عيادة الجد يودّع عيادة الحفيد في غزة

15 ديسمبر 2023
عيادة في يوم زفافه (العربي الجديد)
+ الخط -

قبل بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان الوالد أحمد الريفي قد احتفل بزواج ابنه عيادة، الذي سمّاه باسم والده عيادة. فكان الحفيد الأول والأقرب إلى قلب الجد. حين وصله خبر استشهاد حفيده، أصيب الجد بنوبة قلبية. وحين تم استهداف المنزل الذي نزحوا إليه في وسط قطاع غزة، سأل الجد عيادة عن حفيده قبل أن يسأل عن ابنه أحمد. فما أعز من الولد غير ولد الولد، بحسب القول الشائع. كان الخبر قاسياً عليه. يشار إلى أن عائلة الريفي هي إحدى العائلات الغزية العريقة التي تدير شركة استيراد مواد غذائية وسلع أساسية في قطاع غزة من الشمال إلى الجنوب، وتحمل علامة الشراع. 
كان الابن أحمد (38 عاماً)، يتولى منصب مدير المبيعات لشركة الريفي، وقد استشهد مع زوجته جيهان وابنهما عيادة (19 عاماً)، وزوجته العروس حنين، وشقيقته لمى، وابني عمه فايق وجود محمد الريفي.

قبل أيام من بدء العدوان الإسرائيلي، كان عيادة محمولاً على الأكتاف كعريس في حفل زفافه. هلل له أحباؤه وتمنوا له الفرحة التامة والدائمة، ثم كان الثامن عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني موعد اللقاء الأخير والاستشهاد. حُمِل هذه المرة شهيداً برفقة والده وغيرهما من أفراد العائلة، التي فقدت برجها السكني في اليوم الثالث للحرب، الواقع في حي التفاح، شرقي مدينة غزة، وتحديداً في الشارع التاريخي الذي يحمل اسم مدينة البرتقال الفلسطينية مدينة يافا. كان موعدهم مع الشهادة في مخيم النصيرات حيث نزحوا بعدما ادعى الاحتلال أن جنوب وادي غزة سيكون آمناً. لكن الادعاء كان كاذباً وتواصل استهداف النازحين في الجنوب ليرتقي منهم المئات. واستشهد في اليوم الثامن عشر للحرب مئات المواطنين جنوبي الوادي.
في عزائها لوالدها، تقول رزان، التي تدرس تخصص إدارة الأعمال: "استشهد والدي ووالدتي وشقيقتي لمى وشقيقي العريس عيادة وزوجته وابني عمي فايق وجود"، مضيفة: "تزوج أخي عيادة قبل أسبوع واحد من الحرب لكن فرحتنا لم تكتمل"، مشيرة إلى أن يد الغدر الإسرائيلية امتدت إلى عائلتها لتقطف زهرات أعمارهم وتترك العائلة بعدها في حزن عميق. 
رزان، التي أصيبت برفقة باقي أشقائها، تسأل: "لماذا تخلى عنا الجميع؟ أليس لدينا امتداد عربي عريض؟ لقد تعلمنا في كل الصفوف المدرسية أن الوطن العربي واحد، جرحه وهمه واحد، كيف تخلوا عنا أمام هذا العدو المتغطرس بآلته الحربية؟".

الصورة
عيادة مع والده أحمد (العربي الجديد)
عيادة مع والده أحمد (العربي الجديد)

تقول ابنة عم الشهيد أحمد الريفي، رماح، والتي استشهد والدها عام 1993، إن الجد عيادة الريفي وكافة أبنائه يتميزون بالكرم، ويحظون بمحبة وتقدير واسعين من الأصدقاء والمعارف والجيران، وكانوا يتولون مساعدة بعض العائلات التي ليس لديها مصدر رزق. وقبل استشهادهما، كتب أحمد الريفي لابنه عيادة: "ابني الغالي هدية الله لي، فقد رزقني أروع ما في الحياة.. ابناً هو قرة العين وفلذة الكبد ومهجة القلب، فماذا أتمنى بعد ذلك وأنا لدي الدنيا وما فيها، ابني أحبك دائماً". 
أقام الجد وليمة كبيرة احتفالاً بزواج حفيده، واستمرت على مدى سبع ليال في مدينة غزة، تعبيراً عن حبه الكبير للحفيد عيادة. فرحة تحولت إلى مجرد ذكرى، إذ لم يسمح لها الاحتلال أن تكتمل. الولائم والحفلات الشبابية التي تتم دعوة الأصدقاء والمعارف إليها ويقيمها سكان قطاع غزة احتفالاً هي عادة متوارثة تعبيراً عن الفرح والامتنان، وتطبيقاً للسنة النبوية التي توصي بإقامة الولائم خلال أوقات الفرح. كما تقام الولائم في خيام العزاء لثلاثة أيام لإكرام المعزّين الذين يتوافدون لأداء واجب العزاء. لكن خلال العدوان على غزة، لم تقم أي خيمة غزاء نظراً لظروف الحرب وعدم توقف إطلاق النار، عدا عن ارتقاء عائلات بأكملها. وبانتظار أن تضع الحرب أوزارها، سيكون هناك الوقت للبكاء وإقامة بيوت العزاء.

أما شقيقة أحمد الريفي التي تقيم في بلجيكا، فكانت تحاول التواصل مع عائلتها للاطمئنان عليها خلال العدوان. وكان لخبر استشهاد شقيقها وزوجته وباقي الأبناء وقع الصدمة عليها. صدمة تعيشها والكثير من الأقارب المقيمين خارج قطاع غزة، الذين لم يتمكنوا من التواصل مع عائلاتهم نتيجة قصف الاحتلال البنية التحتية للاتصالات والكهرباء والإنترنت في قطاع غزة وعزله بشكل شبه كامل عن العالم الخارجي.

المساهمون