عزوف عن الزواج في إيران

25 أكتوبر 2021
هل يكونان قادرين على الزواج؟ (مورتيزا نيكوبازل/ Getty)
+ الخط -

لم يتمكّن المواطن الإيراني فريبرز حسني (33 عاماً) من الزواج حتى اليوم. عاماً بعد عام، يتراجع أمله بالزواج. والسبب، كما يقول، الأزمة الاقتصادية التي تؤدي إلى ارتفاع مستمر في الأسعار في مقابل تراجع دخل الإيرانيين إلى مستويات متدنية خلال السنوات الثلاث الأخيرة.  
فريبرز الحاصل على شهادة بكالوريوس في إدارة الأعمال، يقول لـ "العربي الجديد" إنه يعمل سائقاً وينقل الركاب بسيارته الشخصية لنحو 10 ساعات يومياً. ويبلغ دخله الصافي الشهري نحو 150 دولاراً، إلا أنّه بالكاد يؤمن احتياجاته الأساسية. يقول إنه كان قد خطط للزواج عام 2019 بمساعدة والده. وبعد الحصول على قرض حكومي للزواج (ألفا دولار)، سرعان ما تدهورت الأوضاع الاقتصادية في البلاد من جراء فرض العقوبات الأميركية عام 2018، لتفقد العملة قيمتها وترتفع الأسعار بشكل جنوني، وهو الحال الذي ما زال مستمراً حتى اليوم. 
ويشير فريبرز إلى أنه لا يمكنه الزواج في هذه الظروف، وأن ما سيمنحه إياه والده بالإضافة إلى القرض الحكومي الذي ارتفع إلى 2500 دولار لا يغطي إلا المبلغ المقدم لاستئجار بيت، ولن يتمكن من شراء الذهب للفتاة التي سيطلب يدها (نحو 1500 دولار)، عدا عن التكاليف الكثيرة الأخرى. فقرر تأجيل الزواج عامين آخرين عسى أن تنفرج الأمور. لكن يبدو أن الأوضاع الاقتصادية تتجه إلى مزيد من التدهور نتيجة استمرار العقوبات. ويقول: "لا يمكنني الزواج في هذه الظروف أو حتى التفكير بالأمر إذا ما بقي الوضع الاقتصادي على حاله". 
وكان للأزمة الاقتصادية تأثير على نسبة كبيرة من الشباب الإيراني، ولم يعد الزواج من أولوياتهم. وفي الوقت الحالي، يلاحظ عزوف الشباب الإيراني عن الزواج، وإن لم تكن الأزمة الاقتصادية العامل الوحيد. وتشير الدراسات إلى ارتفاع مطرد في حالات الطلاق لأسباب اجتماعية وثقافية. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وخلال العقد الأخير، انخفضت نسبة الزواج 40 في المائة في البلاد. فبعدما وصلت عقود الزواج إلى 830 ألفاً عام 2010 في عموم البلاد البالغ عدد سكانها نحو 75 مليون شخص آنذاك، تراجعت الأرقام بشكل مستمر لتسجل البلاد العام الماضي 530 ألف زواج، فيما ارتفع عدد السكان إلى 85 مليون نسمة. 
واليوم، يقدر عدد الشباب (ممن تجاوزوا الـ 40 عاماً) والذين لم يتزوجوا، بنحو 5 ملايين. لكن شهد العام الماضي (21 مارس/ آذار 2020 حتى 20 مارس/ آذار 2021) ارتفاعاً بسيطاً في نسبة الزواج قدرت بنحو 5 في المائة، في ظروف تفشي فيروس كورونا الجديد، بعدما فرض إلغاء الكثير من العادات والتقاليد المكلفة والمرتبطة بالزواج، والتي تندرج ضمن الكماليات، مثل تنظيم الحفلات الضخمة. لذلك، أتاحت ظروف تفشي كورونا المجال للراغبين بالزواج في اغتنام الفرصة التي قد لا تتكرر، ووفرت عليهم أموالاً تسدّ تكاليف أخرى لبناء الحياة الزوجية. 

عرس فاخر في إيران (سكوت بيترسون/ Getty)
عرس فاخر في إيران (سكوت بيترسون/ Getty)

في المقابل، تقول الأربعينية نيلوفر، التي تسكن في شمال العاصمة الإيرانية طهران، وهي منطقة راقية يسكنها الأثرياء، إنها فضلت عدم الزواج من دون أن يكون العائق مادياً. وتوضح لـ "العربي الجديد" أن عائلتها ثرية، إلا أنها لا تفكر بالزواج: "لو أنني أردت الزواج، لكنت تزوجت قبل نحو عشرين عاماً، عندما طلبت عائلات عدة يدي لأبنائها، لكنني رفضت وفضلت البقاء مع أهلي". وعن الأسباب، تقول إن الحياة الزوجية تفرض قيوداً، مشيرة إلى أن معظم صديقاتها اللواتي تزوجن "لا يشعرن بالراحة، وقد لجأت كثيرات إلى الطلاق. في الوقت الحالي، أعيش حرة ولا أتحمل أي مسؤولية تجاه شخص آخر، سواء أكان زوجاً أو طفلاً. كما أنني لا أرغب في الإنجاب". 
وبات هذا حال العديد من الشباب الذين ليست لديهم أي رغبة بالزواج. في هذا الإطار، يقول نائب تنظيم شؤون الشباب بوزارة الرياضة والشباب الإيرانية، محمد مهدي تندغويان، إن 30 إلى 40 في المائة من أسباب العزوف عن الزواج تعود إلى "انحراف في القضايا الثقافية والاجتماعية وليس العوامل الاقتصادية".

كوفيد-19
التحديثات الحية

يضيف أن نتائج أبحاث أجريت العام الماضي، تشير إلى أن "37 في المائة من الشبان والشابات ليسوا راغبين بالزواج حتى إن حلّت كافة المشاكل الاقتصادية"، مشيراً إلى أن الميل نحو الراحة بات يتغلغل في قناعات الشباب، ما أفقدهم الدافع لتشكيل الأسرة. يتابع أن "نتائج البحث أرسلت في تقرير سري وشامل إلى المجلس الاجتماعي للدولة"، قائلاً إنّ القائمين عليه اقترحوا تشكيل اجتماعات لمناقشة أجزائه المهمة، منها الزواج الأبيض (المساكنة)، الذي يقبل عليه بعض الشباب الإيرانيين، وهو اتفاق شفهي بين شاب وشابة للعيش معاً من دون عقد شرعي وقانوني. كما يتيح لهما الانفصال عن بعضهما البعض حين يشاءان". 
إلى ذلك، للعزوف عن الزواج تبعات كثيرة، منها تفاقم "الأزمة السكانية" في البلاد، الأمر الذي يردده علماء السكان والاجتماع خلال السنوات الأخيرة، على خلفية تراجع معدلات الولادة والخصوبة، إذ سجلت السنوات الماضية زيادة وتيرة هبوط معدل الخصوبة الكلية ليتراجع من 2.07 طفلين لكلّ امرأة في سنّ الخصوبة عام 2017، إلى 1.77 طفل عام 2019، بحسب بيانات مركز الإحصاء الإيراني. وبحسب دراسات سكانية حديثة، فإنّ المعدل أيضاً تراجع خلال عام 2020 إلى 1.7 طفل لكلّ امرأة. 

المساهمون