يعد الرمان إحدى أقدم الفواكه التي عرفتها البشرية، ويعود تاريخه إلى مئات السنين قبل الميلاد. واشتهر بكونه أحد رموز القوة والجمال لدى الملوك، ويعتبر اليوم عنصراً غذائياً مهماً جداً بالنسبة إلى أشخاص أصحاء ومرضى معاً كونه ذا فوائد في الوقاية من بعض الأمراض ومعالجتها في الوقت ذاته.
ويدرج علماء الرمان ضمن أول خمس ثمار زرعها الإنسان إلى جانب الزيتون والعنب والنخيل والتين، وتفيد دراسات بأن بلاد فارس وشمال الهند اهتمت بزراعة فاكهة الرمان قبل أن تنتشر في أنحاء البحر المتوسط، وتمتد إلى شبه الجزيرة العربية وأفغانستان والصين التي كانت تسمي الرمان "التفاحة الصينية"، علماً أن أصل اسم الرمان في عدد من اللغات الغربية يصدر من كلمة "pomuni granatum" اليونانية، أي التفاح.
ويتحدث تقرير أصدره باحثون في جامعة يوتا الأميركية عن أن زراعة الرمان انتشرت على نطاق واسع في إسبانيا، ثم انتقلت إلى المكسيك وكاليفورنيا وأريزونا في القرن السادس عشر.
ينمو الرمان عادة في مناطق مشمسة باعتبار أن الشمس تلعب دوراً مهماً وأساسياً في إنتاج السكر داخل الثمار. وتزدهر نباتات الرمان في تربة طينية، وبيئة ذات درجة حرارة معتدلة تتراوح بين 15 و38 درجة مئوية. وخلال فصل الصيف يستفيد الرمان من الظل أو الظل الجزئي، بينما يجب حماية ثماره من درجات الحرارة الباردة والصقيع خلال فصل الشتاء.
وعبر التاريخ، تنوّعت استخدامات الرمان الصحية والغذائية وحتى الجمالية، إذ كان الأشخاص يستخدمون قشور الرمان تحديداً التي تحتوي على عناصر غذائية مهمة لصنع أدوات تجميلية. وتكشف دراسة أصدرتها مكتبة الطب الأميركية أن قشور الرمان تستخدم في أدوية شعبية تستفيد من مركباته المفيدة الكثيرة، وتحديداً تلك القشور النشطة بيولوجياً.
ويملك الرمان فوائد عدة تعزز المناعة وتساهم في تقوية الجسم لأنه غني بالألياف والفيتامينات والمعادن. وهو يوفر مضادّات الأكسدة ويدعم صحة القلب وصحة المسالك البولية.
ويقول أخصائي الصحة العامة الدكتور غسان أنطوان لـ"العربي الجديد": "يُعد الرمان من الفواكه المهمة التي تحتوي على العديد من العناصر الغذائية والفيتامينات والمعادن مثل فيتامين ج، وحمض الفوليك والمغنيسيوم. وكل هذه العناصر مهمة لدعم خلايا الجسم والوقاية من الأمراض".
يضيف: "تساعد مضادات الأكسّدة التي تحتويها ثمرة الرمان في منح الجسم الطاقة وتدعم المناعة والوقاية من الأمراض، وتحديداً في فصل الشتاء مثل الرشح والأنفلونزا، كما تخفّف الالتهابات".
ووفق أنطوان قد يُساعد عصير الرمان في تقليل نسبة الكوليسترول الضارّ مقابل زيادة نسبة الكوليسترول الجيد، ما يقلل خطر الإصابة بالسكتة الدماغية والنوبات القلبية.
ويُشير إلى أن الرمان يخفّض ضغط الدم ومستويات السكر، لذا يوصف بشكل أساسي لأصحاب الأمراض المزمنة والقلب باعتبار أن مضادّات الأكسّدة تمنع سماكة جدران الشرايين، وتقلل تراكم الكوليسترول، لذا يعتبر عنصراً غذائياً أساسياً لمرضى السكري والضغط والكوليسترول.
وتكشف دراسات أن الأشخاص المصابين بداء السكري من النوع الثاني الذين شربوا عصير الرمان أظهروا تحسناً في مقاومة الأنسولين. وتورد دراسة نشرتها المكتبة الوطنية للطب الأميركية أن أجزاء الرمان (القشور والبذور) وبعض مكوناته النشطة تؤثر في المتغيّرات البيوكيميائية والتمثيل الغذائي (تكسير المواد الغذائية الرئيسية أكانت كربوهيدرات أو بروتينات أو دهون) التي ترتبط بعلامات الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. وتذكر الدراسة أيضاً أن الرمان يقلل الإجهاد التأكسدي والدهون، ويخفّض مستويات السكر في الدم بشكل ملحوظ عن طريق حمض البونيك ومستخلص بذور "ميثانول" ومستخلص قشر الرمان.
