يعاني فهد الهاجري منذ كان في السابعة من التأتأة والتلعثم وغيرهما من صعوبات النطق. الشاب الذي يبلغ خمسة وعشرين عاماً، طالب تسويق في جامعة "الكويت" تسببت له حالته بتعثر مستمر في مسيرته الدراسية والحياتية، واضطرته للمرور بكثير من المواقف المحرجة داخل المدرسة والجامعة، خصوصاً أنّ ثقافة احترام التنوع غالباً ما تغيب عن معظم مجتمعاتنا العربية.
لكنّ وجود العيادات والمراكز الرسمية التابعة لوزارة الصحة الكويتية أو لإدارة الإنماء الاجتماعي بمجلس الوزراء الكويتي، بالإضافة إلى العيادات الخاصة وعشرات الاستشاريين في مجال النطق وصعوباته، أدى إلى تحسين حياة فهد والآلاف من أقرانه الذين يعيشون داخل الكويت والذين يعانون مثلما يعاني. يشرح فهد الهاجري لـ"العربي الجديد" قصته مع التأتأة قائلاً: "لا أذكر أنّني كنت أتكلم بطريقة صحيحة في طفولتي لكنّ والدتي تقول لي إنّ هذه الحالة بدأت معي في سن السابعة بلا مقدمات، وكانت شديدة إذ كنت أتوقف عن الكلام تماماً في أحيان كثيرة". يضيف: "بدأت في رحلة علاجي مبكراً في مركز سالم العلي لعلاج اضطرابات السمع والنطق، إذ كان العلاج يتنوع بين التهيئة النفسية واستخدام بعض الأساليب التقنية والأجهزة المتطورة التي لم أشاهد مثلها في حياتي". كذلك، انضم الهاجري إلى مجموعات تطوعية لتشجيع المصابين بالتأتأة للحديث في العلن وتعليمهم مهارات التحدث والخطابة أمام جمهور.
يشرح الدكتور تميم العلي، رئيس قسم السمع والنطق في "مركز سالم العلي لعلاج اضطرابات السمع والنطق" لـ"العربي الجديد" وظائف المركز التي تشمل التدخلات الجراحية الكبرى في مشاكل النطق والسمع، بالإضافة إلى التأتأة والتلعثم وغيرهما من صعوبات النطق، إذ يوفر المركز الذي يعتبر من الأكبر في الشرق الأوسط، مجموعة كبيرة من الباحثين والخبراء الذين يتناوبون على علاج حالات التأتأة في الكويت.
لكنّ المركز الذي يتبع وزارة الصحة، ليس المكان الحكومي الوحيد لعلاج التأتأة في الكويت، إذ يوفر مكتب الإنماء الاجتماعي التابع لمجلس الوزراء الكويتي في مركز السمع والنطق الخاص به علاجاً لكلّ من يعاني من صعوبات النطق، كالتأتأة والتلعثم ومشاكل مخارج الحروف والتأخر اللغوي من سن أربع سنوات. ويقول مسؤولو مركز السمع والنطق في مكتب الإنماء الاجتماعي لـ"العربي الجديد": "المركز يستقبل مئات الحالات سنوياً لعلاجها، إذ يجري تقييم حالات التأتأة أولاً ومدى صعوبتها أو سهولتها، ومن ثم يتم تحديد 10 جلسات مع الاستشاريين المتخصصين في صعوبات النطق والذين يعملون في المركز". كذلك "يعمل المركز مع استشاريين نفسيين لتهيئة المصابين بالتأتأة، والذين غالباً ما يكونون أطفالاً أو مراهقين، إذ يجري تهيئة جو نفسي مناسب لهم وتدريبهم على الثقة بالنفس ومواجهة الجمهور من دون خوف أو تردد". ويقول الاستشاري رشاد حسين، الذي يعمل في المركز لـ"العربي الجديد": "التأتأة تدمر الطفل أو المراهق إذا لم يكن لدى عائلته وعي بما يعانيه ودعم كبير له في مواجهة هذا الأمر، ولذلك دورنا في المقام الأول يكمن في توعية العائلات بأنّ التأتأة ليست معيبة، وأن علاجها ممكن بشرط التفهم والاستمرار".
