عروسان يتبرعان بتكاليف العرس للمدارس في السويداء السورية

10 نوفمبر 2022
العروسان السوريان بشار صياغة ولميس العطواني (فيسبوك)
+ الخط -

أوقف العروسان السوريان، بشار صياغة ولميس العطواني المنحدران من بلدة عرمان الواقعة في الريف الجنوبي لمحافظة السويداء جنوب البلاد، مراسم حفل زفافهما قبل أيام من الموعد المقرر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبادرا لدفع مصاريف الحفل المقدرة بخمسة ملايين ليرة سورية (الدولار الأميركي يساوي 4000 ليرة سورية) لمدارس البلدة

ولم تكن هذه المبادرة الأولى التي يتخلى فيها عروسان عن مراسم وطقوس الحفل لصالح أعمال خيرية، ولكن هي الأولى التي يخصّص المبلغ للمساهمة بتجهيزات مدرسية بعد أن وصل حال غالبية المدارس للإفلاس والعوز في ظل النظام التعليمي المجاني الذي تنتهجه حكومة النظام السوري منذ عقود طويلة.

أحد المقربين من العروسين الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال لـ "العربي الجديد": إن الفكرة تزامنت مع بداية الموسم الدراسي؛ في الوقت الذي تتسابق فيه الجمعيات الخيرية والمتبرعون لتجهيز التلاميذ والطلاب المحتاجين بالكتب والألبسة والقرطاسية. وقد وجدها العروسان فرصة مناسبة لدعم مدارس البلدة ببعض التجهيزات المدرسية، وتخصيص مبلغ لترميم ما تم تخريبه بفعل الزمن، وهي في الوقت نفسه رسالة إلى المجتمع المحلي لتوجيه الإمكانات المادية للمكان المناسب.

وأشار قريب العروسين إلى أنهما "قاما بهذه المبادرة بسبب الوضع الذي لم يعد يحتمل، وانعدام الأمل في هذه البلاد التي عصفت بها الحرب، ونهبتها سلطة الأمر الواقع ولم يتبق من أمل سوى العلم، وإن على المدى الطويل للتغيير".

بدوره قال الناشط الاجتماعي سلام العربيد لـ "العربي الجديد": من المعروف أن تكاليف حفل الزفاف في محافظة السويداء تتراوح في ظل الغلاء الفاحش بين 5 و 10 ملايين ليرة سورية، تنقسم بين مليون لإيجار فستان العروس لليلة واحدة، و1.5 مليون لإيجار الصالة و500 ألف لمزين الشعر، و500 ألف بطاقات دعوة، ومليون لتكاليف التصوير، وحوالي 2 مليون للضيافة، ويتبع ذلك تكاليف الألبسة والزينة والنقل وغيره؛ هذا في حال لم يقدم العريس الذهب لعروسه. 

وتشكل مجمل هذه التكاليف حائلاً دون إقدام غالبية الشباب على الزواج في الوقت الذي بات فيه مجتمع السويداء يعاني من عنوسة وعزوف كبير عن الزواج. إلى جانب الانتشار الكبير للفقر والحاجة، مما دفع العديد من الشباب لإلغاء مراسم الزواج والاكتفاء بحفل صغير يضم العائلة وبعض الأصدقاء.

مبادرات سابقة

أما العروسان أكرم زين الدين، وإيسامار القلعاني فقد تزوجا قبل أشهر في إحدى الدول الأوروبية، واكتفيا بإقامة حفل صغير، وتبرعا بتكاليف العرس المقدرة بـ 4 ملايين ليرة سورية إلى جمعيات خيرية في بلدتيهما. 

وكان قد سبقهما إلى هذا العمل العروسان تميم عزام، وسحر عامر من أبناء بلدة مياماس الواقعة في الريف الجنوبي من السويداء. لتأخذ هذه المبادرات منحى جديداً للعمل الإنساني في بعض البلدات وبصور مختلفة.

يقول الفنان فراس شرف الذي أقام حفلاً صغيراً ضم أصدقاء العروسين، إن هذه شكليات طالما أن الفرح موجود. مشيراً إلى أن حلم أي عروسين بإقامة حفل باذخ تبقى ذكراه للأبد، لكن الوضع الاقتصادي لغالبية المواطنين لم يعد يحتمل أي مغامرة، رغم أهمية عامل الفرح في شحذ النفوس للحياة. 

ويضيف: "لقد ألغيت وعروسي حجز الصالة وبطاقة الدعوة وضيافة الطعام رغم بعض اللوم والعتاب، واقتصر الحفل على الأصدقاء، وبهذا أكون قد وفرت مبلغاً معقولا من المال؛ قدمته مساعدة لإحدى الجمعيات الخيرية من أجل مساعدة مرضى على عمليات جراحية، وأنا سعيد بهذا القرار".

تأييد واستحسان من المجتمع

هذه المبادرات قوبلت بتأييد المجتمع المحلي في محافظة السويداء وبكثير من الترحيب والاستحسان، واعتبرت مقدمة لعُرف اجتماعي يخفف من تكاليف الزواج من جهة، ويساهم في التكافل الاجتماعي من جهة أخرى، لكن هناك من رأى في المقابل أنها تلغي الكثير من العادات والتقاليد المحببة والمستمرة منذ مئات السنين، وهو ما يرجع لسياسة النظام السوري الغارق في الفساد، ومن ضمن ذلك إقامة حفلات أعراس أسطورية لأبناء المسؤولين كلفت ملايين الدولارات، فيما يقبع الغالبية في الفقر والحاجة.

حمود الحناوي شيخ طائفة المسلمين الموحدين الدروز، بارك هذه المبادرات واعتبرها سابقة في العمل الإنساني، وأشار في حديثه لـ "العربي الجديد" لسعي المشايخ في السويداء لتخفيف تكاليف الزواج من خلال إصدار عدة دعوات تحدد مهر العروس وتمنع أشكال التبهرج والبذخ والاستعراض، ولاقت هذه الدعوات استحسانا لدى البعض ورفضاً لدى آخرين". وأضاف أن هذه المبادرات غير المشروطة تدل على المستوى العالي في العمل الإنساني والإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع المحلي.

يذكر أن أكثر من 150 جمعية خيرية في المحافظة تساهم بشكل كبير في تعويض النقص والإهمال الحكومي الذي طاول معظم مدارس المحافظة من ناحية الترميم والتجهيزات الضرورية لاستمرار البرامج التعليمية حتى وصلت حال معظم المدارس لطلب أوراق طباعة الأسئلة من الأهالي، في الوقت الذي يُسرع فيه مسؤولو التربية لتبني كل مساعدة وإظهار دورهم في نظام يدعي التعليم المجاني.

المساهمون