أثار إعلان موسكو وقف أنشطة منظمة "غرينبيس" الدولية المعنية بحماية البيئة في روسيا، باعتبارها "منظمة غير مرغوب فيها"، المخاوف من تدهور الوضع البيئي في روسيا، في وقت كان يسمح الاسم العريق للمنظمة بلفت الأنظار إلى قضايا بيئية بالغة الخطورة والدفاع عنها، والمساهمة في معالجتها.
ومنذ أن افتتحت فرعها في روسيا عام 1992، أي في العام التالي لتفكك الاتحاد السوفييتي، شملت مجالات عمل "غرينبيس" ضمن الاتحاد الروسي الحدّ من التلوّث البيئي الناتج عن مواد كيميائية، وحماية القطب الشمالي من تكاليف التنمية الصناعية، ومراقبة الحدائق العامة والغابات، وتطوير شركات الطاقة البديلة في روسيا.
وحقق نشطاء المنظمة خلال سنوات عملهم في روسيا ما يمكن وصفه بأنه "انفراجات" في عدد من الملفات البيئية الشائكة، مثل الإفراج عن الحيتان القاتلة والبيضاء من "سجن الحيتان" في إقليم بريموريه أقصى شرقي البلاد، ونقل موقع بناء منشآت دورة الألعاب الأولمبية في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود من حديقة سوتشي الوطنية. كما ساهموا في إنقاذ محميات طبيعية فريدة من نوعها من الإغلاق، ونفذوا حملات كبيرة لفرز مختلف أنواع القمامة بعد جمعها، وبالتالي تقليص النفايات وملوّثاتها".
ويلفت رئيس منظمة "الصندوق الأخضر" المعنية بحماية البيئة، أوليغ إيفانوف، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "شهرة غرينبيس ومكانتها العالمية زادتا أهميتها في المشهد البيئي الروسي، وقد تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى عامل مزعج للسلطات الروسية، بعدما جمعت معلومات عن المحطات النووية ومنشآت صناعية أخرى حساسة". يضيف: "يصعب التكهّن بالسبب المباشر لتصنيف غرينبيس منظمة غير مرغوب فيها في روسيا، لكن لا يخفى أنها أصبحت في السنوات الأخيرة مصدر إزعاج للمجالس والجهات التشاورية الحكومية، علماً بأنها كانت تتمثل بمندوب في مجلس حقوق الإنسان التابع للرئاسة الروسية. وفي أحيان كثيرة، كان ممثلو غرينبيس يتعاملون بشيء من التعالي مع الموظفين الحكوميين الأقل كفاءة منهم في مجال البيئة، كما عارضوا إنشاء مشاريع لأنابيب النفط والغاز".
ومع ذلك، لا يستبعد إيفانوف "احتمال وجود دوافع مرتبطة بالأمن القومي وراء التضييق على غرينبيس، بسبب الوضع الجيوسياسي الراهن الذي جعل السلطات الروسية تنظر بريبة إلى المنظمات الأجنبية المعنية بحماية البيئة، باعتبارها تنفذ عمليات لمراقبة المحطات النووية، وتجمع عنها بيانات يتعذر التأكد من مصادرها، في حين يصعب تصوّر سماح أي دولة غربية لمنظمة بيئية روسية بمراقبة محطاتها النووية أو خطوط النفط".
ويقلل إيفانوف من تأثير إغلاق "غرينبيس" على وضع حماية البيئة في روسيا، "فعلى مستوى عموم البلاد، لم تكن المساهمات البيئية لغرينبيس كبيرة لأنها فعلياً واحدة من آلاف المنظمات المعنية بحماية البيئة، لكن أهميتها ارتبطت بشهرتها ومكانتها العالمية".
وكانت النيابة العامة الروسية قد صنّفت في 19 مايو/ أيار الماضي منظمة "غرينبيس" بأنها "منظمة غير مرغوب فيها تهدد أعمالها أسس النظام الدستوري لروسيا الاتحادية وأمنها".
وتابع البيان أن "نشطاء غرينبيس دعوا منذ بدء الأعمال القتالية في أوكرانيا إلى مزيد من العزلة الاقتصادية لروسيا، وتشديد العقوبات عليها، وهدفت جهودها إلى زعزعة استقرار الوضع ومحاولة تغيير السلطة".
كما اتهمت النيابة العامة منظمة "غرينبيس" بتشجيع "التدخلات" في الشؤون الداخلية لروسيا، والسعي إلى "تقويض أسسها الاقتصادية"، وتمويل منظمات روسية تصنّفها السلطات بأنها "عميلة للخارج".
وتعود أولى المحاولات الروسية للتضييق على "غرينبيس" إلى الخريف الماضي، حين اتهم النائب عن حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، ألكسندر ياكوبوفسكي، ونواب آخرون المنظمة بـ"التلاعب بالرأي العام والتأثير سلباً في أمزجة المجتمع في قضايا تخص بحيرة بايكال" التي تعتبر أكبر وأعمق بحيرة للمياه العذبة في العالم.
وتعتبر "غرينبيس" أكبر منظمة دولية غير حكومية معنية بحماية البيئة، ويمتد تاريخها إلى أكثر من نصف قرن. وهي تعرّف هدفها على موقعها الرسمي بأنه "العيش في كوكب صحي وسليم تزدهر فيه الغابات، وتمتلئ محيطاته بالحياة، وتتجول فيه حيوانات كانت مهددة بالانقراض يوماً في أمان".
ويرتبط التقييم الإيجابي لـ"غرينبيس" بقدرتها على التأثير في المواطنين العاديين والمسؤولين معاً، من خلال مجموعات تضم متخصصين ومحامين يستخدمون لغة القوانين واللوائح.
وليست هذه المرة الأولى التي تضيّق فيها السلطات الروسية الخناق على منظمات أجنبية معنية بحماية البيئة، ففي مارس/ آذار الماضي أدرجت وزارة العدل "الصندوق العالمي للطبيعة" على قائمة الكيانات "العميلة للخارج"، بحجة محاولة الصندوق التأثير في قرارات السلطتين التنفيذية والتشريعية في روسيا، وعرقلة تنفيذ مشاريع في مجالات الصناعة والبنية التحتية".
وتحمل تسمية "العميل الأجنبي" دلالات تعود إلى الحقبة السوفييتية، واستخدمت على نطاق واسع ضد منتقدي الكرملين. لكن محللين يرون أن التصنيف أقل قسوة من علامة "منظمة غير مرغوب فيها"، ما يسمح لهيئاتها بمواصلة عملياتها في روسيا".