ويبين رشاد أنّ نسبة من يعانون في التأتأة في الكويت تقارب النسبة العالمية التي تبلغ 1 في المائة من سكان العالم. ويضيف أنّ الكويت تتمتع بوجود قوي وكبير وخبرات طويلة في مسألة معالجة التأتأة، لكنّ المشكلة هي في غياب الجانب النظري والأكاديمي فيها، إذ لا توجد في الكويت مراكز دراسات متخصصة بصعوبات النطق كما هي الحال مع كثير من الدول، بالرغم من كمية التبرعات والتمويلات التي تحصل عليها مراكز صعوبات النطق في البلاد.
وفضلاً عن العيادات والمراكز الحكومية، تتواجد العيادات الخاصة والمراكز الربحية، والتي تنتشر في عدد من مناطق البلاد، وتهدف إلى توفير أجواء أكثر خصوصية للباحثين عن علاج، بالإضافة إلى تسريع المواعيد العلاجية، ومرونتها مقارنة بالمراكز الحكومية التي تلزم المصاب بالتأتأة بمواعيد قد لا يرغب بها.
ويقول الدكتور محمد الرشيدي، اختصاصي صعوبات النطق، لـ"العربي الجديد": "أختلف مع من يقول بأنّ لدينا في الكويت عدداً كافياً من العيادات الخاصة بصعوبات النطق، إذ ما زال هناك كثيرون ممن يعانون، لا يجدون مواعيد حتى في العيادات الخاصة، بالإضافة إلى أنّ كلفة العلاج ليست في متناول كثير من العائلات الفقيرة؛ لا سيما الوافدة أو البدون في الكويت". ويرى الرشيدي أنّ العلاج يجب ألاّ يقتصر على الجوانب الطبية فحسب بل يمتد إلى الجوانب النفسية والمدنية، إذ من واجب الحكومة أن تدعم الجمعيات والمجموعات التطوعية التي تقوم بتشجيع من يعاني من التأتأة على التحدث، بالإضافة إلى توفير نشاطات لهم، مؤكداً أنّ الكثير من أبطال العالم في الخطابة كانوا يعانون من التأتأة، بل إنّ بعضهم ما زال يعاني حتى الآن.
وتحفل المجموعات التطوعية، التي يشكلها شباب كويتيون بمبادرات ذاتية، بعشرات القصص لشباب وشابات يعانون من التأتأة، وتساعد هذه المجموعات الشباب على طرح همومهم في مواجهة ما يعانونه. وفي هذا الإطار، تقول سارة الشمري، وهي موظفة في إحدى شركات الاتصالات لـ"العربي الجديد" إنّها عانت من صعوبات النطق والتأتأة لفترة طويلة، وسط عدم وعي من عائلتها بضرورة معالجتها، لكنّها اتخذت قراراً في المرحلة الثانوية بالذهاب للعلاج، وهو ما انعكس إيجاباً عليها بعد فترة طويلة. وتضيف سارة: "كان العلاج صعباً لأنّني لم أحظَ بدعم عائلتي التي كانت ينقصها الوعي حول التأتأة، لكنّني بفضل المركز العلاجي تحسنت كثيراً، وانضممت في ما بعد إلى مجموعة تطوعية على الإنترنت تضم شباناً وشابات يعانون من التأتأة، فنظمنا جلسات نصف شهرية لتبادل الأحاديث وطرح تجاربنا ومخاوفنا وكيفية التغلب عليها".
ولا ينسى عبد الله البداح، وهو شاب يدرس في جامعة "الكويت" الموقف الذي وضعه فيه أستاذه بإجباره على تقديم عرض تعليمي أمام 60 طالباً وطالبة في قاعة مزدحمة بالرغم من أنّه أخبره بتوتره ومعاناته مع التأتأة. ويقول البداح لـ"العربي الجديد": "عندما حاولت توضيح موقفي له، أهانني ووصفني بأنّني شاب غير صلب... لذلك أقول إنّنا نحن نحتاج إلى الوعي قبل أيّ شيء آخر".