بعدما دمرت طائرات الاحتلال الإسرائيلي العديد من مساجد قطاع غزة، بات التجمع للصلاة في أي مسجد مخاطرة كبيرة، خصوصاً صلوات الجنازة على شهداء القصف، ما دفع الأهالي إلى الصلاة على شهدائهم أمام ثلاجات الموتى، أو في الطرق المؤدية إلى المقابر، وبأعداد محدودة، قبل مواراة جثامينهم في الثرى.
عاد الطبيب في مستشفى أبو يوسف النجار في مدينة رفح، جنوبي القطاع، تامر الخياط، إلى منزل أسرته للحصول على قسط من الراحة بعد ساعات طويلة من العمل المتواصل، لكن الاحتلال قصف المنزل على رؤوس من فيه، فارتقى شهيداً مع كل أفراد عائلته.
بعد نقل الشهداء إلى المستشفى، اصطف مديرها الطبيب مروان الهمص مع عدد من الأطباء والممرضين زملاء الشهيد، وبضعة مواطنين للصلاة على الطبيب الخياط وأفراد عائلته في داخل أروقة المستشفى، ثم جرى نقلهم للدفن في المقبرة.
من داخل المستشفى، يقول الطبيب أحمد سعيد، لـ"العربي الجديد": "أهالي الشهداء لا يتمكنون من نقل جثامينهم إلى المساجد للصلاة عليهم، أو إلى بيت الشهيد كما هو معتاد في الأوقات الطبيعية، فمن حيث المبدأ منازل الشهداء تم قصفها، وبالتالي لا يمكن العودة إليها، والعائلات باتت تنتقل من مكان إلى آخر، والكثير منها تقبع في الشوارع، كما أن الكثير من المساجد في غالبية مناطق قطاع غزة لم تعد تقام فيها الصلوات، إما لأنها دمرت، أو لعدم قدرة المصلين على الوصول إليها، وبالتالي أصبح المستشفى مكاناً لتوديع الشهداء والصلاة عليهم قبل دفنهم".
يضيف سعيد: "الأوضاع صعبة للغاية، فالمستشفى بات مكاناً لبقاء النازحين كمحطة أولى قبل البحث عن مأوى، والبعض يبقون لفترات طويلة نظراً لعدم وجود مكان ينزحون إليه، كما بات المستشفى أيضاً مكاناً لتوديع الشهداء، وللصلاة عليهم، ونشهد يومياً عشرات الجنازات وصلوات الجنازة".
غادر محمد أبو شعر منزله في شمالي غزة بسبب تهديدات جيش الاحتلال بقصف المنطقة، وانتقل إلى منزل كان يستضيف عشرات النازحين في المخيم الغربي لمدينة رفح، لكن الاحتلال قصف هذا المنزل، ففقد عدداً من أفراد عائلته الذين استشهدوا في القصف. حالياً، ليس لدى العائلة مأوى تستقبل فيه شهداءها، ما اضطرهم إلى الصلاة عليهم في المستشفى قبل دفنهم.
يقول: "لم نكن يوماً نتوقع أن يحصل هذا، ونشعر بأننا في كابوس، ولن نتمكن من نسيان ما جرى. أعداد كبيرة من العائلات لم تتمكن من وداع الشهداء في ظل عدم القدرة على التحرك بين مناطق المدينة نتيجة القصف الإسرائيلي المستمر بدون سابق تحذير أو إنذار، ما قد يصيب أي سيارة أو أفراد يتحركون. قمة الظلم أن لا نودع الشهيد في جنازته، ولا نستطيع دعوة الناس لحضور الجنازة، وحتى أقرباء الشهيد لا يستطيعون الوصول إلى المستشفى، فالاحتلال يتعمد أن يحوّل دون خروج جنازات كبيرة للشهداء، وهذا يضاف إلى إجرامه تجاه المدنيين في غزة".
من جهته، يقول رئيس قسم الإعلام بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة إكرامي المدلل لـ"العربي الجديد"، إن "طائرات الاحتلال تستهدف منذ بداية الحرب على غزة مقدرات الوزارة، خصوصاً المساجد، إذ دمرت المبنى الرئيس للوزارة في غرب مدينة غزة، وكذلك مقر إذاعة القرآن الكريم التابعة لها في برج فلسطين الذي تمت تسويته بالأرض. أكثر من عشرين مسجداً تعرضت للتدمير الكلي، من بينها مسجد سعد الأنصاري في بلدة بيت لاهيا، ومسجد الحبيب محمد في مدينة خان يونس، ومسجاد اليرموك، وأحمد ياسين، والعباس، والسوسي، وشتيوي في مدينة غزة، ومسجد الإمام علي في مخيم جباليا للاجئين".
وتوقّع المدلل ارتفاع عدد المساجد المدمرة بالنظر إلى استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وكثافة الغارات الجوية على كافة المحافظات، وصعوبة إجراء مسح لحجم الأضرار والوقوف على حجم الخسائر.
وللاحتلال الإسرائيلي تاريخ حافل مع تدمير المساجد، فحسب توثيق وزارة الأوقاف، دمّرت آلة الحرب الإسرائيلية 3 مساجد كلّياً، وألحقت أضراراً بنحو 40 مسجداً خلال معركة "سيف القدس" في عام 2021، كما دمرت كلياً أو جزئياً قرابة 110 مساجد خلال معركة "العصف المأكول" في العدوان الإسرائيلي عام 2014.
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي حربه الشاملة ضد قطاع غزة منذ السبت 7 أكتوبر/ تشرين الأول، بعد عملية "طوفان الأقصى" التي بدأتها المقاومة الفلسطينية في مستوطنات غلاف غزة، رداً على اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه على المسجد الأقصى والأسرى، وحصار قطاع غزة المستمر منذ 17 عاماً.