تتنامى ظاهرة عصابات الأحياء الإجرامية في المدن الجزائرية الكبرى وضواحيها، وهو تنامٍ مقلق تسببت به جملة من الظروف الاجتماعية والديموغرافية المتعددة. وتتخذ بعض هذه العصابات التي تضم شباناً في مقتبل العمر، طابعاً منظماً، وتخوض حروباً ضد عصابات أخرى. ومن هذه الحروب ما يبدأ بمناوشات واعتداءات بسيطة تتحول إلى عراك وشجارات صاخبة، لكنّ بعضها الآخر يعود إلى أغراض السيطرة على المناطق وتجارة المخدرات والكوكايين والنشاطات الإجرامية المختلفة فيها، مع ما في ذلك كلّه من آثار سلبية على سكان تلك الأحياء التي غالباً ما تكون شعبية وفقيرة، فتزيد العصابات من مشاكلها.
ومؤخراً، اندلعت مواجهات بين عصابات الأحياء في منطقة برج الكيفان في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية، ما اضطر السكان لطلب تدخل قوات الأمن لإعادة الهدوء إلى الحيّ، لكنّ ذلك لا ينهي عمل العصابات، حتى تلك الضالعة في المواجهات، بل إنّها تعود بين حين وآخر إلى مواجهات جديدة، وهو ما بات يقلق السكان والعائلات.
هذا الحيّ ليس استثناء، بل إنّ كثيراً من العائلات التي تسكن في أحياء شعبية، أو حتى سكنية حديثة باتت تتخوف من غياب الأمن ومدى تأثير ذلك على حياة أبنائها، بسبب تنامي الجريمة المنظمة، من بينها أحياء أولاد فايت في الضاحية الغربية للعاصمة، ودرقانة في الضاحية الشرقية، وتسالة المرجة في الجهة الجنوبية للعاصمة، وهي أحياء جديدة من حيث المنشأ، وسكانها ممن جرى ترحيلهم إليها من أحياء للصفيح وغيرها من المساكن الهشة، في عدة مناسبات.
ويفسر البعض هذا التمركز للعصابات والجريمة المنظمة، والتي يستخدم أفرادها السيوف والسواطير، في كون الأحياء الجديدة محطاً لعائلات وسكان لا يعرفون بعضهم البعض، ولأنّ السلطات عند ترحيل وتفكيك الأحياء الهشة تقوم بإبعاد وتفكيك آلي للعصابات التي كانت فيها، فإنّ أفراد العصابات المرحلين يجدون أنفسهم في وضع جديد يفرض عليهم البحث عن فرض السيطرة على الأحياء الجديدة. وهذا ما يفسر كثرة المناوشات بين الشبان، بحسب محمد خروبي، وهو أحد سكان حيّ تسالة المرجة. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ مشكلة هذه الأحياء أنّها تضم عائلات من كلّ حدب وصوب، ولا يتعارف فيها السكان، ما يشكل مجموعات غريبة عن المكان وغير منسجمة في ما بينها. وهكذا، يتصيد أفراد العصابات ضحاياهم، ويتفننون في العراك بالأسلحة البيضاء من دون مراعاة لحرمة السكن أو العائلات، كما يهدد نشاط هذه الجماعات السكان ويروعهم خصوصاً أنّ أغلب أفراد العصابات يتعاطون المخدرات.
من جهتها، تعتبر الاختصاصية النفسية، سعاد شتوان، أنّ "الحالة النفسية للشبان في الجزائر في فترة الأزمة الصحية، دفعت بالبعض إلى ارتكاب جرائم كانت مسبوقة بمناوشات وصراعات وصلت إلى حدّ القتل". تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ الوضع الاجتماعي من جراء كورونا، ليس طبيعياً، خصوصاً أمام تفاقم البطالة، ونقص الموارد الاقتصادية، وتزايد الفقر، وهكذا فإنّ مثل هذه الظواهر تخرج إلى العلن في ظلّ حالة الإغلاق التي تشهدها المدن بسبب الحجر الصحي. تضيف أنّ الفراغ وحده يدفع بالشخص إلى البحث عن أيّ شيء يشغله وإن باختلاق مشكلة، وهو ما يعانيه البعض من "شباننا اليوم بفعل الغضب وتحويل المناوشات إلى حلبة صراع ثم جريمة، لأتفه سبب".
