولكنّك اليوم ملاك في السّماء. لقد علّمتنا يا زاهي أنّ الحياة رحلة قصيرة...".

وعبّر أقرباء الأيوبي وأصدقاؤه وأساتذته ورفاق صفّه عن حزنهم الشديد لهذا الرحيل الصادم والموجع، حيث أورد أحدهم عبر صفحته، قائلاً: "كسرت قلوبنا أيّها التلميذ الطيب الخلوق". واستذكر آخر كيف كان يصادف الأيوبي كلّ صباح في أثناء انتظاره حافلة مدرسته قرب المقبرة، حيث شاهده مرات عديدة يلقي حقيبته بجانبه ويقف على باب المقبرة، كي يدعو للموتى، "فكان أن حدّثتُ أبنائي عنه وعمّا يكتنزه هذا الفتى من إيمانٍ وطيبة قلبٍ...".

المساهمون