علي قنيبي.. حكاية طفل مقدسي يحبسه الاحتلال في منزله

20 نوفمبر 2022
نافذة البيت تطل على خيمة عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير (العربي الجديد)
+ الخط -

في بيت الصفيح والطوب المتهالك في القطاع الغربي من حي الشيخ جراح في مدينة القدس، يمضى الطفل علي راتب قنيبي حكماً بالحبس المنزلي، هو الثاني في نحو عام ونصف، وليس أمامه متنفس للخروج من حبسه، خشية أن يعتقل ويدان بالسجن الفعلي، بينما كاميرات المراقبة التي نصبها خصم العائلة اللدود، وهو مستوطن متطرف، ترصد كل شاردة وواردة، ولا تنفك الغارات شبه اليومية على منزل العائلة من قبل شرطة الاحتلال الإسرائيلي، لتتأكد من مكوث علي في داخل حبس لا يفارقه.

بطء الزمن

بيت الصفيح والطوب يؤوي إلى جانب عائلة علي سلحفاة وقطة سوداء، تلك السلحفاة التي تختفي فجأة في البيت المتهالك من وقت لآخر، وتعود مذكرة علي من خلال مشيتها البطيئة، بمرور الأيام البطيئة في حياته.

الصورة
سلحفاة الطفل الفلسطيني علي قنيبي (العربي الجديد)
حركة السلحفاة يذكر علي قنيبي بأيام حبسه الطويلة (العربي الجديد)

يقول والد علي لـ"العربي الجديد": "السلحفاة تذكّر علي بحبسه الطويل، كلما نظر إليها وهي تتنقل في زاوية البيت ببطء شديد". مشيرا إلى أن قطة علي تتمكن من مغادرة المنزل والعودة إليه وهو ما لا يستطيع علي فعله.

كان أثر الحبس المنزلي على نفسية علي، كما روى لـ"العربي الجديد"، كبيراً وسبب له معاناة كثيرة، لقد كان اعتقاله والتحقيق صعباً، حيث اقتيد وهو معصوب العينين وقد وضعت كمامة على فمه، منذ لحظة اعتقاله في دورية شرطة الاحتلال وحتى وصوله إلى المعتقل. وخلال مكوثه ساعات في التحقيق، ضرب على رقبته ورأسه وبطنه ووجهه ولم يزود بالماء والطعام لساعات طويلة، ثم قررت القاضية الإسرائيلية إطلاق سراح علي ووضعه في الحبس المنزلي خمسة أيام، لقد رأت آثار الضرب على وجهه، ومع ذلك وجهت له تحذيراً.

يشار إلى أنه في شهر يوليو/تموز 2021، فرض الاحتلال الحبس المنزلي على علي لمدة 8 أشهر بسبب "رمي الطلاء على سيارة مستوطن"، وهو ما نفاه علي. وعلى الرغم من انتهاء الحبس المنزلي في الثاني من مارس/آذار 2022، لم تمض سوى خمسة أيام حتى أعيد اعتقاله من منزله فجرأً بالتهمة الأولى.

الصورة
والد علي: الحبس المنزلي أثر على نفسية علي كثيرا (العربي الجديد)
والد علي: الحبس المنزلي أثر على نفسية علي كثيرا (العربي الجديد)

حلم الحرية

لعله حلم يحلم به علي ويتمنى تحققه أن يغادر المنزل حراً طليقاً متى شاء، ويعود إليه متى شاء، لا أن توجه إليه تهمة مجددًا. خاصة أن جارهم المستوطن تحوّل إلى كابوس بالنسبة للعائلة، حيث لا ينفك يتربص بكل فرد فيها، ومع كل مناسبة يتجمع عنده عشرات المستوطنين المتطرفين يقيمون الاحتفالات الصاخبة عند باب منزل عائلة قنيبي، نكاية فيها ومحاولة لاستدراج علي للخروج، وسط صرخات هستيرية وهتافات "الموت للعربي".

يقضي علي منتصف نهاره وحتى ساعات الفجر الأولى من كل يوم في مشاهدة التلفاز، بعد أن يؤدي واجباته المدرسية التي ترسل له من قبل معلمته على الهاتف، ويفتقده أصدقاؤه وزملاؤه في المدرسة وفي الحي وقد غاب عنهم طويلاً، لكنهم لم يحرموه من زيارته في البيت من حين لآخر أو الحديث معه عبر نافذة البيت التي تطل على خيمة عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير.

