عانى الآسيويون عموماً والصينيون تحديداً من مظاهر عنصرية لا سابق لها في معظم دول العالم العام الماضي، بسبب تحميل الصين تحديداً مسؤولية تفشي جائحة فيروس كورونا. وانتشرت على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صور كثيرة تظهر اعتداءات على أفراد آسيويين في دول غربية يعتقد مواطنوها بأن المأكولات الغريبة التي يتناولها بعض الصينيين مثل الخفافيش والحيوانات البرية شكلت السبب الرئيسي في انتقال الفيروس من الحيوان إلى البشر، رغم أن هذا الأمر يظل موضع بحث وجدل غير محسوم، مع استمرار البحث في أصول الفيروس.
وكان لافتاً أن الحملة ضد الصينيين والآسيويين لاقت استنكاراً شديداً من الأجانب المقيمين الذين عايشوا المراحل الأولى لظهور الفيروس. لكن الصينيين أنفسهم تعاملوا بعنصرية مع هؤلاء الوافدين بعدما تغيّرت المعادلة بعد أشهر قليلة من تعافي بلدهم من الوباء ونجاحه في السيطرة عليه، في مقابل انتشاره في العالم. وعزز ذلك نسب الإعلام الصيني الإصابات الجديدة بالوباء إلى أجانب، رغم أنهم منعوا من دخول البلاد طوال نحو 18 شهراً. وتكررت المواقف العنصرية في مدن ومناطق صينية عدة، وبينها منع الأجانب من دخول مجمعات ومتاجر، وتجنب الاقتراب منهم داخل القطارات ومترو الأنفاق، وعدم استخدام المصعد لدى وجود أجنبي داخله. كما جرى تحذير الأطفال الصينيين من اللعب أو الاقتراب من أقرانهم الأجانب في الحدائق والمتنزهات.
يقول التاجر الفلسطيني محمد فارس المقيم في مدينة كوانجو (جنوب) لـ"العربي الجديد": "أعمل منذ 21 عاماً في البلاد، وعشت مع الصينيين خلال ظهور فيروس سارس عام 2003، حين تطوعت في لجان شعبية لتقديم خدمات للمسنين. وكررت ذلك لدى ظهور فيروس كورونا نهاية 2019، عبر الالتحاق بلجنة الحي في المنطقة التي أقيم فيها من أجل تقديم خدمات للسكان أثناء فترة الحجر الصحي، مثل تأمين أدوية ومستلزمات يومية. لكن بعدما نجحت الصين في صدّ الجائحة وانتشر الوباء في الخارج لمست تحولاً في سلوك الناس مع الأجانب، ومُنعت شخصياً، بلا سبب، من دخول مجمع تجاري، رغم أنني أحمل المؤشر الصحي على هاتفي الخلوي، والذي يستخدم لإثبات خلو الشخص من المرض. كما لاحظت تجنب أطفال الحي الاختلاط بأبنائي الصغار، وسمعت مرة جدة صينية تقول لحفيدها البالغ 9 أعوام: لا تقترب من هذا الولد (مشيرة إلى ابني)، كي لا ينقل لك الفيروس".
من جهتها، تشير المعلمة المصرية في إحدى المدارس العربية، شيرين مصطفى، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أنها لم تتخيل يوماً أن تنقلب العنصرية التي واجهها الصينيون في الخارج إلى عنصرية مضادة تستهدف الأجانب في الداخل. وتقول: "خلال فترة الجائحة، دافعنا كمغتربين بشراسة عن الصينيين، وصححنا معلومات مغلوطة عدة عن نمط حياتهم عبر الوسائل المتاحة مثل مواقع التواصل الاجتماعي، كما رفض بعضنا العودة إلى بلدانهم خلال فترة الإجلاء وفضّلوا البقاء في الصين، ما جعلهم يواجهون تهمة الولاء للصين على حساب الوطن. لكن استهداف الصينيين أنفسهم لنا لاحقاً أصابنا بصدمة. وأنا لا أستطيع أن أنسى خروج كل من كان داخل مصعد تواجدت فيه لأنني أجنبية، إذ شعرت حينها بأنني فيروس على هيئة إنسان".
وتتحدث عن موقف آخر شهد جلوسها وحدها على كرسي داخل حجرة لمترو الأنفاق تتسع لعشرة أفراد، لأن الركاب الصينيين ابتعدوا عنها خشية أن تنقل الفيروس إليهم، في ظل اعتقادهم بأن كل أجنبي مصاب به.
مبرر "الخوف"
يعلّق الباحث الصيني ليوان يونغ على الظاهرة بأن "الثقافة الصينية التقليدية تنبذ العنصرية وترفضها بالكامل، لكن الشعور بالخوف من الوباء أثناء الجائحة ولّد سلوكيات شاذة، مثل تجنب الاحتكاك بالأجانب، خصوصاً أن الإصابات التي مصدرها الخارج وصلت إلى معدلات خطيرة". يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "لا يعرف الصيني إذا كان الأجنبي الذي يقف قربه دخل البلاد قبل الجائحة أو بعدها، لذا يفترض بديهياً أن الشخص المعني قادم من بلد موبوء، ما يجعله يفكر في حماية نفسه أولاً عبر البقاء على مسافة آمنة تطبيقاً لمبدأ التباعد الاجتماعي". ويلفت ليوان إلى أن "صينيين كُثراً يجهلون أن سلطات بلادهم حظرت السفر ومنعت الأجانب من الدخول أشهراً عدة، ثم سمحت بذلك شرط الخضوع لحجر صحي إلزامي لا يقل عن 21 يوماً. وجعلهم ذلك أكثر حساسية وحذراً في تعاملهم مع الأجانب، علماً بأنهم لا يميزون بين أجنبي مقيم وزائر".
وكانت منصات التواصل الاجتماعي في الصين شهدت إطلاق حملات عنصرية ضد الأجانب، وصفهم بعضها بأنهم "قمامة يجب التخلص منها في أسرع وقت للحفاظ على البلاد، وتحصينها ضد كورونا".