ويتضمن الرمان مركبات "بونيكالاجين" المضادة لمرض السكري، كما يحتوي سكر العصير على مادة "بوليفينول" المضادّة للأكسدة التي تفيد في السيطرة على حالات مرض السكري من النوع الثاني.
وتقول أخصائية التغذية رانيا القادري لـ"العربي الجديد" إن "الرمان من أهم الوصفات التي تساعد في إنقاص الوزن لأنه فاكهة قليلة السعرات الحرارية، ويحتوي كل 100 غرام منه على نحو 85 سعرة حرارية، لذا يستعان به لدى تنفيذ برامج غذائية تهدف إلى تخفيف الوزن. كما يحتوي على الألياف التي تدعم عملية الهضم".
تضيف: "تساعد ألياف فاكهة الرمان في تعزيز عمل الجهاز الهضمي، وتعالج بالتالي الإمساك، وتعزز صحة الأمعاء الجيدة، علماً أن تناول كميات كافية من الألياف يقلل أيضاً خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري".
ووفق القادري، يحتوي الرمان على مادة "بوليفينول"، وهي من العناصر الأساسية في حرق الدهون وتوجد بكثرة في التوت البري والفراولة والتفاح الأخضر، وتساعد عادة في زيادة عملية التمثيل الغذائي.
وبحسب دراسة أجراها ناشر المجلات العلمية في سويسرا (MDPI) تعزز الألياف الموجودة في الرمان الشبع من خلال مادة "بوليفينول" التي تعزز عملية التمثيل الغذائي وتزيد حرق الدهون.
وأظهرت دراسة أن تناول أشخاص 120 ملليلتراً من عصير الرمان يومياً لمدة شهر واحد قلّل في شكل ملحوظ كتلة الدهون لدى البالغين، علماً ان إحدى الآليات التي يشارك بها الرمان في إدارة السمنة تتمثل في تنظيم الشهية.
ووجدت دراسة أجريت عام 2017، وشملت تسعة من نخبة رياضيي رفع الأثقال أن المشاركين الذين تناولوا 250 ملليلتراً من عصير الرمان ثلاث مرات يومياً لمدة ثلاثة أيام قبل جلسات التدريب على رفع الأثقال إضافة إلى 500 ملليلتر إضافية من عصير الرمان قبل ساعة واحدة من جلسات التدريب، انخفض وزنهم، كما زادت مستويات نشاط الأنزيمات المضادّة للأكسّدة في أجسامهم مقارنة برياضيين تناولوا دواءً وهمياً. وتكشف هذه النتائج أن شرب عصير الرمان قد يقلّل أضرار التأكسد، ويعزز الدفاعات المضادّة للأكسدة بعد النشاط البدني الكثيف، ما يعزز تعافي العضلات.
ولا ينفي أنطوان حقيقة أن تناول الرمان في شكل غير متوازن ينعكس سلباً على الصحة العامة، وتحديداً كبار السن، إذ إنه يليّن المعدة والجهاز الهضمي، وقد يتسبب بالتالي في حصول إسهال لدى هذه الفئات، خاصة إذا استهلك بطريقة غير مدروسة أو متوازنة. أضف إلى ذلك أن بعض الأشخاص يعانون من حساسية من تناول الرمان بسبب عناصر الأكسدة، ما قد يجعلهم يصابون باحمرار أو حكة أو حتى تورم.
ويمكن تناول الرمان الطازج مع بذوره، ما يزيد قيمته الغذائية بسبب وجود نسبة عالية من الألياف الغذائية الخشنة في البذور، علماً أن استهلاك كمية كافية من الألياف يقي من الإصابة بسرطان الأمعاء، واضطرابات الأمعاء، باعتبار أن الألياف تمتص السموم والمعادن الثقيلة والكوليسترول وتخرجها من الجسم، وتحسن عمل الأمعاء وتساعد في تفريغها في الوقت المناسب. ويمكن استخدام بذور الرمان في الأكل فقط إذا كانت لينة وغير قاسية لأن البذور الصلبة القاسية قد تؤذي الغشاء المخاطي للمعدة والأمعاء.