عيد الجزائر... عادات تبهج الأطفال وتكرّم النساء

02 مايو 2022
ويبقى العيد مناسبة فرح للصغار (فايز نور الدين/ فرانس برس)
+ الخط -

 

كثر هم الجزائريون الذين ما زالوا يتمسّكون بطقوس خاصة متوارثة أباً عن جدّ للاحتفال بعيد الفطر. ومن العادات التي تبقى مترسخة نقش أيدي الأطفال الصغار بالحنّاء احتفاءً بالمناسبة السعيدة، لا سيّما في ليلة العيد مع تحرّي هلال شهر شوّال.

في الأحياء القديمة من مدينة ميلة شرقي الجزائر، تُعدّ العائلات الجزائرية الحنّاء من أهمّ طقوس العيد. وتشير وريدة كودري من حيّ باب البلد الواقع عند المدخل الجنوبي للمدينة العتيقة لـ"العربي الجديد" إلى أنّ ذلك "دليل على الفرح"، موضحة أنّ "الحنّاء في العيد من عادات عائلات المنطقة في الأعياد الدينية والأعراس وحفلات الختان، وهي خصوصاً تقليد مهمّ في عيد الفطر يبهج الأطفال". وتُعَدّ هذه العادة مجال تنافس بين الأطفال، لجهة لون الحنّاء والنقوش، خصوصاً بالنسبة إلى الفتيات الصغيرات اللواتي تُطلى أيديهنّ وباطن أقدامهنّ، في حين يكتفي الصبيان بأصبع السبابة. والحنّاء التي تمتاز برائحة عطرية متميّزة تُعَدّ كذلك "فألاً طيّباً".

وتوضح أستاذة علم الاجتماع في جامعة باتنة شرقي الجزائر، نجاة بولعسل، لـ"العربي الجديد" أنّ "مختلف المناطق الجزائرية تتشارك هذه العادة المجتمعية الشعبية التي تعبّر عن الفرح في العيد"، لافتة إلى أنّ "الحنّاء ليلة العيد ثقافة شعبية متوارثة من جيل إلى جيل". تضيف بولعسل أنّ "كثيرة هي الممارسات التي تُعَدّ تقليداً في الأعياد والمناسبات المختلفة، وهي فعل اجتماعي مرتبط بالجماعة وله علاقة بظروف مجتمع بحدّ ذاته، سواء أكان ذلك في شهر رمضان أو عيد الفطر أو عيد الأضحى أو غيرها من الأعياد الدينية".

وإلى جانب الحنّاء، ثمّة عادات أخرى ما زال الجزائريون يحتفظون بها، من قبيل توزيع الحلويات ليلة العيد على العائلات المعوزة وغير القادرة على صناعة حلوياتها أو شرائها. كذلك ثمّة من يتمسّك صباح العيد بتوزيع الحلويات على الجيران، في ما يُعَدّ موروثا اجتماعيا يترجم التضامن والتراحم بين مكوّنات مجتمع الحيّ الواحد أو البيئة الواحدة.

احتفال بالصائمين للمرّة الأولى

وفي عيد الفطر، الأطفال الذين صاموا للمرّة الأولى في شهر رمضان وكذلك الذين حفظوا القرآن، يحظون بالتفاتة متميّزة عن بقيّة أفراد العائلة، ويُكرَّمون بأبهى الملابس والهدايا، إلى جانب مّا يسمى باللهجة الجزائرية "صوارد العيد" أي المبلغ المالي الذي يأتي كـ"عيدية". ويقود التهنئة الخاصة بما أنجزه الصغار الجدّ أو الجدّة، أو كبير العائلة في حال غيابهما.

