منذ ما قبل الحرب الأخيرة في اليمن، كانت البلاد تقع تحت خط الفقر. لكن على الرغم من ذلك، كان المجتمع يتباهى بتزويج الشباب في سنّ مبكرة بحسب التقاليد، وهو ما جعلهم بعيدين نسبياً عن شبح العنوسة المتفشّي في عدد من الدول العربية المجاورة.
ويعود الارتفاع الحاصل في المهور بشكل أساسي إلى تدهور سعر صرف الريال اليمني في مقابل الدولار الأميركي، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على متطلبات الزفاف من مجوهرات وملابس وباقي مستلزمات الحفل، فضلاً عن ارتفاع قياسي في أسعار الأثاث المنزلي لمن يرغب في عشّ خاص للزوجية. وتسبّب غلاء المهور في تزايد نسبة العنوسة، خصوصاً في أوساط الشابات. وبعدما قدّرت إحصاءات رسمية عدد غير المتزوجات بأكثر من مليونَي امرأة قبل الحرب، لم تُصدر السلطات أيّ إحصاءات رسمية في خلال الأعوام الأخيرة، وسط توقعات بأن يكون الرقم قد تضاعف مرّتَين مع زيادة عدد سكان اليمن إلى 30 مليون نسمة، وتشكيل النساء نحو نصفهم.
ولم تلجأ السلطات الحكومية إلى تدابير لمعالجة هذه الظاهرة، فيما لجأت السلطات الحوثية في المدن الخاضعة إلى نفوذها، إلى سنّ أعراف قبلية جديدة لتيسير الزواج وحدّدت المهور بمبالغ معيّنة. لكنّها قوبلت بانتقادات واسعة، إذ عدّها ناشطون مهينة والهدف منها استباحة أعراض اليمنيين وإجبارهم على تزويج بناتهم بالقوة بهدف زيادة عدد المواليد.
ويقف الذهب عائقاً رئيسياً يحول دون التحاق الشباب اليمني الأعزب بنادي المتزوجين، نظراً إلى تقاليد المجتمع المتوارثة التي تجعل من المجوهرات زينة مهمة للعروس ويتوجّب على العريس توفيرها كشرط للقبول به. وانعكس تدهور العملة المحلية بشكل رئيسي على أسعار الذهب في السوق اليمنية. ففي حين كان جنيه الذهب الواحد يساوي 60 ألف ريال يمني (نحو 300 دولار أميركي)، ارتفع السعر حالياً إلى 399 ألف ريال (نحو 1600 دولار)، علماً أنّ سعر صرف الدولار يتفاوت من محافظة إلى أخرى.
ونظراً إلى الارتفاع المهول بسعر الذهب، لم يعد بمقدور آلاف الشبان توفير هذا الشرط الذي يضعه بعض الآباء عند تزويج بناتهم، وتُتّخذ قرارات بإرجاء مشروع الزواج إلى مرحلة لاحقة عندما تتوقّف الحرب وتعود الأسعار إلى سابق عهدها. هذا ما فعله الشاب أمجد الشرعبي. ويحكي لـ"العربي الجديد" معاناته مع الزواج الذي تحوّل إلى "مشروع مستحيل التنفيذ من جرّاء غلاء المهور. فوالد الشابة التي تقدّم لها، طلب مهراً من 40 غراماً من الذهب، مع العلم أنّ سعر الغرام الواحد في مدينة تعز (جنوب غرب) يصل إلى 53 ألف ريال (نحو 210 دولارات). يضيف الشرعبي أنّ "تكاليف المجوهرات وحدها تصل إلى مليونَي ريال (نحو 8000 دولار)، تُضاف إليها تكاليف صالة الزفاف ومستلزماتها الأخرى وكذلك أثاث شقة جديدة. كلّ هذه التكاليف في حاجة إلى مبالغ طائلة".
ووفقاً لعدد من سكان مدينة تعز، فقد لجأ أولياء الأمور إلى التنازل عن المبلغ المالي الخاص بالمهور وتحميل العريس كلّ النفقات، بعدما كانت الأعراف المعمول بها سابقاً تقتضي تقديم مبلغ مالي لوالد الفتاة يصل إلى مليون ريال (نحو 4000 دولار)، على أن يتكفّل هو بتحمّل نفقات الزواج وشراء المجوهرات لها بحسب قناعتها بالكمية المتاحة.
