استمع إلى الملخص
- تقارير يونسكو ووزارة التربية التونسية تشير إلى زيادة العنف المدرسي منذ 2006، مع التأكيد على أهمية التنشئة السليمة وتنمية شخصيات التلاميذ لمواجهة الظاهرة.
- البحث عن حلول يشمل تشخيص الأسباب الجذرية وتحسين العملية التعليمية والمناخ المدرسي، بما في ذلك إطلاق منصة رقمية للإشعار الفوري عن حوادث العنف.
يلاحظ ازدياد نسبة العنف في مدارس تونس إلى درجة استخدام وسائل حادة. ويحذر خبراء في مجال التعليم من خطورة الوضع، داعين إلى ضرورة العمل على إيجاد حلول.
خلال الأسابيع الأخيرة، شهدت مدارس تونسية أحداثاً عنفيّة من قبل التلاميذ، الأمر الذي أثار جدلاً كبيراً في المجتمع وسط خوف من تنامي هذه الظاهرة وتطور أشكالها، بعد تسجيل حالات استخدم فيها التلاميذ وسائل حادة.
وبدأت سلسلة الاعتداءات العنيفة في المؤسسات التعليمية منذ سنوات، وباتت أكثر حدة خلال الأشهر الماضية بعدما اعتدت تلميذة في معهد حكومي في مدينة بئر علي بن خليفة جنوب تونس، في الرابع من مايو/ أيار الحالي، على أستاذها بشفرة حلاقة، ما أدى إلى إصابته بجروح بليغة.
وأعلنت دائرة قضائية في محكمة بن عروس يوم 23 إبريل/ نيسان الماضي (إحدى مدن العاصمة الكبرى) عن وفاة تلميذ
يبلغ من العمر 13 عاماً، إثر ركله من قبل آخر يبلغ من العمر 17 عاماً على معدته بقوة. وقبل أيام من وقوع الحادثتين، حاول تلميذ لا يتجاوز عمره الـ 15 عاماً الاعتداء على أستاذه داخل الفصل بآلة حادة. وسجلت الحادثة في مدرسة إعدادية بمحافظة القيروان في الوسط الغربي.
وفجرت الحوادث المتتالية جدلاً كبيراً في المجتمع التونسي بعد رصد انحرافات سلوكية خطيرة في الأوساط المدرسية وسط مطالب بتفعيل خطط سريعة لاحتواء هذه الظاهرة وإيجاد حلول لاستيعاب اليافعين وحمايتهم من المخاطر. ويقدر الخبراء في علوم التربية عدد حالات العنف في المدارس بثلاثة آلاف حالة سنوياً. وخلال السنوات الأخيرة في تونس، شهدت البلاد حوادث عنف مماثلة هزّت الرأي العام ومسّت حرمة المؤسسات التعليمية ودورها في التنشئة. من بينها اعتداء تلميذ على أستاذه بساطور، ومحاولة آخر الاعتداء على أستاذة بسيف، ورمي ثالث ملابس داخلية على أستاذه داخل القسم.
ويقرّ مدير المرحلة الإعدادية والثانوية بوزارة التربية، أحمد السليمي، بوجود مؤشرات على تنامي العنف المدرسي منذ عام 2006. وحذّر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" من تنامي الظاهرة، ونبه إلى خطورة أن تصبح على مستوى الممارسة داخل المدارس. ويقول للإذاعة الحكومية إن "ظاهرة العنف متفشية أكثر في المدن الكبرى على غرار محافظات تونس الكبرى وصفاقس وسوسة والمنستير"، مضيفاً أن "العنف غالباً ما يصدر عن طلاب يعانون من ضعف النتائج المدرسية"، مؤكداً أن "ثلثي التلاميذ الذين أحيلوا إلى مجالس التربية نتائجهم المدرسية هزيلة".
ويعزو السليمي تفشي هذه الظاهرة إلى "فقدان الضوابط الاجتماعية"، مشيراً إلى "تراجع الدور في تأطير ومرافقة الأبناء لأسباب عدة أبرزها التفكك العائلي الناجم عن الطلاق أو الانفصال". ويؤكد "ضرورة أن تكون التربية من أولويات وزارته، تليها وظائف التعليم والتكوين"، مشدداً على "ضرورة توجيه الجهد نحو التنشئة السليمة للتلاميذ وتنمية شخصياتهم لتفادي الانحرافات السلوكية التي ينتج عنها العنف بمختلف أشكاله" .
وغالباً ما تحضر المؤسسات التعليمية ضمن الفضاءات التي يرتكب فيها العنف في التقارير التي يصدرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ويرى رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ رضا الزهروني أن تواتر حالات العنف في الوسط المدرسي أدى إلى نوع من التطبيع مع هذه الظاهرة. ويقول لـ "العربي الجديد" إن العنف انتقل من محيط المؤسسات التربوية إلى داخل قاعات التدريس، معتبراً أن العنف من الأمراض الخبيثة التي تنخر المدرسة التونسية. ويرجح أن تظهر انعكاسات الأمر في المجتمع على المديين القريب والمتوسط.
ويدعو إلى ضرورة معالجة الظاهرة ميدانياً وتشخيص الأسباب الحقيقية وأخذ كل الاحتياطات الممكنة لضمان عدم تكرر الحالات.
من جهته، يربط الباحث في علم الاجتماع ماهر حنين، العنف المدرسي بجودة التعليم، موضحاً أنه "كلما تراجعت جودة العملية التعليمية زاد منسوب العنف داخل الوسط المدرسي وفي محيطه". ويقول لـ "العربي الجديد": "هناك ارتباط بين ارتفاع منسوب العنف المدرسي وتطوّر أشكاله من خلال انتشار العنف والجريمة في هذا الفضاء العام، وتفشي ظاهرة ترويج واستهلاك المخدرات في محيط المؤسسات التعليمية". ويشير إلى أن هذا الارتفاع يدخل "في سياق الأحداث والوقائع التي عاشتها تونس خلال العشرية الأخيرة، وما رافقتها من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، فضلاً عن غياب الأطر اللازمة لاحتضان التلاميذ وحمايتهم، ومن بينها دور الرياضة والثقافة والمراكز المتخصصة في التأطير والمرافقة النفسية للناشئة".
ويرى حنين أن "جودة التعليم هي من جودة العلاقة التي تربط المدرس والمتعلم"، مؤكداً أن "التلميذ الذي يكون متوافقاً مع بيئته المدرسية ويجد العناصر الملائمة لنموّ شعوره بالأمان والتقدير ولا يلجأ إلى السلوكيات العنيفة".
ويشير إلى أن "المؤسسة التربوية لا يمكنها أن تواجه العنف إلا من خلال العمل على تحسين نفسها وتطوير المناخ المدرسي"، مشدداً على أن "جودة العملية التربوية والفضاء التعليمي تؤثر في معالجة الظواهر السلبية كالعنف أو الفشل أو الترسب التعليمي".
وبحسب بيانات لمرصد العنف المدرسي، غالباً ما يحضر العنف في الأوساط الحضرية في مقابل انخفاض النسب في الأوساط الريفية. وتم تسجيل 77 في المائة من حالات العنف في المجال الحضري في مقابل 23 في المائة في المجال القروي، ما يوحي بأن العنف المدرسي حالة حضرية بامتياز. ومع تصاعد موجات العنف المدرسي، أعلنت وزارة التربية عن إطلاق تطبيق "مرصد عين" وهو عبارة عن منصة رقمية للإشعار الحيني والفوري عن حوادث العنف بالوسط المدرسي.