عيشة نمر... فلسطينية ترأس مجلساً قروياً

21 نوفمبر 2020
مشوارها طويل في ظل حاجة قريتها قيرة للكثير من الخدمات (العربي الجديد)
+ الخط -

على الرغم من أن عيشة نمر "أم إياد" (58 عاماً) غابت عن قريتها قيرة الواقعة في شمال شرق محافظة سلفيت شمال الضفة الغربية المحتلة، لأكثر من ثلاثة عقود، إلا أن ارتباطها بها وبأهلها لم يتأثر يوماً، وهو ما بدا واضحاً عندما عادت لتستقر في قريتها الصغيرة، وخصصت كل وقتها لخدمة أهلها، هي التي راكمت خبرة في غربتها.
ترحيب أهالي قيرة، الذين لا يزيد عددهم عن ألف وخمسمائة نسمة، بعودة نمر كان مميزاً، وجرى التوافق على أن ترأس المجلس القروي في الانتخابات التي شهدتها القرية عام 2012، وترشحت فيها تسع قوائم بعد تأجيلها. تقول لـ "العربي الجديد": "التجربة لم تكن سهلة على الإطلاق، خصوصاً أن المجتمع لا يتقبل أن تقود امرأة مجلساً بلدياً أو قروياً، فكيف إن كانت مغتربة لسنوات طويلة؟ سيُنظر إليها على أنها غير متمكنة أو أنها لا تعرف قوانين البلديات الفلسطينية على سبيل المثال". لكنها تشير إلى أن "أهالي قريتي الذين يتميزون بالوعي والثقافة والإيمان بقدرات المرأة وثقتهم بي وبقدراتي كانوا الداعم الأساسي لوصولي إلى رئاسة المجلس".

رغم كل الدعم الذي حظيت به نمر، إلا أنها تقول: "ما زلنا مجتمعاً ذكورياً، وهناك من ينظر للمرأة على أنها غير قادرة على شغل مناصب ومراكز قيادية. لكن مع الوقت، ثبت للجميع أنها عادت بكل قوة، وأنها قادرة على العطاء والعمل، وبرهنت للمجتمع المحلي أن المرأة الفلسطينية يمكن أن تكون صاحبة قرار وقادرة على الإنجاز".
في البداية، شغلت منصب الرئاسة بالتعيين بعد حلّ المجلس القروي، وترأسته لمدة ثمانية أشهر، ثم أُجريت الانتخابات عام 2018. وبطلب وإلحاح من أهالي القرية، رشحت نمر نفسها لتحصل قائمة "الوحدة والبناء" التي ترأستها على أعلى نسبة تصويت، وتجلس مجدداً على كرسي الرئاسة.
تدرك نمر أن مشوارها طويل في ظل حاجة قريتها قيرة الضرورية للكثير من الخدمات، على صعيد البنى التحتية تحديداً بشكل خاص. هي من القرى المهمّشة نسبياً. لذلك، فقد وضع المجلس خططاً لتنفيذ العديد من المشاريع في مجالات مختلفة لتطوير القطاعات الصحية والتعليمية، وكذلك قطاع السياحة، وإبراز المناطق الأثرية التي تمتاز بها قيرة. ونجحت في تنفيذ الكثير من المشاريع، وما زال هناك أخرى قيد التنفيذ حالياً.

عيشة نمر... فلسطينية ترأس مجلساً قروياً (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

تجوب نمر شوارع قرية قيرة ومؤسساتها وحتى منازلها، لتكون قريبة من المواطنين وتستمع إلى مشاكلهم وهموهم. كما تحرص بشكل مستمر على زيارة المدارس وتقديم العديد من الورشات التوعوية، لتبقى قريبة من مختلف فئات المجتمع قدر المستطاع. وتقول نمر: "درسنا احتياجات القرية، وبدأنا بتوسعة العيادة الطبية بالتعاون مع وزارة الصحة، وزودناها بمختبر ومعدات طبية مميزة، وكان ذلك قبل أن أكون رئيسة المجلس مع نخبة من أبناء القرية المميزين والمخلصين".
كما برز دور نمر خلال جائحة كورونا بشكل لافت في قريتها. وتقول: "إذا كانت المدن الكبرى التي تملك مؤسسات صحية وخدماتية ضخمة قد عانت من هذا الفيروس، فكيف الحال بالقرى الصغيرة التي قد لا يوجد فيها إلا عيادة صحية ومختبر يديره طبيب أو ممرض واحد فقط؟". 
لكن ذلك لم يكن إلا دافعاً لها ولفريقها من أعضاء المجلس القروي في قيرة لمزيد من العطاء والإصرار على تجاوز التحديات. وجرى تشكيل لجنة طوارئ في القرية انبثقت عنها لجان عدة؛ منها اللجنة الصحية، ولجنة التمريض المنزلي، ولجنة لتقديم المساعدة وتلبية طلبات المواطنين وهم في بيوتهم.

وكانت لجنة الطوارئ واللجان المنبثقة عنها خط الدفاع الأول لمواجهة فيروس كورونا، إذ عملت على متابعة كافة الاحتياجات الصحية والنفسية للمحجورين وكبار السن الذين يعانون أمراضاً مزمنة، إلى جانب لجنة التوعية والإرشاد التي تعمل على تقديم الإرشادات الوقائية والتوعوية للحفاظ على الصحة العامة وتجنب انتقال العدوى، والعمل على تعقيم المرافق العامة في قرية قيرة وتعقيم السيارات الداخلة إليها.

وأبرز إنجاز حققته نمر خلال جائحة كورونا لقرية قيرة تمثل في إنشاء "المزرعة المجتمعية". تشعر بالفخر بسبب نجاح هذا المشروع كونها المبادرة الأولى في فلسطين، بعد استصلاح قطعة أرض وزراعتها بمختلف أنواع الخضار، ما ساهم في تأمين اكتفاء ذاتي للمعوزين من أهالي القرية. تتحدث عن تلك التجربة قائلة لـ "العربي الجديد": "جميع أبناء قيرة لعبوا دوراً كبيراً في نجاح الفكرة التي خرجت من شبان متطوعين، وتبناها المجلس القروي في قيرة وبتبرع من أحد أبناء القرية من المغتربين الذي قدم أرضه لإنشاء المزرعة، واشترك الأهالي في زراعة الأرض ومدّها بأنابيب الري والزراعة وصولاً إلى مرحلة القطاف وجني المحصول، وهذا كله بدعم وتوجيه من المجلس القروي".

المساهمون