وإزاء هذا التنامي المخيف لظاهرة الجريمة المنظمة وتمدد ظاهرة عصابات الأحياء، أقرت الحكومة الجزائرية، بطلب من الرئيس عبد المجيد تبون، قانوناً جديداً موجهاً لمحاربة الظاهرة على وجه الخصوص، ويتضمن تشديد العقوبات ضد المجرمين أعضاء عصابات الأحياء، ومعاقبة كلّ من يلجأ إلى تهديد السكان أو ترهيبهم بحبس قد يصل إلى خمس سنوات وغرامة باهظة، وتجريم كلّ فعل له صلة بإنشاء العصابات وما يتعلق بها إلى غاية ارتكاب الجريمة ومصادرة أدواتها، وتشديد العقوبات ومضاعفتها لا سيما في حالات العودة إلى الجرم وتجنيد القاصرين أو الأشخاص ذوي الإعاقة. ويتضمن القانون أيضاً تدابير لحماية الأجهزة الأمنية المكلفة بمواجهة هذه العصابات، وكذلك منع استيراد أو بيع أو حيازة أو صناعة السلاح الأبيض بهدف تزويد عصابات الأحياء به. وتقرر استثناء المعاقبين من عصابات الأحياء من إجراءات العفو التي تصدر في المناسبات الوطنية والدينية.
وقال وزير العدل السابق، بلقاسم زغماتي، في جلسة البرلمان الخاصة بمناقشة القانون المتعلق بالوقاية من عصابات الأحياء، إنّ "القانون يهدف إلى وضع إطار قانوني شامل لمواجهة هذا النوع الجديد من الإجرام الذي عرف انتشاراً كبيراً في بلادنا خلال السنوات الأخيرة، عبر توفير واتخاذ الإجراءات اللازمة للوقاية من عصابات الأحياء، عن طريق اعتماد آليات اليقظة والكشف المبكر وتوفير التغطية الأمنية المتوازنة للأحياء مع مراعاة متطلبات الوقاية عند إنجاز المشاريع السكنية". وأعلن الوزير زغماتي عن قرار استحداث لجنة وطنية للوقاية من عصابات الأحياء توضع في تصرف وزارة الداخلية، وتتولى إعداد استراتيجية وطنية للوقاية من هذه الظاهرة، وتعد تقريراً سنوياً، بالإضافة إلى إنشاء لجان محلية على مستوى الولايات تتولى تحليل نشاط العصابات والعوامل والظروف المحيطة بها بهدف تبني سياسة محلية للوقاية منها.
من جهتها، تلفت الاختصاصية القانونية، نورية بن حمودة "العربي الجديد" إلى أنّ تفاقم الجريمة في الجزائر سببه تلك القرارات بالعفو عن السجناء في المناسبات الوطنية، مشددة على أنّ "الجريمة لا ترتبط فقط بسنوات الحبس بقدر نوع الجرم الذي أدخل صاحبه السجن، كالاغتصاب والضرب والاعتداء على ممتلكات الغير". وتعتبر من الناحية الإجرائية أنّ الظروف باتت تفرض تسليط العقوبات الشديدة على مجموعات ترويج المخدرات ومواد الهلوسة عبر الأحياء. تشير إلى أنّ الجزائر تعيش اليوم مرحلة صعبة على مستوى التساهل في العقوبات ضد هؤلاء الشبان، من دون معالجة الجريمة من عمقها، ومحاربة مكامن نموها، خصوصاً ما ارتبط منها بالمخدرات التي تذهب عقول الشبان وتدفعهم إلى "حرب العصابات في الأحياء والاعتداء على ممتلكات السكان مثلما وقع في أكثر من حي"ّ.
تجدر الإشارة إلى أنه للحد من ظاهرة العصابات، وإضافة الى الردع والتشديد القانوني، أنشأت السلطات الجزائرية مؤخراً ضمن خطة تأمين الأحياء السكنية، مقرات أمنية للشرطة، تسمح بحضور أمني أكبر، وتوفر قاعدة بيانات يمكن التدخل على أساسها عند الحاجة.