عبر ما لا يقل عن 210 آلاف لاجئ أفغاني من معبر تورخام الحدودي في الشهرين الماضيين، منذ إعلان باكستان أنّ المهاجرين غير النظاميين غير مرغوب فيهم على أراضيها وتحديد مهلة لهم للمغادرة.
في مخيم تورخام الحدودي الشاسع، أُفرغت العديد من الخيام المصطفّة عند سفح الجبال من قاطنيها.
في إحدى الخيم، كانت امرأة تهزّ رضيعها بانتظار مغادرة العائلة التي طُردت أخيراً من باكستان، لإعادة بناء حياتها في أفغانستان.
وفي هذه الأثناء، كانت الشاحنات المحمّلة بعائلات تحمل معها بطانيات ملوّنة وأدوات مطبخ، تستعدّ للانطلاق على الطريق باتجاه مقاطعات أفغانية مختلفة. وكانت كلّ عائلة تحمل في جيوبها 15 ألف أفغاني (190 يورو)، وهو ما يكفي لإعالة أسرة لمدة شهر.
يقول شير آغا (43 عاماً) وهو أب لتسعة أطفال كان يعمل حارساً أمنياً في باكستان، لوكالة فرانس برس، "ليس لدينا مكان نذهب إليه، ليس لدينا منزل ولا أرض وليس لدي عمل".
كان ينتظر أن تنقله الشاحنة مع عائلته إلى مسقط رأسه في مقاطعة قندوز شمالاً. غير أنّ شير آغا غادر أفغانستان عندما كان في الخامسة من عمره، ولم يحتفظ بأيّ ذكرى عنها. ويضيف "لم يعد لديّ أي عائلة (في قندوز)... أطفالي يسألونني: ولكن إلى أيّ بلد سنذهب؟".
عاش هؤلاء المهاجرون حياة محفوفة بالمخاطر في باكستان، ومن تمكّن من بيع ممتلكاته، قام بذلك أثناء رحلة العودة.
وفي بداية نوفمبر/تشرين الثاني، تدفّقت أكثر من 2500 أسرة إلى تورخام يومياً، بعدما دفعتها إسلام آباد إلى المغادرة، ثمّ انخفض عدد هذه العائلات إلى حوالى 400 أسرة في الأيام الأخيرة، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة.
"نخشى الموت جوعاً"
تحت خيمتها التي تحمل عبارة "مساعدات الصين"، تُخفي أمينة (40 عاماً) وجهها بغطاء أحمر. تتوجّه هذه المرأة مع أولادها العشرة إلى جلال آباد عاصمة ولاية ننغرهار حيث تقع مدينة تورخام أيضاً. وتقول إنّ لديها "العديد من الإخوة وأبناء الإخوة" هناك.
لكنّها تضيف بحزن "طلبت من عائلتي أن يجدوا لنا منزلاً" لنستأجره، "لكنهم يقولون لا يوجد منزل، ولم يأتِ أحد لرؤيتنا".
وتتابع أمينة "إذا لم يعمل الفتيان، فلن نتمكّن من الصمود"، في حين أنّ الاقتصاد الأفغاني منهك والبطالة مرتفعة. وتشير إلى أنّهم "في باكستان، كانوا يعملون في الأسواق، ويحضرون ما يكفي من المال"، متسائلة "كيف سنفعل ذلك هنا؟".
تحت خيمة زرقاء أخرى، يتجمّع أفراد عائلة غول باري الستة عشر معاً. كانوا ينامون على قطع من الكرتون من دون بطانيات، رغم أنّ الحرارة تنخفض إلى 15 درجة في الليل.
كانت أبواق الشاحنات التي تأتي لتوصيل المياه التي طال انتظارها، تحجب صوت هذه المرأة الأفغانية التي تبلغ من العمر 46 عاماً.
كان سوء التغذية بادياً على حفيدها، وتشرح قائلة إنّهم سيغادرون في غضون خمسة أيام إلى قندوز لبدء حياة جديدة في أفغانستان التي لم ترها منذ أربعين عاماً.
وتضيف "ليس لدينا شيء. ونخشى الموت من الجوع. ولكن إذا وجدنا عملاً فسنكون بخير. وسنكون سعداء في وطننا. لقد تعرّضنا لمضايقات في باكستان".
يوضح العديد من هؤلاء اللاجئين، الذين فرّوا من أفغانستان التي مزّقتها الحرب منذ 40 عاماً، أنّ تحسّن الوضع الأمني منذ عودة طالبان إلى السلطة في أغسطس/آب 2021 دفعهم أيضاً إلى العودة.
"البدء من الصفر"
في مقاطعة لغمان المجاورة، انتهى الأمر بأمان الله وعائلته من دون أي شيء يستند إليه أو يعيله، بعد عودته.
وسط عشرات الخيام التابعة للهلال الأحمر، يصف الرجل البالغ من العمر 43 عاماً عاش منها 35 عاماً في باكستان حيث كان يعمل في مواقع البناء، قسوة الحياة في هذا المخيّم بالنسبة إليه ولزوجته ولأطفاله الستة.
يبدأ بالقول "لا توجد مراحيض، وتعاني النساء من صعوبة كبيرة" لأنّه يتعيّن عليهن الانتظار حتى حلول الليل للخروج.
ويشير إلى أنّ الكهرباء تتوفّر لمدة ساعتين فقط يومياً لشحن الهواتف المحمولة. ويقول لوكالة فرانس برس رافعاً مصباحاً يدويا صغيراً "يدخل الظلام إلى كلّ الخيام" بعد حلول الليل.
ويتابع أمان "لدينا أطفال صغار، لذلك لدينا الكثير من المشاكل"، مضيفاً "إذا بقينا هنا لمدة خمسة أيام، أو شهر، أو سنة، يمكن أن يكون الأمر على ما يرام. لكننا نحتاج إلى عمل، ومنزل. يجب أن نبدأ كلّ شيء من الصفر".
في مكان أبعد، تميل الشاحنة المفتوحة، التي تتكدس فيها شازيا مع 20 امرأة وطفلاً آخرين، بشكل خطير على منعطفات الطريق المؤدّي إلى جلال آباد.
بعد عودتها من باكستان، تبدو شازيا محظوظة أكثر من الأخريات، فقد غادر زوجها قبل يومين ووجد منزلاً مكوّناً من أربع غرف في جلال آباد لأربع عائلات.
تقول الشابة البالغة من العمر 22 عاماً، وهي أم لثلاثة أطفال أصغرهم يبلغ من العمر شهرين "الإيجار باهظ الثمن. لكن الليلة سنتمكن من النوم". وتضيف "سنكون قادرين على الاغتسال. لقد مرّت عشر أيام منذ أن استحممنا".
(فرانس برس)