من قرية ياجور الفلسطينية (تقع على بعد 10 كيلومترات من مدينة حيفا)، خرجت والدة فاطمة حسن الحاج وكانت حاملاً بها في شهرها السابع، لتبصر فاطمة النور في العاصمة السورية دمشق. وبعد سورية، انتقلت العائلة إلى مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت. وتقول فاطمة: "لم أبصر النور في بلدي، وولدت لاجئة في سورية. فبعدما بدأ القصف على القرى المجاورة لبلدتنا، ووصلت إلينا أنباء بأن الصهاينة يقصفون القرى ويذبحون الأهالي، خاف أهلي وخرجوا من البلدة ولم يحملوا معهم شيئاً من أمتعتهم، وصاروا يمشون على الطرقات إلى أن وصلوا إلى جنوب لبنان، وتحديداً إلى قرية بنت جبيل، ومنها إلى منطقة المزة بدمشق، حيث ولدت".
تتابع: "خرجت أمي من فلسطين مع والدي وشقيقي وشقيقتي وأفراد آخرين من العائلة. كانت رحلة طويلة من التعب والشقاء. عشنا في مأساة. في المزة، لم تكن حياتنا سعيدة بل متعبة، على عكس فلسطين حيث كانوا يعيشون في بيوتهم، وكان والدي يعتاش من عمله لدى إحدى الشركات. وكنا نملك أراضي وبساتين. أما في المزة، فسكنا في بيت عربي قديم من الطين سقفه خشبي، وكنا نعتمد على الإعاشة التي تقدمها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (أونروا) ومن العمل بالأكياس الورقية. كانت حياتنا صعبة جداً. لم أدخل المدرسة وما زلت أشعر بالحسرة حتى اليوم. لكن العادات هي ألا تتعلم الفتيات. لذلك، اكتفى والدي بتعليم الذكور فقط. وعندما بلغت الخامسة عشرة من العمر، بدأت العمل في إعداد الأكياس الورقية الصغيرة بسبب الفقر. وكانت الإعاشة التي تقدمها أونروا غير كافية. وبقيت في العمل إلى أن بلغت سن العشرين، فتزوجت وانتقلت للعيش مع زوجي في مخيم شاتيلا في لبنان".
تقول فاطمة إن زوجها كان يعمل في مجال البناء. "أنجبتُ خمسة أولاد، لكننا لم نكن نعيش حياة مستقرة، ومرت علينا حروب عدة. وكنا ننتقل من مكان إلى آخر لنحمي أنفسنا من نيران الأسلحة. وحين ظننا أننا استقررنا في المخيم وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا في 16 سبتمبر/ أيلول 1982، لنترك منازلنا بعدما علمنا أن الناس يذبحون. توجهنا إلى أحد المستشفيات حيث رأينا الجرحى والشهداء، فطُلبت منا المغادرة حتى لا نقتل. توجهنا بسرعة إلى منطقة في العاصمة بيروت وسكنا مبنى قيد الإنشاء. كان أولادي صغاراً حينها. بقينا في المبنى مدة وجيزة، وكانت المنظمات تقدم لنا المؤن الغذائية حينها. وبعد توقف المذبحة، عدنا إلى المخيم الذي كان خالياً من الناس وحزيناً. كنت أشعر بالخوف، إذ إن غالبية جيراني قتلوا بسبب المجزرة".
تضيف فاطمة: "كما عانينا خلال حرب المخيمات في ثمانينيات القرن الماضي، وحوصرنا مدة ستة أشهر. عشنا الحصار والموت والجوع. كنا نأكل المعلبات أو ما تقدمه لنا الفصائل. وخلال الحصار، عشنا الخوف والمأساة في بيوتنا. لا مكان آخر نذهب إليه لنحمي أنفسنا من القصف والرصاص". وتختم حديثها قائلة: "نعيش حياة مستقرة في المخيم في الوقت الحالي. لا خوف ولا حرب. مع ذلك، أتمنى العودة إلى فلسطين لأنها أرضي، وكل شيء متوفر فيها. كما أن الحياة في لبنان صعبة".