فادية البرغوثي.. أسيرة فلسطينية سابقة توثق حياة زميلاتها بسجن هشارون

07 اغسطس 2024
الأسيرة الفلسطينية السابقة فادية البرغوثي، أغسطس 2024 (فيسبوك)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تجربة فادية البرغوثي في السجن وكتاباتها عن الأسيرات:**
فادية البرغوثي، الأسيرة الفلسطينية السابقة، كتبت عن حياة 70 أسيرة في سجن هشارون، مسلطة الضوء على صلابتهن وترابطهن، وخصوصًا الأسيرة رنا عيد.

- **أثر الكتابة على الأسيرات وذويهن:**
كتبت البرغوثي 15 نصًا لنقل صور إيجابية عن الأسيرات، مما أثر بشكل كبير على ذويهن وجعل قضية الأسيرات حية في أذهان الناس.

- **تجربة الاعتقال والتحديات التي واجهتها:**
اعتقلت البرغوثي بتهمة الانتماء لتنظيم معادٍ، وركزت في كتاباتها على قوتها وصلابتها رغم الظروف القاسية في السجن.

سلّطت الأسيرة الفلسطينية السابقة والمُرشّحة السابقة لانتخابات المجلس التشريعي فادية البرغوثي (51 عاما) من بلدة دير غسانة، شمال غرب رام الله، وسط الضفة الغربية، الضوء على حياة قرابة 70 أسيرة كنّ معها في سجن هشارون الإسرائيلي، عبر نصوص كتبتها ونشرتها على شكل سلسلة خصصت كل حلقة منها لإحدى غرف السجن، بعد الإفراج عنها، إثر اعتقال إداري دون محاكمة لمدة ثلاثة أشهر.

لم يكن ما قامت به فادية البرغوثي مجرد تدوين عن قضية ومستجداتها، بل تناولت زوايا متعددة من حياة زميلاتها الأسيرات، ورسمت عنهن صورة مختلفة، وصفتها الروائية والأسيرة المحررة وداد البرغوثي معلقة على نصوصها على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بـ "الصورة المشرقة لنفسيات الأسيرات ولشخصياتهن الفذة والجميلة".

تقول فادية البرغوثي (أم عمرو) لـ"العربي الجديد"، إنها اختارت الكتابة عن النواحي الإيجابية للأسيرات، وليس فقط المعاناة التي كتب عنها الجميع، مشيرة إلى أنها اختارت التطرق لصلابتهن وقدرتهن على إفشال الكثير مما يحاول السجان فرضه، وإلى قوتهن وترابطهن، وكيف لم يتحولن إلى كتلة من اليأس والإحباط، بل على العكس كن في أحيان كثيرة أكثر من رائعات.

كان آخر النصوص التي كتبتها البرغوثي عن الغرفة رقم 1، عن الجريحة والأم رنا عيد من سكان مدينة البيرة، وسط الضفة الغربية، التي تعاني من إصابة برصاص الاحتلال في ساقها، ومن حالة نفسية أدت لرفض تلقي العلاج، وحدوث تلوث بكتيري في جرحها.

البرغوثي رغم بدئها بالغرف بالترتيب حسب رقم كل غرفة، فإنها أبقت نص الغرفة رقم 1 مؤجلا، حتى تستشير عائلتها وزوجها وتعرض عليهم النص للموافقة قبل النشر، بسبب معاناتها من مشاكل نفسية خاصة، فوجدت العائلة كما تقول متلهفة لما ستكتب، ومتسائلة لم تأخرت بالكتابة عنها، وقد نشرت فعلا بعد أن أخذت بعين الاعتبار ملاحظات عائلتها حول النص.

ومما كتبته البرغوثي عن عيد: "المتابع لحالة الأسيرة رنا عيد يتيقن إصابتها بحالة من الانفصام الشديد، فلها شخصيتان مختلفتان تماماً؛ الخلوقة جداً، راقية الأسلوب، مرتبة الهندام، واسعة الثقافة... لكنها حين تنفصل عن الواقع... تنسى كلياً من هي ومن نحن وتعيش في عالم خاص بها، هذا الانفصال جعلها ترفض تلقي العلاج وساهم في تفاقم وضعها الصحي".