في سياق متصل، شرعت السلطات الحوثية بتطبيق ما وصفته بـ"وثيقة تيسير الزواج" التي تهدف إلى الحدّ من المغالاة بالمهور. لكنّ الهدف من هذه الخطوة التي بدأ تطبيقها في محافظة إب (جنوب) في منتصف شهر يونيو/ حزيران الجاري، لم يكن لإعانة الشباب على إكمال نصف دينهم، بل فرض الأجندة الخاصة بها في وجه ما تُعدّه "عادات دخيلة"، فيما يرى مراقبون أنّها "قوانين رجعية".
وقد اشترطت الوثيقة إلغاء كلّ مظاهر الفرح مثل الأغاني والرقص الشعبي، بالإضافة إلى منع بثّ الأغاني الخاصة بحفلات الزفاف عبر مكبّرات للصوت توضع عادة على أسطح المنازل أو عند نوافذها لأيام عدّة في مدن اليمن وأريافه. وكما حدّدت الوثيقة التي اطلعت "العربي الجديد" عليها، فإنّ المهر النقدي للعروس يعادل 1300 دولار بالنسبة إلى الشابة البكر ونصف هذا المبلغ للأرملة، علماً أنّ المبلغ يشمل كلّ شيء. أمّا المهر الآجل، أي في حال حصول طلاق، فقُدّر بأربعة جنيهات ذهب. وقد ألزمت الوثيقة الأمناء الشرعيين بتطبيق ذلك، وهدّدت بحبس المخالفين لمدّة شهرَين إلى جانب فرض غرامة مالية. ويؤكد سكان في محافظة إب أنّ السلطات الحوثية بدأت بتعميم هذه الوثيقة على كلّ المديريات وإلزام كلّ المواطنين بها، إذ هي بالنسبة إليها تحافظ على ما وصفته بـ"الهوية الإيمانية" وتحارب الظواهر الدخيلة على المجتمع. وكانت وسائل إعلام حوثية قد أفادت بأنّ مديرية الظهار في محافظة إب شهدت في 18 يونيو الجاري، إقامة أوّل حفل زفاف وفقاً لوثيقة تيسير الزواج، بحضور محافظ المحافظة عبد الواحد صلاح.
وتتفاوت مبالغ المهور التي حدّدتها الوثيقة الحوثية من محافظة إلى أخرى، وتفيد مصادر "العربي الجديد" في العاصمة صنعاء، بأنّ السلطات الحوثية حدّدت المهر فيها بما يعادل 1600 دولار، نظراً إلى ارتفاع المعيشة هناك مقارنة بالمدن الثانوية.
وقوبلت الوثيقة الحوثية بانتقادات واسعة من قبل ناشطين يمنيين على وسائل التواصل الاجتماعي. فكتب الصحافي سامي نعمان فقد عدّوها "مدخلاً لابتزاز الناس في أعراضهم وانتهاك كرامتهم وشرفهم"، أضاف أنّها "ستبيح للحوثيين الوصاية واقتحام المنازل واقتياد النساء إلى بيت الطاعة".
ويخشى سكّان إب البطش الحوثي في حال خطر لهم إبداء أيّ اعتراض على الوثيقة أو حتى مناقشتها. وبحسب عماد البعداني، وهو تاجر من المحافظة ويقيم في الولايات المتحدة الأميركية، فإنّ "مثل هذه الظواهر لا تُعالج بمثل هذه القوانين العُرفية الجائرة". ويقول البعداني لـ"العربي الجديد": "كان الأولى بالسلطات الحوثية إنشاء صندوق تكافلي لإعانة الشبان الفقراء على الزواج. أمّا بالنسبة إلى مظاهر الأعراس المبالغ فيها، فقد تمّ تقليصها من قبل المواطنين أنفسهم، خصوصاً الولائم والذبائح التي كانت ترافق يوم الزفاف وكذلك إطلاق الأعيرة النارية". يضيف أنّ "الوثيقة الحوثية جاءت لتكريس الفكر الرجعي الطالباني فقط لمنع الأغاني والرقص الشعبي".