تهجير فادي العدل، مع أهله، كان حافزاً له للنجاح بعيداً عن سورية، لكنّ الوطن في باله دائماً
"الغناء يعوضني عن مشكلة التلعثم في الكلام، التي ازدادت لديّ بعد رحيلي عن سورية، وهكذا أفرغ عن طريقه طاقتي السلبية وأوصل صوت بلدي إلى الناس" هكذا يصف الشاب السوري فادي العدل (25 عاماً)، الذي ينحدر من مدينة أريحا في ريف إدلب، موقع الغناء في حياته. كان لدى فادي حلمان، أولهما أن يلتحق بجامعة عريقة ليدرس الهندسة المعمارية، وأما الثاني فهو إيصال رسائل تخدم قضايا وطنه، من خلال صوته وأناشيده، قبل أن يلاحق النظام السوري عائلته، ويحرق بيتهم والمستشفى الذي كان يعمل فيه والده ووالدته كما يقول، مما اضطرهم للهرب إلى تركيا.
يتابع لـ"العربي الجديد": "خرجت من سورية بالملابس التي أرتديها فقط، وصولاً إلى مدينة الريحانية جنوبي تركيا، ولم أحمل معي شيئاً سوى حلمي باستكمال دراستي، الذي كان يبدو بعيداً في تلك الفترة بسبب صعوبة الاستقرار في بلد غريب، لا أتقن لغته ولا أعرف أحداً فيه". مع ذلك، كان مصراً على استكمال مسيرته، فتقدم إلى امتحان المرحلة الثانوية ونجح، وبدأ بالتقدم إلى الجامعات التركية، ولم يكن ذلك يسيراً، إذ إنّ المقاعد المخصصة للهندسة المعمارية للطلاب الأجانب كانت قليلة، لكنّه قُبل في إحدى الجامعات أخيراً بعد حصوله على شهادة اللغة التركية. يتابع: "لم أترك شغفي بالغناء، بل بدأت بإعطاء دروس الإنشاد والتلاوة القرآنية للأطفال، إلى جانب دراستي، بعد انتقالي إلى مدينة إسطنبول، وكان والدي قد لجأ إلى بريطانيا وبدأ بإجراءات لمّ شملنا، لنجتمع معه هناك بعد فترة دامت سنتين".
لم يكن اتخاذ قرار مغادرة تركيا سهلاً، إذ كان متردداً لأنّه بدأ في تأسيس حياته وخطّط لمستقبله، وبنى علاقات جيدة وأصبح لديه كثير من الأصدقاء، لكنّ والده كان ينتظره في بريطانيا، فقرر ترك الجامعة وكلّ شيء وراءه، والبدء مجدداً.
يتحدث فادي عن وصوله إلى مدينة مانشستر، شمال غربي إنكلترا: "بعد وصولي مع أهلي إلى بريطانيا، كان لقاؤنا بوالدي مؤثراً بعد فراق عامين، لكن كان يراودني القلق لأنّني سأبدأ كلّ شيء من الصفر. وهكذا، بدأت بدراسة اللغة الإنكليزية في المعهد، لأنّ لغتي حينها لم تكن قوية بما يكفي للعيش والدراسة هنا، وأتقنتها بمدة قصيرة".
بدأت أحلام العدل تبصر النور في بريطانيا، بعد دراسة السنة التحضيرية للفنّ والتصميم في جامعة لندن، فازداد مخزونه المعرفي عن العمارة والرسم ثلاثي الأبعاد، وساعدته دراسته في الاندماج مع بقية الطلاب، إذ كان الطالب العربي الوحيد آنذاك في معهده. كان لموهبة فادي الموسيقية نصيب من السعي أيضاً، فيقول: "سجلت كثيراً من مقاطع الأغاني التي تعبر عن حنيني إلى الوطن، ونشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فنالت استحسان من سمعها، وهذا ما شجعني على الاستمرار في تطوير موهبتي والاستماع والتسجيل على الدوام".
أنهى فادي سنته التحضيرية، ثم قدم طلبات التسجيل في جامعات بريطانيا، ويصف فرحته بأنّها لا مثيل لها، حين جاءه الرد بالقبول من 13 جامعة من أفضل الجامعات في بريطانيا، وهو الآن يجهز نفسه للتخرج من إحداها. كذلك، بدأ العدل بتأسيس عمله الخاص: "أثناء دراستي، افتتحت مكتباً للاستشارات التعليمية، وأنا الآن أقدم المساعدة لمن يحتاج إليها من الطلاب العرب، ممن يرغبون بالدراسة في بريطانيا، وأوجههم إلى الطريقة الصحيحة للحصول على قبول جامعي كما فعلت".
يكتب فادي الأغاني ويلحّنها بالإضافة إلى الغناء، ومنها أغنيته "إدلب حرة" برعاية منظمة "بنفسج للإغاثة والتنمية" ويحمل فيديو كليب الأغنية رسالة تشجع على التبرع للنازحين أخيراً في إدلب. يتابع: "بالإضافة إلى منصات التواصل الاجتماعي، كانت بعض الجمعيات الخيرية، تدعوني إلى الحفلات الإنشادية التي تقيمها، لأغني أو أرتل القرآن، ونجحت في ذلك حينها، فكانت هذه الحفلات بمثابة فرصة لصقل موهبتي وتطويرها أكثر".
يطمح فادي إلى استخدام كلّ خبراته التي حصل عليها، على الصعيد الفني والمهني، في خدمة بلده وقضية أهله ووطنه، ويرى في وجوده كلاجئ في بريطانيا، فرصة لتحقيق أحلامه، ويقول: "لا أتصور أنّني كنت سأصل إلى هذا النجاح لو كنت الآن في سورية، لكنّني سأعود إليها عندما أنهي ما بدأته هنا".