فتوى تجيز للمسلمين تعدد الزوجات تغضب السلطات الروسية

05 يناير 2025
نحو مليوني مسلم في موسكو. 14 إبريل 2021 (نتاليا كوليسنيكوفا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أصدرت الإدارة الدينية لمسلمي روسيا فتوى تجيز تعدد الزوجات بشروط معينة، مما أثار غضباً واسعاً وضغطاً لسحبها بسبب تعارضها مع قوانين الأسرة والطابع العلماني للدولة.
- تعدد الزوجات موجود في بعض الأقاليم الروسية بتقاليد دينية، لكن الدولة لا تعترف بالزواج الديني قانونياً، مما يلغي حقوق مثل الميراث وتقاسم الأملاك.
- يرى بعض الخبراء أن مصطلح "تعدد الزوجات" غير دقيق، ويقترحون استخدام مصطلحات دينية تتماشى مع القانون الروسي، مع ملاحظة حرية اختيار الشريك في روسيا بعد الحقبة السوفييتية.

أصدرت "الإدارة الدينية لمسلمي روسيا"، خلال الأيام الأخيرة، فتوى تجيز للمسلمين تعدد الزوجات شريطة العدل بينهن، وذلك في حالات مثل عدم قدرة الزوجة على الإنجاب لأسباب صحية، أو تجاوزها سن الإنجاب، أو انعدام التوافق الجنسي، أو عدم رغبة المرأة في الإنجاب، مع إلزام الرجل بإخطار زوجته الأولى.
لكن هذه الفتوى أثارت غضباً واسعاً في الأوساط الاجتماعية، وضغطت النيابة العامة الروسية على الإدارة الدينية لمسلمي روسيا لسحبها. في حين أرجع رئيس مجلس علماء الإدارة الدينية، شامل علاء الدينوف، قرار سحب الفتوى إلى "انعدام الجدوى من الدخول في جدل".
ويقر عضو مجلس العلاقات بين القوميات التابع للرئاسة الروسية، بوغدان بيزبالكو، بأن ظاهرة تعدد الزوجات قائمة بالفعل في بعض المناطق الروسية، موضحاً أن الدولة لا تتدخل، بل تصون الحياة الشخصية للمواطنين ما دام الزواج الثاني لا يتم في  إدارة الأحوال المدنية، ومن ثم لا يتعارض مع القوانين.

تعدد الزوجات ظاهرة قائمة في عدد من الأقاليم الروسية

ويوضح بيزبالكو لـ"العربي الجديد"، أن "ظاهرة تعدد الزوجات قائمة في عدد من الأقاليم التي تسمح تقاليدها الدينية بذلك، مع غض الدولة منذ الحقبة السوفييتية الطرف عن الأمر، انطلاقاً من مبدأ أن السكان البالغين أحرار في خياراتهم. تعدد الزوجات غير المسجل لا يتعارض مع الطابع العلماني للدولة الروسية، ولا تتدخل السلطات في الحياة الشخصية للمواطنين التي يضمن القانون حصانتها، لكنها لا تعترف في الوقت نفسه بأي زواج ديني، سواء كان إسلامياً أم مسيحياً، ما يعني أنه لا تترتب عليه أية آثار قانونية، مثل الحق في الميراث، أو تقاسم الأملاك عند الطلاق".
وحول أسباب ردات الأفعال الغاضبة التي أثارتها فتوى تعدد الزوجات، يؤكد أن "الطريقة الاستعراضية التي تم بها إصدار الفتوى تتعارض مع الطابع العلماني للدولة، ولأحكام قانون الأسرة، ومواقف كل المؤسسات. لذا قررت الدولة إبداء الحزم، وإرغام الإدارة الدينية لمسلمي روسيا على سحب الفتوى. مع ذلك، لا تملك الدولة أدوات لمنع إبرام عقود النكاح في المساجد، فالحكومة ليس من بين مهامها فرض رقابة على المساجد، لكن تظل هذه العقود بلا قيمة قانونية".

مسلمات في سان بطرسبرغ. 25 سبتمبر 2024 (مكسيم كونستانتينوف/Getty)
مسلمات في سان بطرسبرغ. 25 سبتمبر 2024 (مكسيم كونستانتينوف/Getty)

بدوره، يعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، المستشرق كيريل سيميونوف، أنه في حال قررت الدولة حظر تعدد الزوجات، فسيتعين عليها أيضاً منع المساكنة كون القانون لا ينظمها، مقراً بأن الضجة الأخيرة ناجمة عن اختيار الإدارة الدينية مصطلحاً غير دقيق للفتوى، هو تعدد الزوجات بدلاً من تعدد عقود النكاح.
ويقول سيميونوف الذي اعتنق الإسلام، لـ"العربي الجديد": "ثمة حالات كثيرة لتعدد الزوجات قائمة على أرض الواقع رغم أنه لا يجوز تسجيل سوى زواج واحد بإدارة الأحوال المدنية، فهناك عقود نكاح يتم تحريرها من دون تسجيلها في ما يشبه واقعاً موازياً لا يتقاطع مع المجال القانوني بأي شكل من الأشكال، بل يستند إلى اتفاقات بعينها بين الأشخاص من دون تثبيتها قانونياً".
ويضيف: "هناك انطباع بأنه يجري البحث عن ذريعة للتهجم على الإدارة الدينية لمسلمي روسيا، وربما توقيت إصدار الفتوى ونص صياغتها لم يكونا مناسبين، بل كان ينبغي استبدال مصطلح تعدد الزوجات بعبارة أخرى مثل (عقود نكاح مع أكثر من امرأة)، مع اعتماد مصطلحات دينية غير واردة في قانون الأسرة الروسي حتى لا تتقاطع معه. في حال كانت السلطات الروسية تعتزم حظر إبرام عقود النكاح، فمن باب العدالة أن ينطبق هذا الحظر أيضاً على المساكنة، وعلى العلاقات خارج إطار الزواج، على اعتباره أنها غير مسجلة لدى الدولة".

واللافت أن القانون الجنائي السوفييتي كان يحظر تعدد الزوجات حظراً صريحاً، حتى إذا لم يكن مسجلاً، ونص على "معاقبة تعدد الزوجات - أي المساكنة مع امرأتين فأكثر - بالسجن لمدة تصل إلى عام واحد، أو أعمال إلزامية لفترة مماثلة". لكن قوانين روسيا بعد الحقبة السوفييتية تترك للمواطنين البالغين الحرية في اختيار من يساكنونه ما دامت العملية خالية من الخداع أو الإجبار.
يذكر أن الإسلام هو الديانة الثانية الأكثر انتشاراً في روسيا بعد المسيحية الأرثوذكسية، ويتركز المسلمون المقدر عددهم بنحو 20 مليوناً، في جمهوريات شمال القوقاز وتتارستان وبشكيريا، إضافة إلى العاصمة موسكو التي يقطنها نحو مليوني مسلم، من بينهم مغتربون قدموا من الجمهوريات السوفييتية السابقة، وفي مقدمتها أوزبكستان وطاجكستان وقرغيزستان.
وفي أحيان كثيرة تعلي الجاليات المسلمة داخل روسيا عاداتها وتقاليدها فوق القوانين العلمانية للدولة، ما يسبّب توترات عرقية، ويغذي الأمزجة القومية لدى القوى اليمينية.

المساهمون