وتخبر فضيلة سعدون من الشطية في ولاية الشلف غربي البلاد "العربي الجديد" أنّها جهّزت قبل حلول عيد الفطر "مبلغاً من المال أخصّصه لأحفادي الذين صاموا وحفظوا القرآن، كمكافأة لهم على صنيعهم الطيّب وتشجيعاً لهم على خطوة التعوّد على تأدية هذه الشعيرة، وهو إنجاز عظيم". تضيف سعدون أنّ "هؤلاء الأطفال يحظون بعناية كبرى يوم العيد، إذ يقصدون المساجد في صبيحته وهم يرتدون زيّاً تقليدياً يميّزهم عن بقية الأطفال. ومعاملتهم تكون مختلفة، إذ ما حقّقوه يعني أنّهم كبروا وصار في الإمكان الاعتماد عليهم"، موضحة أنّ "العائلات تحافظ على عاداتها بتكريم هؤلاء والافتخار بهم حتى يكونوا نموذجاً وقدوة لأقرانهم".

وتختلف طقوس الاحتفال بالأطفال المتميزين من منطقة إلى أخرى، فتعمد عائلات في مناطق مختلفة إلى تحضير "البغرير" صبيحة العيد، تعبيراً عن فرحتها بحفظ أبنائها القرآن وصيامهم. ويُقدَّم "البغرير"، وهو من المعجّنات المحلاة التي يُضاف إليها العسل والزبدة ويحظى بشعبية كبيرة في كل مناطق الجزائر. ويوزّع "البغرير" أو "الغرايف" صبيحة العيد على الجيران، احتفاءً بحافظي القرآن، ويُقدّم عادة مع القهوة أو الشاي في زيارات الأقارب والأحبة والجيران.

الصورة
طفل جزائري في صلاة عيد الفطر في الجزائر (مصعب رويبي/ الأناضول)
الصائمون من الأطفال يحظون بعناية كبرى يوم العيد (مصعب رويبي/ الأناضول)

حقّ الملح

في المقابل، بدأت عادات عديدة بالاندثار، من بينها "حقّ الملح" أو "التكبيرة" التي ما زالت عائلات عدّة تتمسّك بها. وتخبر نريمان صيودة "العربي الجديد" أنّ "زوجي ورث هذه العادة عن والده الذي كان يحرص على تقديم حقّ الملح لحماتي بعد عودته من صلاة العيد. فبعد أن يشرب قهوته، يضع خاتماً من الذهب في الفنجان تعبيراً منه عن العرفان بالجميل وتقديره تعبها طيلة شهر رمضان".

وتعود هذه التسمية بحسب ما يفيد الأستاذ الجامعي في كلية العلوم الاجتماعية بولاية سطيف شرقي الجزائر، مصطفى فرحي، إلى الأندلسيين الذين هاجروا إلى شمال أفريقيا وتناقلتها الأجيال بعد ذلك. ويوضح فرحي لـ"العربي الجديد" أنّ "الوفاء في العلاقات والعرفان يرتبطان بالملح الذي يتشاركه الناس والأحبة. ولأنّ الأمر يتعزّز بين الأزواج والأهل في شهر رمضان، تُكرَّم ربّات البيوت صبيحة العيد بهدايا عديدة". يضيف فرحي أنّه يُطلَق على "حقّ الملح" في الشرق الجزائري كذلك "التكبيرة"، أي أنّ "الرجال يعمدون إلى تكبير شأن النساء صبيحة العيد، فيقدّمون لهنّ هدايا تكريماً لهنّ وعرفاناً منهم بجهودهنّ طيلة الشهر الفضيل". ويشير فرحي إلى أنّ عادة "حقّ الملح" صبيحة يوم العيد "يعيد الاعتبار إلى حقّ العِشرة ويعزّز روابط العلاقات بعد رمضان".

لكنّ الظروف المعيشية الراهنة في الجزائر تبعد جزائريين كثر عن هذه العادات، وبالتالي يصير "حقّ الملح" مجرّد هدية بسيطة تُدخل الفرحة إلى قلب العائلة. ويقول عمار فردي من جيجل شرقي الجزائر لـ"العربي الجديد" إنّ "عائلات كثيرة تلتزم بهذه العادة، إنّما كلّ واحدة بحسب ظروفها الاجتماعية والمادية. فهي عادة مكلفة كما هي في الأساس، ومن شأنها حالياً أن تزيد من أعباء أرباب البيوت، علماً أنّ العائلات تفكّر اليوم في إسعاد أولادها بملابس العيد قبل كلّ شيء".

المساهمون