يُنفق العراقيون ملايين الدولارات شهرياً للحصول على مياه صالحة للشرب بسبب تلوث المياه التي تصل إليهم عبر شبكات المياه الحكومية، والتي يقول خبراء الصحة والسلامة في البلاد، إنها "غير آمنة للشرب"، وينبغي أن يقتصر استعمالها على التنظيف والاغتسال.
ويرجع المختصون ذلك إلى ارتفاع نسب التلوث في مياه نهري دجلة والفرات بشكل كبير بسبب كمية النفايات التي تخلفها المدن الكبيرة القائمة على ضفاف النهرين، فضلاً عن مخلفات المصانع التي تستخدم مواد كيميائية سامة، يتم طرحها في الأنهار من دون وجود رقابة حكومية، وسط عجز محطات التنقية عن فلترة وتعقيم المياه.
وتُقدر وزارة البيئة العراقية نسبة تلوث مياه الأنهار بنحو 90 في المائة بسبب صب مياه الصرف الصحي فيها من دون معالجة. وتؤكد خبيرة التلوث البيئي في الوزارة، إقبال لطيف، لـ"العربي الجديد"، أنه "بعد إجراء مجموعة من البحوث، تكشف أن مياه نهري دجلة والفرات، وكذا مياه بحر النجف، لا تصلح للاستخدام البشري. هذه النسبة من التلوث تجعلها خطرة على الصحة، وتزيد خطورتها في فصل الصيف بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي تزيد من تبخر الماء، وبالتالي تركيز المواد السامة فيه".
ويقول العراقي كاظم عطوان (50 سنة)، لـ"العربي الجديد"، إن "المياه التي تصل إلينا عبر الأنابيب الحكومية شديدة السوء، ولا تصلح حتى للاغتسال، إذ إنها عادة طينية، ولها روائح كريهة، وبالتالي لا يمكن استعمالها بأي شكل من الأشكال، ونضطر أحياناً إلى شراء كميات كبيرة من المياه للأغراض اليومية، إلى جانب مياه الشرب. أنفق قرابة دولارين يومياً لتأمين مياه الشرب، ويرتفع هذا المبلغ خلال فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية".
ويصل متوسط سعر عبوة المياه الصالحة للشرب ذات العشرة لترات إلى دولارين ونصف الدولار، ما يجعل أعداداً كبيرة من العراقيين الذين يعيشون أوضاعا اقتصادية متردية غير قادرين على تأمين المال للحصول على المياه النظيفة، ويضطرون إلى جلب الماء من الآبار والأنهار والبرك والمسطحات المائية التي غالباً ما تكون ملوثة.
وقد تكون مقار المؤسسات الحكومية على رأس أسباب تلوث المياه نتيجة تصريف عوادمها على امتداد طول الأنهار، خصوصاً المصانع والمستشفيات، وهذا الأمر لا يخفى على السلطات العراقية. يكشف وليد الموسوي، وهو مسؤول في وزارة البيئة، أن "الوزارة شخصت مساهمة بعض المؤسسات الحكومية في زيادة التلوث بمياه الأنهار، لما تطرحه من مواد سامة، ومن بينها مستشفيات مدينة الطب، وهي واحدة من المؤسسات التي تطرح عوالق الدم وأدوات العمليات الجراحية والكثير من النفايات في نهر دجلة، كما أن رمي النفايات من قبل المواطنين زاد بشكل كبير تلوث المياه، فضلاً عن تآكل شبكات ومنشآت مياه الشرب، كونها قديمة، وغالبية ما تم تشييده حديثاً تعطل بسبب تفشي الفساد الإداري والمالي المستشري في العراق".
وبحسب مختصين، فإن تلوث المياه ساهم بشكل كبير في انتشار الكثير من الأمراض والأوبئة، مثل الكوليرا والإسهال والتيفوئيد والتهاب الكبد الفيروسي، من دون أن يستبعدوا دورها في الإصابة ببعض الأمراض السرطانية.
ويكشف طبيب عراقي مختص بالأورام السرطانية، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، عن تسبب مياه نهري دجلة والفرات بارتفاع أعداد الإصابات بمرض السرطان، خصوصاً في العاصمة بغداد ومحافظة البصرة. مؤكداً أن هذا الأمر موثق من خلال الاطلاع على بيانات أعداد المرضى، والتي تؤكد أن المياه سبب أساسي في ذلك.
بدوره، يقول الناشط البيئي العراقي، عمر العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "العراقيين ينفقون شهرياً الملايين على شراء قناني المياه المعبأة محلياً، وتستهلك العائلة الواحدة يومياً عبوة مياه سعة 25 لتراً كمعدل متوسط، وهذا يعني إنفاق كل عائلة نحو دولارين ونصف الدولار يومياً، بمعدل 75 دولارا شهرياً، وإذا كانت 10 ملايين منزل تقريباً تعتمد على مياه الشرب المعبأة، فسيكون متوسط الإنفاق كبيراً لدرجة أنه يكفي لبناء محطة تصفية مياه في كل شهر، أو إنشاء عشرات المجمعات المخصصة لمعالجة مياه الصرف قبل طرحها في نهري دجلة والفرات"، معتبراً أن استهلاك المياه الحكومية بين العراقيين بات مقتصرا على العائلات الفقيرة، لذا فإن أكثر الإصابات بأمراض الكلى والتسمم التي تصل إلى المستشفيات من بين هؤلاء.