سجّلت محافظة شمال سيناء شرقي مصر ارتفاعاً في أعداد المتوفين غرقاً في شواطئها خلال موسم الصيف الحالي بالمقارنة مع المواسم الماضية، وذلك لأسباب عدة أهمها نقص عدد المنقذين البحريين، وعدم وجود نقاط إسعاف قريبة من الشاطئ، وغياب التوعية بين المتنزهين على البحر، وعدم تحديد أماكن للسباحة والاستجمام، وانعدام المرافق العامة التي من شأنها تشجيع المواطنين على الالتزام بالبقاء في النقاط المحددة للاستجمام.
وتقول مصادر طبية في مستشفى العريش العام لـ "العربي الجديد" إن هذا الصيف سجّل ارتفاعاً في أعداد المواطنين الذين توفوا نتيجة الغرق على سواحل سيناء، لا سيما في مدينتي الشيخ زويد والعريش. واستقبل المستشفى على مدار الأسابيع الماضية أكثر من 12 حالة غرق (ذكور) بالإضافة إلى فتاة واحدة. وتركزت حالات الغرق في سواحل مدينة العريش، بالإضافة إلى ساحل مدينة الشيخ زويد.
تضيف المصادر أن الحالات تصل إلى المستشفى بعد فوات الأوان في ظل عدم تعامل الفرق الطبية أو المنقذين مع الغرقى على وجه السرعة، وغياب نقاط إسعاف لنقل الحالات الطارئة في منطقة الساحل مخصصة لحالات الغرق في موسم الصيف. وبالتالي، فإنّ الغريق يكون قد توفي قبل أن تصل فرق الإسعاف.
ويتجه مئات المصريين من سكان محافظة شمال سيناء للاستجمام في شواطئ العريش، التي تعد متنفساً أساسياً لسكان المحافظة التي تعاني ظروفاً أمنية واقتصادية واجتماعية صعبة في ظل غياب أية أماكن للتنزه والاستجمام، إثر استمرار الحرب على الإرهاب (تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم الدولة الإسلامية داعش) من قبل قوات الجيش والشرطة، الأمر الذي أثر على كافة مناحي الحياة وزاد نسبة البطالة والأضرار المادية والنفسية والصحية على آلاف المواطنين من سكان مدن رفح والشيخ زويد والعريش.
وتطل محافظة شمال سيناء على البحر المتوسط بواجهة شمالية تمتد على مسافة 220 كيلومترا، في وقت تغلق السلطات المصرية بحر مدينة رفح منذ عام 2013، وبحر الشيخ زويد الذي أعيد فتحه قبل أسابيع، بالإضافة إلى بحر العريش الذي قضم الميناء الجديد مساحة واسعة فيه. وتتراجع أهمية شاطئ بئر العبد بسبب وجود بحيرة البردويل في نطاقه، الأمر الذي يدفع المواطنين إلى التوجه نحو بحر العريش خلال الصيف.
في هذا السياق، يقول بهاء الدين محمد أحد سكان مدينة العريش لـ "العربي الجديد" إن شواطئ سيناء مهملة من قبل السلطات التي لا تسعى إلى توفير المقومات الأساسية للمواطنين خلال رحلة الاستجمام على شاطئ العريش، كالمرافق العامة ودورات مياه، وتوفير مياه للشرب، أو حتى ممرات دخول سهلة، أو السماح بفتح كافتيريات للمواطنين، أو إنشاء مشاريع حكومية لخدمة المواطنين. كما أن عدد المنقذين البحريين قليل، بالإضافة إلى أبراج المراقبة. يضيف أن "المواطن يشعر وكأنه وحيد على هذه البقعة؛ فلا إنارة خلال ساعات الليل، ولا كراسي أو مظلات، وبدأ العمل على توسيع ميناء العريش ما أدى إلى قضم جزء كبير من شاطئ البحر وخصوصاً في منطقة الريسة التي تعد من أجمل شواطئ شمال سيناء على الإطلاق. بالتالي، فإن الجهات الحكومية لا تراعي احتياجات المواطنين الدنيا".
على الصعيد الرسمي، يقول مسؤول حكومي في مجلس مدينة العريش لـ"العربي الجديد" إن "ما جرى خلال هذا الموسم من حالات غرق يستدعي الاهتمام بحالة الشواطئ بشمال سيناء عموماً والعريش خصوصاً، وذلك من خلال توفير كل الإمكانات اللازمة لضمان استجمام آمن للمواطنين، وزيادة الخدمات". ويرى أن "الاستجابة لاحتياجات الناس في منطقة الشاطئ تستدعي تضافر الجهود من كافة الجهات المعنية في شمال سيناء، وتقديم الدعم اللازم لتوفير جو آمن وصحي للمواطنين على طول شواطئ شمال سيناء خلال الموسم المقبل".
ويشير المسؤول الحكومي إلى معوقات عدة تقف في وجه إعمار شاطئ البحر، أهمها أن الحكومة المصرية بدأت في مشروع توسعة وإعادة رصف الطريق الساحلي لمدينة العريش، بسبب الأضرار التي لحقت به نتيجة الحرب على الإرهاب طوال السنوات الماضية، بالإضافة إلى وجود مشروع قومي لتوسعة ميناء العريش على حساب المنطقة السكنية والسياحية، في ظل قرار جمهوري بتحويل ملكية الميناء لوزارة الدفاع، بما يجعلها منطقة عسكرية مغلقة ولا سلطة لمحافظة شمال سيناء عليه. ويتوجب على المحافظة تسليم وزارة الدفاع المنطقة كأرض فارغة من دون أي معلم سكني أو سياحي، ما دفع إدارة المحافظة إلى البدء في مشروع هدم الشاليهات التي تقع في الميناء الجديد، على أن تتوجه الأيام المقبلة نحو المنطقة السكنية لإزالتها".
ونجح مهندسون من أبناء شمال سيناء في إعداد مقترح جاهز للتنفيذ لتطوير كامل منطقة شاطئ العريش وكورنيش العريش البحري لتحويلها إلى منطقة سياحية، ويشمل بناء ممر زجاجي مائي، وصالة ألعاب عائمة، ومناطق مراسم فنية، ومطاعم ومقاه ومرس لليخوت ومسار للدراجات، وغيرها. ويقول المشرف على مجموعة العمل التي أعدت المقترح المهندس إسلام عابد، إن هدف المقترح انتشال شاطئ مدينة العريش من العشوائية وعدم استغلاله بشكل جيد. ويتحدث عن سعيهم إلى مساندة جهود الدولة في تنفيذ مشاريع جديدة مستمدة من الشباب في إطار مخطط متقدم لتنمية محافظة شمال سيناء على وجه التحديد، مشيراً إلى أن ضرورة استثمار هذا الحيز الجغرافي بما يفيد الوطن والمواطنين. من هنا، انطلقت دراستهم وأبحاثهم وصولاً إلى إعداد مخطط متكامل.
ويشير إلى أن المخطط المصحوب برسومات أعد في إطار ملف متكامل مع مراعاة كل التفاصيل الهندسية والعلمية والواقع الميداني لشاطئ العريش، معرباً عن أمله في أن تأخذ الجهات المعنية به. ويؤكد جهوزيتهم لتنفيذ هذا المشروع فى حال إقراره، مضيفاً أن مردود المشروع فى حال تنفيذه سيغير وجه مدينة العريش تماماً ويحد من العشوائية وعدم الاستفادة من الشاطئ فى الوقت الحالي.