تطمح منظمات مدنية عديدة إلى تغيير واقع النساء العاملات في القطاع الزراعي بتونس، وذلك من خلال زيادة الوعي المجتمعي بحقوقهنّ بصفتهنّ شريكات أساسيات في الدورة الاقتصادية والأسرة والمجتمع.
وفي الإطار، أطلقت جمعية المرأة الريفية في محافظة جندوبة، شمال غربي تونس، بالاشتراك مع الاتحاد الوطني للمرأة التونسية في القيروان وسط غربي البلاد، حملة "فالحة" التي تهدف إلى تحسين واقع 600 ألف امرأة يعملنَ في الزراعة، أكثر من 80 في المائة منهنّ مسلوبات الحقوق الاجتماعية.
وحملة "فالحة" التي انطلقت بدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في إبريل/نسيان الماضي، وتستمرّ مدّة خمس سنوات، تستفيد من أكثر من تسعة ملايين تونسي ناشط على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل الدفاع عن قضايا المزارعات اللواتي يشاركنَ للمرّة الأولى قصصهنّ وتجاربهنّ؛ هنّ ربّات بيوت ومساهمات في توفير القوت.
ومصطلح "فالحة" في العامية التونسية يعني المرأة القديرة والقادرة على مكابدة الصعاب وعلى النجاح، كذلك فإنّ الكلمة تتألّف من الحروف نفسها التي تركّب كلمة "فِلاحة" (أي زارعة) وهو القطاع الذي تنتسب إليه "الفالحات". كذلك، فإنّ الحملة تأتي بشعار "في ضمان حقوق النساء ضمان حقوق الغذاء".
تقول منسقة حملة "فالحة" بدرة الجلاصي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المشروع الذي انطلق قبل أسابيع سوف يمتدّ حتى عام 2028، وهي المدّة المحدّدة لبلوغ أهداف الحملة؛ تحصيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملات في القطاع الزراعي، ومن بينها ضمان التغطية الاجتماعية الشاملة لهنّ وحمايتهنّ من المخاطر المهنية، بالإضافة إلى الاعتراف المجتمعي بجهدهنّ كفاعلات أساسيات في الدورة الاقتصادية".
تضيف الجلاصي أنّ "تغيير واقع هؤلاء النساء يحتاج إلى عمل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل إيصال أصواتهنّ بما يفضي إلى إصدار قوانين ناجزة تضمن حقوقهنّ المادية والمعنوية".
وشرحت أنّ "العاملات في الزراعة سوف يتحدّثنَ للمرّة الأولى، مباشرة، عن تجاربهنّ وأملهنّ في تحسين ظروف العمل، لا سيّما النقل الآمن والأجر العادل". وتنتقد منسقة حملة "فالحة" تعثّر تطبيق القوانين التي تحمي حقوق المرأة، من بينها القانون الصادر في عام 2019 المتعلق بالنقل الآمن للعاملات في القطاع الزراعي.
وتعمل في تونس أكثر من 600 ألف امرأة في القطاع الزراعي، ويشكّلنَ غالبية القوى العاملة الزراعية في المناطق الريفية من البلاد. لكنّ هؤلاء النساء يواجهنَ تحديات عديدة، بما في ذلك تدنّي الأجور وظروف العمل غير الآمنة والنقل غير الآمن ، بالإضافة إلى عدم استفادتهنّ من ضمان اجتماعي أو تأمين صحي.
وبحسب بيانات جمعيات مدنية، فإنّ هؤلاء النساء يواجهنَ مخاطر مهنية كبيرة من دون أي حقوق تضمن لهنّ الحصول على العلاج أو التعويض عن تلك المخاطر، بسبب عدم استفادتهنّ جميعاً من التغطية الاجتماعية.
وبعد نحو خمس سنوات من إصدار القانون المتعلق بالنقل الآمن الخاص بالعاملات في القطاع الزراعي بتونس، عُقد في مارس/آذار الماضي أوّل مؤتمر سنوي للمزارعات تحت شعار "نضال من أجل حقوقنا الاقتصادية والاجتماعية".
وقدّمت نساء تونسيات، خلال المؤتمر، شهادات عن واقعهنّ وعبّرنَ عن امتعاضهنّ من الظروف الصعبة التي يعملنَ فيها، وأشرنَ إلى ظروف النقل المحفوفة بالمخاطر وهضم حقوقهنّ المالية في ظلّ تقاضيهنّ بدلات يومية جدّ زهيدة.
وتنتقد جمعيات مدافعة عن حقوق المرأة في تونس سياسات الدولة التي لا توفّر ميزانيات خاصة لإنفاذ القوانين ذات الصلة، ولا تؤمّن رقابة من الجهات الأمنية على الطرقات، خصوصاً تلك التي تسلكها "شاحنات الموت" التي تحمل عشرات النساء وتنقلهنّ إلى الحقول.