"لرنا مهارة مميزة في التدوير فقد استطاعت أن تصنع ملابس جديدة من ملابس قديمة، أن تصنع حقيبة مذهلة، صنعت قطعاً لا يصدق العقل أنها خرجت من داخل غرفة عزل شبه معدومة الموارد..، نادت علينا ذات مساء؛ أنتن مدعوات لافتتاح عرض خاص بالأزياء التي صنعتها، ذهبنا لباب غرفتها صباحاً؛ كيف استطاعت رنا أن تصنع كل شيء من لا شيء! استخدمت أكياس القمامة السوداء كأرضية وخلفية للعرض، كتبت اسمها بحروف مرتبة بمعجون الأسنان Rana Fashion Day".

لم تغفل البرغوثي معاناة رنا الكبيرة، وحقيقة أنها على كرسي متحرك دون علاج، بل طالبت بإطلاق حملة متواصلة من أجل حريتها وعلاجها، لكنها أيضا أرادت التركيز على روحها الجميلة، وما تستطيع أن تفعل تلك الروح داخل السجن، وتلك هي ملخص فكرتها من كل ما كتبت وتكتب عن الأسيرات.

الأسيرة الفلسطينية السابقة فادية البرغوثي، أغسطس 2024 (فيسبوك)
الأسيرة الفلسطينية السابقة فادية البرغوثي، أغسطس 2024 (فيسبوك)

فادية البرغوثي: الكتابة انتصار عن حالة العزلة

كتبت فادية البرغوثي 15 نصا، لكل غرفة نص منفصل، إضافة إلى منشور عن العيد "عيدنا غصب عنهم"، تقول إن ما دفعها للكتابة أن الأسيرات في حالة من العزلة، وبشكل خاص بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ومنع زيارة الأهل عنهن، وبسبب الظروف المعيشية الصعبة في السجون، وقلة الطعام وما يراه الأهالي على أجساد الأسرى المحررين، وتعطشهم لمعرفة أية أخبار عن بناتهم، وبحاجة لمن يطمئنهم عنهن.

كتبت البرغوثي عن كل أسيرة باسمها، كيف عرفتها كما تقول، وكيف تركت بصمة عندها وفي السجن، وأرادت أن تنقل صوراً بقوتهن وعنفوانهن وبصمتهن الإيجابية. لكن كيف استطاعت الكتابة بالتفاصيل عن 70 أسيرة تقريبا، عاشت معهن ثلاثة أشهر فقط؟

تجيب أنها سُجنت لتسعين يوماً من 22 فبراير/ شباط الماضي إلى 21 مايو/ أيار، كانت تقضي 23 ساعة من كل يوم داخل غرفة فيها ثماني أسيرات، وساعة واحدة في اليوم متاحة لها للخروج من الغرفة والالتقاء بأسيرات أخريات خلال ما يعرف بساعة "الفورة" التي يخرجن فيها من الغرفة إلى ساحة السجن، تلك كانت الفرصة للتواصل معاً، لكنها تلتقي بكثيرات خلف بوابات الغرف، فلا يسمح لهن جميعا بالخروج مرة واحدة.

ما ساعد البرغوثي كما تقول إن عددا من الأسيرات الصغيرات كن يعتبرنها أمّاً لهن؛ يذهبن إليها لبث همومهن، وكذلك كانت قبل الأسر صديقة وعلى تماس مع عدد آخر من الأسيرات، إضافة إلى طبيعة عملها بصفتها مشرفة للغة الإنكليزية في المدارس، أعطاها قدرة أخرى على الملاحظة والتدقيق بكل التفاصيل.

قضية الأسيرات حيّة

كان لما كتبته فادية البرغوثي الأثر الكبير بشكل خاص في ذوي الأسيرات، فكما تروي قد غيرت نظرتهم لبناتهن داخل السجن، وقد حققت أيضا بما كتبته ما أرادته من جعل قضية الأسيرات حية، ليتعرف الناس عليهن بأسمائهن وقصصهن وتفاصيلهن.

