عراقيون يكتفون بأسر صغيرة لمواجهة الأزمات المعيشية

23 نوفمبر 2021
عائلات تتنزه في حديقة الزوراء في بغداد (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

تميل العائلات العراقية، خلال السنوات الأخيرة، إلى الحدّ من عدد أفراد الأسرة، وحصر الرعاية والتربية والتعليم بعدد قليل من الأبناء لا يتجاوز الخمسة، على عكس السابق حين كان الأهل ينجبون نحو عشرة أبناء، سواء كانوا يقطنون في القرى أو المدن، وكان المرض وظروف العمل فقط هي الأسباب التي تقف حائلاً دون رغبة الزوجين في تكوين أسرة كبيرة.
كان العراقيون من ذوي الدخل المحدود يعتقدون أن الرزق يُصاحب ولادة الأطفال لإقناع أنفسهم بأن الإكثار من الإنجاب لن يعيق توفير احتياجاتهم، ويقولون إن "الرزق على الله"، إلا أن الأوضاع تغيرت، ويقول كثيرون إن الوضع اختلف عن زمن آبائهم وأجدادهم.
بعض الآباء الذين نشأوا في أسر كبيرة يرون أن الحال في الماضي كان أكثر يسراً وسهولة مع توفر فرص العمل للجميع. كما أن الأسعار كانت منخفضة وتناسب ذوي الدخل المحدود، ما جعل تكوين أسر كبيرة أمراً ميسوراً. هذا ما يقوله فاضل الحسناوي (37 عاماً)، الذي يعمل مدرساً في مدرسة ثانوية في العاصمة بغداد. ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أنه على الرغم من مضي أحد عشر عاماً على زواجه، إلا أنه لم ينجب سوى ولدين، مؤكداً أنّه وزوجته الموظفة في وزارة التجارة مقتنعان بعدد أفراد الأسرة ولا يفضلان إنجاب المزيد.
الحسناوي، وهو السابع بين إخوته وأخواته ضمن أسرة تتكون من أربعة بنات وستة صبيان، يقول إن الأحوال اليوم اختلفت كثيراً إذا ما قورنت بالماضي. سابقاً، كانت الحياة أكثر سهولة، ولم يكن إنجاب عدد كبير من الأولاد ليؤثر على دخل الأسرة أو معيشتها.
من جهتها، تؤيد زوجة الحسناوي فرح عباس، التي نشأت بدورها وسط أسرة كبيرة ولديها تسع أشقاء وشقيقات، ما ذهب إليه زوجها، مشيرة في حديثها لـ "العربي الجديد" إلى أن "إيقاع الحياة السريع اليوم لا يساعد في إنجاب المزيد من الأطفال. نحاول وزوجي تحسين دخلنا، وقد تمكنا من إنشاء بيت صغير. هدفنا واحد وهو أن ينشأ ولدانا في بيئة سليمة وينالان تعليماً جيداً، وهذا ليس سهلاً في ظل ما نعيشه في العراق وتراجع قطاعي التعليم والصحة".

ويتحدث عراقيون عن تراجع الخدمات في مختلف المجالات التي تمس حياة المواطنين، من بينها التعليم في شتى مراحله بدءاً من المرحلة الابتدائية وصولاً الى التعليم الجامعي، وهو ما يستدل عليه بخروج التعليم العراقي من التصنيف العالمي. كما تراجع القطاع الصحي في البلاد إلى درجة أن الكثير من المواطنين يسافرون إلى الخارج لعلاج مرضاهم. وبحسب تقارير لديوان الرقابة المالية والإدارية، فإن غالبية المستشفيات والمراكز الصحية تعاني بسبب عدم توفر أطباء الاختصاص والأدوية، علماً أن بعض الأدوية تكون منتهية الصلاحية في بعض المستشفيات.

وكانت هذه الخدمات الأساسية متوفرة في البلاد، ولطالما عدّ قطاعا التعليم والصحة من الأفضل في البلاد، كما يقول رافد عبد العزيز، الذي يخصّص اليوم جزءاً من دخله من أجل ضمان تعليم وصحة أسرته. لدى عبد العزيز ثلاثة أولاد جميعهم في المرحلة الثانوية. يقول لـ "العربي الجديد" إنه كان ينوي إنجاب أطفال كثيرين ليعيشوا كما عاش هو. فعلى الرغم من إمكانيات والده المادية البسيطة، إذ كان موظفاً حكومياً، إلا أنه لم يواجه صعوبة في تعليم أبنائه وبناته مع ضمان حصولهم على أفضل الخدمات الصحية مجاناً.

تكتفي عائلات كثيرة بطفلين اليوم (سكوت بيترسون/ Getty)
باتت عائلات كثيرة تكتفي بطفلين (سكوت بيترسون/ Getty)

يتابع: "كان التعليم حقيقياً وجاداً ومجانياً ولا يكلف الأسرة أي مبلغ مالي. لم نكن نحتاج إلى الدروس الخصوصية والمعلمين الخصوصيين ودورات التقوية، وكانت المستشفيات والمراكز الصحية تقدم أفضل الخدمات وأرقاها مجاناً أو بأجور زهيدة جداً. وكان يمكن للمواطن شراء بيت بدعم حكومي وبقروض ميسرة الأمر الذي لم يعد متوفراً. أضطر إلى تعليم أولادي في مدارس خاصة وإلحاقهم بدورات تقوية بسبب سوء التعليم الحكومي. كما ألجأ إلى علاجهم في مستشفيات خاصة بسبب سوء الخدمات الصحية الحكومية. وهذا ما يجعلني أكتفي بأسرة صغيرة".  
وانطلاقاً من أنّه "ما أعز من الولد غير ولد الولد"، وهي مقولة قديمة تعبّر عن مدى حب الأجداد لأحفادهم، تحلم العائلات بأن تحاط بعدد كبير من الأحفاد. لكنّ الصعوبات المعيشيّة والضغوط الحياتية جعلتهم يتنازلون عن رغباتهم تلك حفاظاً على وحدة أسر أبنائهم وبناتهم.
في هذا السياق، يقول الحاج شاكر الحمامي، الذي بات في العقد السابع من العمر، إنه كان يتوقع أن يكون له أكثر من ثمانين حفيداً، هو الذي تزوج من امرأتين أنجبتا سبع بنات وثمانية صبيان. لكنه يوضح أن جميع أبنائه وبناته تزوجوا، ووصل مجموع أحفاده إلى ستة وثلاثين فرداً.
وعلى الرغم من أنّ رغبته لم تتحقق، يقول الحمامي إن "ديمومة الأسرة الصغيرة ونجاحها خير من أسرة كبيرة فاشلة"، مؤكداً في حديثه لـ "العربي الجديد" أنه لم يعد يشجع على تكوين أسر كبيرة. يضيف: "أنصح أولادي وبناتي بالابتعاد عن تكوين أسر كبيرة، بل جميع الأزواج أو المقبلين على الزواج اليوم. الحياة لم تعد سهلة كما كانت في أيام شبابنا". 

المساهمون