ما أن يحل فصل الشتاء حتى تتخذ الكثير من العراقيات تدابير لتحسين وضعهن المعيشي خصوصاً أن معظم من يقطن في القرى والأرياف وحتى أطراف المدن يعشن من غير مداخيل ثابتة، ما يدفعهن إلى البحث عن عمل يُحسّن الوضع الاقتصادي لأسرهن. وهناك إقبال كبير على بعض المأكولات التراثية في الشتاء، ما يدفع ربّات البيوت إلى استغلال الفرصة المتاحة لصنع وبيع أطعمة مثل دبس التمر الذي يصنعنه في موسم الخريف، ودبس الرمان وحلوى (المدكوكة) المصنوعة من التمر والسمسم، وأطعمة أخرى.
تقول أم منتظر (37 سنة)، وهي واحدة من مئات النساء اللواتي يبدأن عملهن منذ الصباح الباكر في صناعة دبس التمر ودبس الرمان والخل والزيتون وبعض المخللات والمدكوكة، لـ"العربي الجديد": "أصنع كمية كبيرة من الدبس والمخللات قد تبلغ مائة ليتر بحسب كمية التمر، وسعر الليتر يعادل 4 دولارات، وقد ترتفع او تنخفض بحسب نوع الدبس وطريقة تحضيره. وفي حال وضعه تحت أشعة الشمس كي يثقل قوامه، أو جرى غليه على النار يقل سعره".
تتابع أم منتظر التي تسكن في محافظة ديالى شمال شرقي بغداد: "توفر صناعة هذه الأطعمة دخلاً لأسرتي على مدار السنة، خاصة في الشتاء حين يزداد الإقبال على شراء دبس التمر الذي يدخل في العديد من المأكولات لا سيما الطحينية المعروفة محلياً باسم الراشي. والمبلغ الذي أجنيه من صناعة وبيع هذه الأطعمة وأخرى مثل المخللات، أعيل به أسرتي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تحيط بنا نحن أصحاب الدخل المحدود".
بدورها تعد أم يوسف أطعمة مختلفة منها التراثية ويُقبل عليها الناس في فصل الشتاء، وتقول لـ"العربي الجديد": "بدأت في إعداد الأطعمة قبل أكثر من سبعة أشهر، ولم أتوقع في البداية أن يكون الإقبال كبيراً عليها، ثم دفعني تشجيع الناس إلى الاستمرار في عملي والمشاركة في سوق خيري للأطعمة بمحافظة كركوك، ثم أنشأت صفحة على موقع فيسبوك، وبدأت أبيع الأطعمة، والآن زاد الإقبال على حلوى المدكوكة، وهي عبارة عن سمسم يجري دقه بعد تحميصه على النار، ثم يُضاف إليه التمر الزهدي ويتواصل الدق حتى تشكيل عجينة متماسكة ذات مذاق لذيذ وذات فائدة كبيرة لأنها صحية مصنوعة من المواد الطبيعية، وتعطي طاقة للجسم".
تضيف أم يوسف، وهي من سكان محافظة كركوك (شمال): "تعمل معي خمس نساء حين أتلقى طلبيات كثيرة، ونبيع كيلو المدكوكة بـ8 آلاف دينار (تعادل 6 دولارات)، كما نبيع خبز عروق الذي يعتبر من الأكلات التراثية، إضافة الى كباب الطاوة، وهي إحدى الاكلات الشعبية المنتشرة في شكل واسع. ونجد إقبالاً على هذه الأطعمة. كما زاد الترويج على فيسبوك عدد الطلبات اليومية، ما رفع دخلنا الشهري وساعدنا كثيراً في تحسين وضعنا الاقتصادي، الى جانب ما يحصل عليه زوجي من عمله اليومي".
من جهته، يًخبر علي سلطان (49 سنة) الذي يُقيم في ألمانيا، "العربي الجديد"، أنه اشترى خمسة ليترات من عسل التمر (الدبس) لعائلته التي تسكن خارج العراق، و"كلما أزور البلاد يطلبون مني أن أشتري أطعمة متعددة مثل دبس التمر ودبس الرمان والباميا العراقية المجففة وغيرها التي يختلف طعمها هنا عن كل بلدان العالم، لذا نحرص على إيجاد أفضل نوعية وأطيبها لأننا سنغادر بها خارج البلاد، ونقدمها لغير العراقيين أيضاً".
ورغم أن نسبة النساء في المجتمع العراقي تقارب 49 في المائة من إجمالي السكان، لكن فرصهن في سوق العمل ضئيلة. يشير مركز النهرين للدراسات والأبحاث الاستراتيجية إلى أن نسبة النساء العاملات تشكل نحو 29 في المائة من إجمالي العاملين في القطاع الخاص.
وكان البنك الدولي أكد في تقرير نشره سابقاً أن مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل منخفضة، وتشكل نسبة أقل من 15 في المائة. أما بيانات وزارة التخطيط العراقية فتشير إلى أن أقل من 8 في المائة من النساء المستعدات للعمل ينجحن في الحصول على عمل في وقت يسجل العراق رقماً قياسياً في غياب المساواة الجندرية، ويحتل ثاني أدنى مرتبة من بين 130 دولة في نسبة العمالة النسائية.
وبحسب مسح أعدّته منظمة العمل الدولية ونشرت نتائجه في يوليو/ تموز من عام 2022، "ثمّة 13 مليون امرأة في سنّ العمل" بالعراق، "ومع ذلك ثمّة مليون امرأة عاملة فقط". ويشير المسح إلى أنّ "نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة كانت منخفضة، إذ بلغت 10.6 في المائة مقارنة بـ68 في المائة للذكور".