باتت غالبية أعراس محافظة السويداء، جنوبي سورية، منقوصة الفرح بسبب غياب العرسان عن حضور أجمل أيام العمر، فمنذ اندلاع الثورة السورية نزح وهاجر وتشتت عشرات الآلاف، خاصة من الشبان الباحثين عن الأمان أو الهرب من التجنيد الإلزامي.
تقول العروس السورية "ج. س" لـ"العربي الجديد"، إن الوضع الحالي بات أشبه بـ"شحن العرائس". وتفسر: "لا حلول أمام العرسان سوى الاجتماع بعرائسهم في الغربة، وإقامة حفل زفاف من دون الأهل والأصدقاء في بلاد جديدة تتحول مع الزمن إلى وطن دائم بعدما استعصت بلادنا على أهلها، وانعدمت الحلول التي تجعل اللاجئين والمهاجرين يفكرون بالعودة".
تضيف الشابة السورية: "أتحضر حالياً لزفافي، وككل عروس، حاولت التأقلم مع متطلبات الرحلة، وجهزت نفسي كأني ذاهبة إلى زيارة لا عودة منها، فلا تجهيزات للعرس كما جرت العادة، ولا تخطيط لسهرة العروس، أو احتفال زفاف، كل ذلك مختصر، وسنكتفي بسهرة صغيرة بالزي العربي والأغاني بمصاحبة الدف. الأمر أقرب إلى الوداع منه للزفاف".
وتقول السورية أم طلعت: "الملفت أنه رغم القهر الذي يشعر به أهل العروس، هو الفرحة بالعروس الناجية من الوضع المأساوي الذي يعيشونه في سورية، والأمل أن تكون العروس مفتاحاً لأخريات ينتظرن نصيبهن لبدء حياة جديدة".
بدأت ظاهرة تزويج فتيات محافظة السويداء في منطقة الشوف اللبنانية قبل سنوات، وبات الأمر أشبه بالعادة، إذ وجد أبناء الطائفة الدرزية في لبنان حلاً لتوديع العزوبية عبر الزواج من شابات السويداء، كما وجدت عائلات السويداء فرصة لبناء حياة جديدة لبناتهن بعد عزوف الشبان في الداخل السوري عن الزواج.
يقول الإعلامي حمزة المعروفي، في حديثه مع "العربي الجديد"، إن "غالبية الشبان المتحدرين من محافظة السويداء هاجروا باتجاه أوروبا وأميركا اللاتينية وكندا، ومعظمهم عاشوا معاناة كبيرة قبل أن تستقر أحوالهم ويبدأوا العمل، وكانت الوحدة والحنين إلى الوطن من بين أكبر مشكلاتهم، فوجدوا في الزواج طريقة لكبح جماح التفكير بالعودة للوطن، خاصة أن من عادوا منهم ندموا أشد الندم، وهم يحاولون المغادرة من جديد".
يضيف المعروفي: "الفراغ الذي خلفته هجرة الشباب مخيف، وبدأت ملامحه تظهر على أرض الواقع. إلى وقت قريب كانت نسبة الذكور إلى الإناث شبه متقاربة، لكن تزايد الفارق عقب عام 2015، والذي يسمى (عام الهجرة) حسب توصيف المرصد الحضري لمحافظة السويداء، وهو جهاز رسمي يهتم بإحصاء السكان، ودائماً ما تكون أرقامه شبه حقيقية. غياب الإحصاءات الدقيقة لأعداد المهاجرين، وما ترتب على الهجرة من زيادة نسب الإناث مقارنة مع الذكور، هو أمر مقصود من قبل الجهات الحكومية التابعة للنظام السوري، التي تسرق المساعدات الأممية التي تصل إلى السوريين بزعم توزيعها على الملايين، مع ترويجها لوجود 28 مليون سوري في الداخل".
ويضرب أحد الباحثين في مجال السكان مثالاً على تزوير الأرقام من قبل مؤسسات النظام، مؤكداً أن "مديرية النفوس في محافظة السويداء تقول إن عدد سكان المحافظة بلغ في عام 2018 ما يزيد عن 600 ألف نسمة، في حين ذكر المرصد الحضري أن العدد لا يتجاوز 400 ألف، جلهم من الإناث وكبار السن، وقد كشف محافظ السويداء بسام بارسيك، في نهاية العام الماضي، أن عدد سكان المحافظة لا يتجاوز 300 ألف نسمة".
ويضيف الباحث الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن "النسبة الجندرية تبلغ سبعة إناث إلى ذكر واحد، وهي في تصاعد، وعليه فإن الإناث يقبلن بأي فرصة للزواج، في الداخل أو الخارج، حتى لو تم التعارف عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم أن إمكانية عدم الانسجام والتفاهم عقب الزواج كبيرة، لكن المهم أن تضمن العروس مكاناً في المهجر".
ويقول الشيخ سليمان عبد الباقي، لـ"العربي الجديد"، إن "من فوائد الزواج من دون وجود العريس توفير النفقات، كما أنه يضمن استمرار ارتباط الشباب بالداخل، ويحقق رغبة الجميع في الإنجاب واستمرار النمو السكاني، وتذهب تكاليف الزفاف في العادة للفقراء والأرامل، وهناك فوائد عدة، فالمجتمع بحاجة إلى التجديد بعدما باتت أرقام الطلاق تتغلب على أرقام الزواج، كما أن تلك الظاهرة تعيد للمجتمع بعض الحيوية، حتى لو كانت وجهة العروس إلى الخارج".