عروس العاصي... دركوش متنفّس سكان إدلب شمالي سورية

01 أكتوبر 2022
تلجأ عائلات كثيرة إلى منطقة دركوش للاستجمام (العربي الجديد)
+ الخط -

تقع معظم المناطق السياحية المائية ضمن سيطرة قوات النظام السوري و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، ويبقى نهر العاصي المتنفس الوحيد لسكان الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة في محافظة إدلب الواقعة قرب الحدود التركية، ويمرّ بمدينة دركوش السياحية التي اكتسبت شهرة منذ القدم بسبب درجة حرارتها المعتدلة، بالإضافة إلى امتداد الأشجار والمزروعات والمتنزهات على مساحات واسعة منها.
يطلق على المدينة اسم "عروس العاصي" وقد تحوّلت بعد الثورة السورية إلى متنفس وحيد لسكان مناطق المعارضة وقد توجّهت إليها معظم الاستثمارات السياحية، وتضاعف عدد سكانها مرات عدة فشهدت نهضة عمرانية في الوقت نفسه لاستيعاب القادمين الجدد.

ويقول علي سلطان وهو مالك أحد المصايف على نهر العاصي في دركوش لـ "العربي الجديد": "يقصد المدينة يومياً آلاف الأشخاص هرباً من درجات الحرارة المرتفعة في مناطقهم، وتضم دركوش مئات المصايف والمسابح والمطاعم التي تتوزع على ضفتي نهر العاصي"، لافتاً إلى أن هناك مناطق مجانية وأخرى مأجورة، ما يتيح لجميع سكان المنطقة الترويح عن أنفسهم في هذه المنطقة التي يتجاوز طولها 15 كيلومتراً، وهي المنطقة التي يمر فيها نهر العاصي بين المنازل.

يضيف سلطان أن نحو 90 في المائة من المناطق السياحية مستثمرة، وقد شهدت حركة غير مسبوقة، خصوصاً بعد عودة الهدوء إلى المنطقة منذ نحو عامين. وتراجعت حدة الأعمال العسكرية والقصف، لافتاً إلى أن إدارة المنطقة تسهّل عملية الترخيص لأصحاب المشاريع في مقابل ضرائب شهرية أو سنوية. لكن المنطقة تحتاج إلى المزيد من الاهتمام وخصوصاً لناحية النظافة والتأمين.

ويؤكّد أن كثيرين يقصدون منطقة عين الزرقا، جنوبي دركوش، حيث يصب النبع في حوض كبير يقصده المئات كل يوم. أما الباحثين عن الخصوصية، فيقصدون المسابح الخاصة التي تنتشر بين مزارع المدينة، ويصل سعر بدل إيجار اليوم الواحد فيها إلى 50 دولاراً، بينما يرتفع يوم الجمعة إلى 100 دولار.

الصورة
مرافق ترفيهية على ضفاف نهر العاصي (العربي الجديد)
مرافق ترفيهية على ضفاف نهر العاصي (العربي الجديد)

ويقول النازح من ريف معرة النعمان الشرقي باسل العلي لـ "العربي الجديد": "بعدما حرمت المنطقة من البحر الذي تسيطر عليه قوات النظام، يلجأ وعائلته إلى منطقة دركوش بين الحين والآخر، وخصوصاً خلال الارتفاع الكبير في درجات الحرارة الذي شهدته المنطقة أخيراً". ويشير إلى أنهم "يتجمّعون في سيارة واحدة ويأخذون الأطفال كل أسبوعين للاستمتاع بالمساحات الخضراء والجبلية، ثم يتركونهم يسبحون في خزان مياه عين الزرقا، بينما يعدّون طعامهم قرب النبع".
وبحسب العلي، فإن بعض العائلات تقصد مسطحات مائية في منطقة عفرين بريف حلب، لكن في الآونة الأخيرة تراجعت هذه الحركة بسبب صعوبة إجراءات العبور على حاجز دير بلوط بين ريف إدلب وريف حلب، وخطورة السباحة في البحيرات هناك، وارتفاع حالات الغرق، خصوصاً في بحيرة ميدانكي وشلالات كمروك.
فراس موسى نازح آخر من ريف حماة الجنوبي، يقول لـ "العربي الجديد" إنه يقصد المنطقة كل يوم جمعة برفقة أصدقائه، بعدما ينتهون من أعمالهم. ويلفت إلى أنهم كمجموعة يأخذون أطعمتهم وشرابهم معهم، ويعدّون الطعام في الهواء الطلق ولا يقصدون المتنزهات المأجورة بسبب غلاء الأسعار فيها.

الصورة
لا ملجأ أمام المصطافين سوى دركوش (العربي الجديد)
لا ملجأ أمام المصطافين سوى دركوش (العربي الجديد)

يخشى موسى غياب الرقابة الأمنية في المنطقة، وتبقى المخاوف من السرقة أو افتعال المشاكل بسبب ازدحام المصطافين هاجساً لدى العائلات، التي غالباً ما تتخذ منطقة نائية عن الجموع، الأمر الذي يحرمها من الجلوس بالقرب من النهر، أو المساحات المجهزة على طرفيه.

وتتميّز مدينة دركوش بموقع جغرافي سياحي بامتياز، وجاءت شهرتها من مجاورتها لمدينة أنطاكيا التركية التاريخية ولمعالمها وجسرها وقنواتها القديمة. وكانت وجهة سياحية لسكان الشمال السوري، لكنّها فقدت زائريها خلال السنوات التي ارتفعت فيها ذروة القصف من قبل النظام وروسيا، ثم عادت الحركة بعد الهدوء الأخير الذي شهدته المنطقة.

الارتفاع في أعداد المصطافين أدى لاتخاذ إجراءات وقائية للحفاظ على سلامة المصطافين، خصوصاً بعدما ارتفعت أعداد الغرقى في المسطحات المائية. وأعلن الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) عن خطة شاملة للاستجابة لعمليات الإنقاذ المائي من خلال نشر نقاط رصد وإنقاذ دائمة في كل من بحيرة ميدانكي في عفرين شمالي حلب وعين الزرقاء بريف إدلب الغربي خلال موسم الصيف، بهدف حماية المدنيين من الغرق، وهي بمثابة مراكز جاهزة دائماً وتعمل على الرصد والاستطلاع على امتداد المسطح المائي، بغرض الاستجابة الفورية والمباشرة لأي حادثة قد تحصل. 
وتضم النقاط في المنطقتين غطاسين اثنين وبدلتي غوص كاملتين وقارب لسهولة التنقل في المياه والبحث عن الغرقى واختصار الوقت، بالإضافة إلى منظار وقبضات تواصل لاسلكية، وبطبيعة دوام بنظام مناوبات بين المتطوعين للتغطية الشاملة. لكنّ هذه الإجراءات ووجود الفرق في نقاطها بالقرب من المسطحات المائية لا تعني أبداً أنّها آمنة ولا تزيل خطر السباحة فيها.

المساهمون