يطلق السوريون على مدينة غازي عنتاب التركية اسم حلب الثانية، إذ تذكرهم برائحة الوطن، كما وحدت الزلازل قدر المدينتين اللتين تأثرتا بالكارثة.
تعد غازي عنتاب درة الجنوب التركي، ومركزه الصناعي والتجاري، وحتى الزراعي، ومكانتها الاقتصادية في تركيا، تجعلها أكثر شبهاً بمدينة حلب في سورية، وهما متقاربتان جغرافياً، ومتشابهتان، ما جعل الكثير من السوريين يقطنون بها، ويؤسس رجال الأعمال والتجار منهم أعمالهم فيها، لكنها حالياً تحت تأثير زلزالين كبيرين، بلغت قوة الأول 7,7 درجات، والثاني 7,6 درجات، كما أن بعض الهزات الارتدادية ترقى إلى مستوى الزلازل أيضاً، إذ بلغت قوة بعضها أكثر من 6 درجات.
يبلغ عدد سكان ولاية غازي عنتاب أكثر من 2 مليون نسمة، حسب الأرقام الرسمية التركية، ويبلغ عدد السوريين المقيمين فيها أكثر من 460 ألفاً، وهؤلاء من يملكون الحماية المؤقتة "كيمليك"، ما يعني أن نسبة السوريين تشكل بحسب أرقام إدارة الهجرة التركية نحو 20 في المائة من إجمالي السكان، بخلاف من لديهم إقامة قانونية مختلفة، وهذا يعني أن العدد أكبر من الرقم المعلن.
ووفق أرقام إدارة الهجرة، فإن غازي عنتاب تعتبر ثاني أكبر ولاية تركية يتواجد فيها السوريون بعد ولاية إسطنبول، ويرجع ذلك إلى كثير من المقومات، أهمها قربها من سورية، إذ يتخذ منها عدد كبير من المنظمات المحلية والدولية مقراً لتنفيذ أنشطتها التي تستهدف الشمال السوري.
وتضررت غازي عنتاب بشدة مثل بقية ولايات جنوب تركيا من الزلازل، وشهدت انهيار عدد كبير من المباني، وتشرد أعداد كبيرة من السكان، ويعبر عن حجم المأساة ما صرحت به رئيسة بلدية المدينة، فاطمة شاهين، لوسائل الإعلام، قائلة إن "إحدى مناطق الولاية التي تضم 60 ألف نسمة نصف مبانيها مهدمة".
يقيم الصحافي السوري سامر العاني، في غازي عنتاب، وقدر له النجاة مع عائلته من الزلازل، ويروي لـ"العربي الجديد": "كانت لحظات مرعبة. الأطفال كانوا نائمين واستيقظوا على اهتزاز البناء، وخلال لحظات كنا جميعاً في الشارع، وسكان الأبنية المجاورة أيضاً كانوا في الشوارع. كان المنظر مرعباً، النساء والأطفال خرجوا بملابس النوم، والغالبية حفاة على الرغم من البرد والثلوج".
يكمل العاني: "كانت الليلة الأولى قاسية جداً، ومع ضوء النهار الأول، اكتشفنا أن جميع سكان غازي عنتاب في الشوارع، ومئات الأبنية منهارة أو متصدعة، وبات ممنوعاً دخول الأبنية، فالخطر كبير بسبب تصدع الأبنية، لأن استمرار الهزات الارتدادية يشكل خطراً على هذه المباني. كانت الاهتزازات في الأيام الأولى أخف، لكن الجميع كان يشعر بها. في اليوم الأول كان الناس بحاجة إلى المساعدات، خصوصاً بعد انقطاع الكهرباء والغاز، وعدم توفر الخبز والمياه، وكنا نتدبر الأمر بين بعضنا البعض، وهناك شباب تطوعوا لإحضار الطعام والاحتياجات، لكن الصدمة استمرت عند الأطفال، وكان الرعب حاضراً في عيونهم، وحالياً كل سكان المدينة في الشوارع أو المساجد، أو في أماكن الإيواء".
يضيف: "زالت صدمة الزلزال الأولى، وبدأت الأمور تنتظم، من توزيع الطعام والماء، إلى الملابس واحتياجات الأطفال، لكن الوضع مزر، إذ مازال الخطر قائماً، وما زالت الناس تشعر بالرعب، لا أحد يعود إلى منزله، فالأبنية معظمها متصدعة، ومديرية البيئة بدأت بالاطلاع على الأبنية، ووضعت شارة صفراء على الأبنية المعرضة للانهيار، وأعتقد أن الناس لن يعودوا إلى منازلهم خلال الأيام القليلة المقبلة، وعندها ستزيد الاحتياجات والمعاناة".
ويتابع العاني: "أعتقد أن المسالة ستطول، لأن غازي عنتاب كانت فيها أزمة سكن قبل الزلزال، واليوم سكانها في دور الإيواء والمساجد، ويوجد اكتظاظ، مع وجود النساء والرجال والأطفال في ذات المكان، والاحتياجات الخاصة، وندرة دورات المياه، وهذا كله يزيد الضغط على الناس، والموضوع أكبر من إمكانيات أي دولة، وهناك حاجة إلى تكاتف الدول لتجاوز هذا الوضع".
ويروي الشاب السوري عمر حسن لـ"العربي الجديد"، مشاهد من أوضاع مدينة غازي عنتاب، قائلاً: "منطقة نورداغ تلقت الضربة الأقوى، وهناك أحياء كاملة تضررت داخل المدينة، والزلازل أدت إلى انقطاع المياه والغاز الطبيعي، وهناك أحياء أفضل نوعاً ما من ناحية سلامة المباني. تم توصيل المياه إلى الأحياء ذات الوضع الأفضل، لكن معظم الأحياء لا تزال المياه مقطوعة فيها، كما أخذت عينات من المياه لعمل دراسات على جودتها، وكونها ملائمة صحياً قبل وصل الشبكة مجدداً، فيما إعادة الغاز الطبيعي تحتاج إلى وقت لاستكمال الاختبارات المرتبطة بسلامة شبكة الأنابيب منعاً لحصول تسرب، وبالتالي حرائق".
وأوضح حسن "هناك لجان فنية تجوب المناطق حالياً بغرض تحديد المباني السليمة، وفرزها عن تلك التي لا تصلح للسكن، وهناك أنباء عن عودة بعض الأهالي إلى المنازل السليمة، فيما لا تزال هناك حالة نزوح كبيرة إلى مراكز الإيواء، والسوريون كما الأتراك ضحية الكارثة، ويأملون انتهاء المحنة في أقرب وقت ممكن".