لم يسبق أن بلغ غضب الشارع التركي بجمهوره ومسؤوليه من جريمة قتل أو عنف تعرضت له النساء، حجمه اليوم في قضية مقتل الشابة شبنام شيرين البالغة 25 عاماً ذبحاً على يد صديقها فرقان زيبينجي في ولاية دنيزلي (غرب). حتى أن المتحدث باسم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم عمر جيليك غرّد على "تويتر": "كل حادث قتل يستهدف النساء هو تدمير للإنسانية، وندعو الجميع إلى إدانة العنف ضد المرأة".
وأعقب ذلك إبداء رئيس نقابة المحامين في دنيزلي، عدنان ديمير دوغار، حزنه الشديد من حدوث الجريمة، وقال: "نعتذر عن عدم إبقائك (شيرين) على قيد الحياة، ومن عدم قدرتنا على الحفاظ على صحتك وأمانك وحمايتك. سنبذل قصارى جهدنا لضمان حصول الجاني على أقسى عقوبة يستحقها".
وتوالت الإدانات من مشاهير وفنانين، ومسؤولين في أندية رياضية شعبية كبيرة، مثل دنيزلي سبور وكوزتيبه وفنربخشة وطرابزون سبور وبشكطاش، بعدما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي والصحف بأخبار الجريمة، وتفاصيل نحر القاتل زيبينجي الضحية شيرين بعدما طعنها في حلقها مرات، علماً أن صحيفة "سوزجو" أوردت أن "زيبينجي وشيرين تناولا العشاء قبل ساعات من الجريمة، ثم أوصل القاتل ضحيته إلى بيتها قبل أن يعود في ساعات الصباح الباكر ويطعنها بسكين المطبخ إثر خلاف نشب بينهما". وعرّفت الصحيفة الضحية بأنها حفيدة رجل الأعمال الشهير شوكت توكات، وكشفت أن الجاني صاحب سوابق شملت ارتكابه ست جرائم ابتزاز واعتداء جنسي، ما يفسر ربما الصدى الواسع للجريمة.
وحصلت جريمة شيرين بعد نحو شهر من قتل رجل أربعيني الطالبة الجامعية أزرا غولجاندام حيات أوغلو (21 عاماً) بطريقة وحشية في مدينة أنطاليا (جنوب)، ما جعل ناشطات نسويات يطالبن باتخاذ إجراءات من أجل حماية المرأة، بعدما اعتبرن أن تكرار الجرائم في حقها "بات ظاهرة لا يردعها شيء".
وتصدر "هاشتاغ" باسم حيات أوغلو قائمة "الترند التركي" بمشاركة أكثر من 250 ألف مستخدم، تناول بعضهم تفاصيل الجريمة البشعة التي كشفتها صحيفة "حرييت" بناء على تسجيلات كاميرات منزل القاتل الذي فصل جسدها إلى 5 أجزاء بعدما اعتدى عليها جنسياً وخنقها في الحمام، ثم حمل قطع جسدها ودفنها في غابات فيرجيك بمنطقة كيبيز.
وتقول ملك أوندر، ممثلة منصة إيقاف الجرائم الجنائية المرتكبة في حق المرأة، لـ"العربي الجديد": "زادت الجرائم ضد النساء بعد عام 2011، وبلغت ذروتها خلال فترة وباء كورونا وما بعدها، ما يحتم مراجعة الحكومة سياستها الخاصة بحماية المرأة، وتجريم العنف الذي تتعرض له، والذي لا ينحصر في القتل فقط". واعتبرت أن "انسحاب أنقرة من معاهدة إسطنبول الأوروبية لمكافحة العنف ضد المرأة والعنف الأسري، ومساواتها بالرجل في كل المجالات، وجّه رسالة إلى بعض الرجال الذين يعنفون النساء بأن الحكومة تقف معهم وتحميهم".
لكن الباحث محمد كامل ديميريل يدافع بأن "أنقرة أعطت منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، المرأة كل حقوقها وبعضها حتى غير موجود في قوانين المنطقة وأعرافها، وربما في أوروبا. فالمرأة التركية لها نصف الممتلكات، ولا يسمح للرجل بأن يتزوج عليها، وهي صاحبة الحق سلفاً في أي ادعاء حتى يثبت العكس".
ويدين ديميريل كل جرائم العنف ضد المرأة "فهي في الحقيقة أختنا وابنتنا وأمنا. أما ارتفاع وتيرة العنف وأخباره المتداولة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بعد تطور الاتصالات فيعود إلى أسباب كثيرة نفسية ومالية، علماً أن الجرائم مدانة أكان رجل أم امرأة ضحيتها، لكن بعض وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية تركز على الجرائم ضد المرأة فقط".
ويصرّ ديميريل على نفي المزاعم حول وجود قصور في القانون التركي، ويقول: "اعتمدت تركيا منذ عام 2012 القانون رقم 6284 الذي يضمن كل حقوق المرأة ويحميها من كل أشكال العنف. وتنص المادة العاشرة من الدستور على المساواة أمام القانون، كما أن بلدنا في الأساس طرف في اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة الموقع عام 1985، وترأس تولاي توغو محكمتها الدستورية".
وتشير وكالة "بيانيت" التركية المتخصصة في شؤون حقوق الإنسان إلى مقتل 253 امرأة تركية هذا العام، وتعرض 715 امرأة لعنف وقهر. وتوضح أن نصف الضحايا قتلن على يد أزواجهن أو أحبائهن، و50 على يد الوالد أو الابن أو الزوج، و16 على يد جار أو صديق. كما تتحدث عن قتل الرجال 150 امرأة بأسلحة نارية، و66 بسكاكين، و3 حرقًا، و14 خنقاً، و5 بتأثير الضرب المبرح، و7 بعد إلقائهن من الشرفة أو السيارة أو من موقع مرتفع.
واللافت أن مصادر تركية كانت أشارت إلى تراجع وتيرة قتل النساء بعد تشديد العقوبات. وحددت عدد النساء اللواتي قتلن عام 2019 بـ447، وعام 2018 بـ440.