وقد وصل الأمر لزوج إحدى الأسيرات، وهي جراح نخلة دلاشي من مخيم الجلزون، شمال رام الله، ليصنع للكلمات التي كتبتها البرغوثي عن زوجته بروازا، ويعلقه في بيته، قائلاً لها إن تلك الكلمات أثرت في بناته، ففرحن، وخفف عنهن ما نقلته من شخصية مؤثرة لوالدتهن.

الكتابة ستستمر

كانت الكتابة فكرة في رأس أم عمرو وهي في السجن، لكن على شكل رواية عن تجربة الأسر، وقد كتبت مخططا لها مع الأسيرات، ووضعت عناوين فصولها، كفصل يوم العيد، وفصل القط فلفل، لكنها لم تفكر بالكتابة عن كل أسيرة على حدة، كما فعلت في نصوصها التي نشرتها، وإن كانت هذه التجربة وما لاقته من تفاعل من الأهالي، شجعتها للمضي في كتابة عملها، خاصة بعدما لاقت تشجيعا من بعض المتخصصين في أدب السجون، على أن تكون قصص زميلاتها الأسيرات فصلا من فصولها.

تجربة قاسية لكن ليست مستحيلة

لم تكتب البرغوثي عن تفاصيل شخصية قاسية في تجربة الاعتقال، لكنها أخبرت "العربي الجديد" بجزء منها، فهي اعتقلت بتهمة الانتماء لتنظيم معادٍ والخروج بمسيرات في الشارع، لكنها كانت تخرج كما تقول لتطالب بحرية ابنها وزوجها المعتقلين إدارياً، وللدفع بتحسين ظروف اعتقالهما، وعاشت في ظروف سيئة فقد تعرضت للضرب خلال نقلها بأحد جيبات الاحتلال، وتركت لخمس ساعات معصبة الأعين ومكبلة الأيدي في غرفة مليئة بالجنود بمعسكر "رنتيس"، يوجه لها الجنود الشتائم والتهديدات.

ثم نقلت لمدة أربعة أيام إلى زنزانة هي عبارة عن حمّام قد فاضت المياه منه، لا فواصل بين المرحاض وباقي الزنزانة، والأسوأ وجود كاميرتين ترصدان كل شيء، ولذا كانت تضطر لعدم الأكل حتى لا تستخدم المرحاض، وإن اضطرت تنتظر حتى تطفأ الأضواء في الليل، ولأنها اعتقلت في الشتاء، فقد كانت الفرشة مبتلة، والنافذة مفتوحة تدخل الهواء البارد، والبطانية قذرة، وحول زنزانتها غرف سجناء إسرائيليين مدنيين، يزعجونها بالموسيقى والأغاني العبرية، وبالصراخ، وفي أحيان الدق على الجدران والمناداة باسمها.

تصف البرغوثي اعتقالها بالقول إنها تجربة ليست سهلة، خاصة أنها تركت خلفها في البيت ابنا وحيدا بسبب اعتقال والده وشقيقه، لكنها ليست مستحيلة، وقد عرفتها على نفسها وصلابتها، وتعرّفت خلالها على قدرتها على التأقلم مع 8 شخصيات مختلفة داخل غرفة واحدة ولمدة 23 ساعة يوميا.

وتقول إن التجربة قربتها مما عاناه زوجها محمود البرغوثي في اعتقالات متكررة، وصل مجموعها إلى 10 سنوات، منها 8 اعتقالات إدارية بلا محاكمة، وحين زارتها المحامية، وأبلغتها بأن محاميا سيزور زوجها، طلبت منها أن توصل له: "شاركته 30 سنة بالحياة بمختلف الأعباء حملناها مع بعضنا، وأنا اليوم سعيدة لأنني حملت أيضا عبء السجن معه، فهذه التجربة الوحيدة التي كان متفردا بها، وهكذا صرنا متساويين".

المساهمون