على تلك النافذة يمضي علي بعضاً من وقته متأملاً الحيز الضيق المتاح له، وهو يتأمل حركة أهالي الحي وحركة المستوطنين ودورية الشرطة التي لا تغادر الحي، وقد وضعت خصيصًا لحراسة خيمة بن غفير والتي يتعاملون معها كمقر رسمي لعضو كنيست، كما أبلغنا بذلك والد علي.

الصورة
الطفل الفلسطيني علي  قنيبي حبيس المنزل (العربي الجديد)
علي يتمنى أن يغادر المنزل حراً طليقاً متى شاء (العربي الجديد)

راتب قنيبي والد علي، وهو معاق حركياً، تحدث لنا بألم عن ولده الذي يتوق للحرية وللخروج من حبسه المنزلي القسري، بل يتوق أيضاً لمقاعد الدراسة في مدرسة أم طوبا جنوب القدس المحتلة، والذي كان يذهب إليها كل صباح مستقلاً حافلة الركاب مع زملائه من أبناء الحي. ويتساءل الوالد لماذا يحرمونه من حقه في التعليم؟ لم يمنعونه حتى من المشاركة في احتفالات العائلة الاجتماعية؟

هكذا حوّل الاحتلال الأهل إلى سجانين

منذ حبسه لم يعد بمقدور علي المشاركة في أية مناسبة اجتماعية تخص العائلة، ويضطر فرد أو أفراد من العائلة للبقاء معه كي لا يخرق أمر الحبس، فيغرم بكفالة من كفلوه والبالغة ستين ألف شيقل، أي ما يقرب من 12 ألف دولار.

والدة علي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فقالت: "علي وكل فرد فينا بات حارساً وسجاناً في سجن اسمه البيت، هل تتخيل صعوبة أن تكون سجاناً ومراقباً على أطفالك تنفذ أوامر الاحتلال قسراً!".

زيارة الطبيب بإذن من الاحتلال!

لا يسمح الاحتلال لعلي بالخروج إلى الطبيب دون الحصول على إذن وبمرافقة خاصة من أفراد العائلة، ثم تأكيد العودة بعد الانتهاء من زيارة الطبيب، وفق والدته التي تؤكد أن من حق ابنها علي أن يمارس حياته الطبيعية.

تتساءل والدة علي عن يوم الطفل العالمي الذي يحتفل به العالم اليوم الأحد، وتقول: "عن أي طفولة يتحدث العالم ومصائر أطفالنا بيد الاحتلال ومستوطنيه، وأمثال ابني علي في القدس يعدون بالمئات".

الصورة
الطفل الفلسطيني علي  قنيبي حبيس المنزل (العربي الجديد)
في بيت من الصفيح والطوب المتهالك يقطن الطفل الفلسطيني علي قنيبي (العربي الجديد)

شروط قاسية

علي لا يتذكر عدد مرات اعتقاله وقضائه فترات متفاوتة في سجون الاحتلال، قبل أن يفرض عليه الحبس المنزلي مرتين، لكنها عديدة، وهو ينتظر أن تقرر المحكمة التي ستعقد له مطلع العام القادم، مصيره إما الإفراج عنه، وإما تجديد الحبس أو إصدار حكم فعلي بالسجن.

مع ذلك، ما زال الخطر يتهدد علي بسبب أحد شروط الإبعاد المفروضة عليه باعتقاله الثاني، وهو منع الاقتراب من المستوطن الذي احتل منزلاً يقابل بيت عائلته والذي يبعد نحو 3 أمتار، ما سيضطره إلى سلوك طريق آخر أبعد للوصول إلى منزله أو الخروج منه.

وفُرِض على الطفل علي ألا يقترب من هذا المستوطن لمسافة ثلاثين متراً، ويحاول علي ووالده تجنب المستوطن حتى لا يعاد اعتقاله.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

منع علي من التواصل مع اثنين على الأقل من أصدقائه، أحدهما رهن الاعتقال حالياً، إلا أن آخرين لم يتوقفوا عن لقائه والحديث معه ومساندته قرب النافذة التي تحولت إلى ما يشبه شاشة صغيرة يطل منها الفتى الصغير بوجهه الشاحب المرهق وبنظرات يتأمل فيها العالم الواسع خارج حبسه الضيق جداً بمساحة تلك النافذة.

يشار إلى أن محكمة الاحتلال كانت فرضت على علي بعد إطلاق سراحه من حبسه المنزلي الأول غرامة بقيمة 3 آلاف دولار ودفع ما قيمته 1500 دولار أخرى تعويضاً للمستوطن، وأول ما فعله بعد خروجه من حبس منزلي استمر ثمانية أشهر، هو الذهاب سيراً على الأقدام إلى البلدة القديمة في القدس، ومرافقة زملاء صفه في رحلة مدرسية.

المساهمون