عالم الجريمة إلى الريف الجزائري

18 مارس 2022
الجريمة تتمدد إلى الريف الجزائري (بلال بن سالم/ Getty)
+ الخط -

عرفت المناطق الريفية في الجزائر تمدداً وانتشاراً لافتاً للجريمة والآفات الاجتماعية السيئة في السنوات الأخيرة، بعدما كانت تعرف بالأمن والهدوء، بتأثير طبيعة العلاقات الاجتماعية والتقاليد التي تميزها مقارنة بالمدينة. هذا التطور ارتبط بأسباب وخلفيات عدة يتعلق بعضها بتغيّر في ديمغرافيا الريف وحدوث هجرة عكسية من المدن الى القرى، ما أثّر على نسيج العلاقات، وسمح بتمدد الجريمة من المدينة الى الريف. لم يعد مجتمع الريف الجزائري آمناً بالشكل الذي كان عليه سابقاً، بعدما طفت إلى السطح مظاهر الجريمة بكل أنواعها، فالريف الذي ظل متماسكاً لعقود طويلة من الزمن بات عرضة لجرائم القتل والسرقة وتجارة المخدرات والمهلوسات وحوادث السرقة واستخدام الأسلحة البيضاء. وهذه المظاهر لم يشهد الريف الجزائري مثيلاً لها في السابق، حين كان يتميز ببنية اجتماعية تحفظ الهدوء والاستقرار والطمأنينة، بخلاف المناطق الحضرية التي تميزت بتعقيدات الحياة والضغوط اليومية والمشاكل، وتعرف أيضاً باحتضانها تركيبة اجتماعية متزعزعة نتيجة التنوع في خصوصيات المجموعات البشرية التي تقطن فيها، وطبيعة المدينة التي تفرض نمطاً معيشياً معيناً يزيد الضغوط النفسية، ويؤدي في نهاية المطاف الى سلوكيات سلبية وارتكاب جرائم.
وفيما جمعت اللحمة الاجتماعية الكبيرة أفراد المجتمع الريفي حتى العقود الماضية، ومنعت حصول هذا النوع من الجرائم، تعطي متابعة بسيطة لأخبار الجرائم وحوادث السرقات وغيرها، فكرة واضحة عن تحولات لافتة في السياق. وبات سكان القرى في ولايات كثيرة يستفيقون أحياناً على وقع جرائم قتل أو سرقة ومظاهر أخرى ترتبط في مجملها بالإدمان على المخدرات أو محاولات لسرقة منازل وأموال أو تنفيذ عمليات انتقام تحت وطأة ضغوط نفسية كبيرة تنتج من مشاكل عائلية.
في قرية لعبانة بريف محافظة معسكر غربي الجزائر، ارتكبت في وقت سابق من مارس/ آذار الجاري جريمة مروعة ذهبت ضحيتها طفلة في التاسعة من العمر تدعى رفيدة، والتي عثر عناصر الأمن على جثتها تحت ردم ترابي في موقع محاذٍ للقرية. 
وفي محافظة تيبازة غربي العاصمة الجزائرية، حققت قوات الدرك الوطني بقضايا إجرامية عدة شهدتها التجمعات السكنية الريفية في فبراير/ شباط الماضي، بينها توقيف خمسة أشخاص بتهمة اغتصاب قاصر، وتسليم مؤثرات عقلية لقاصر في قرية السعيدية، وسرقة مواش ورؤوس أغنام. كما اعتقل أفراد في شبكة متخصصة بالسرقة والسطو على المنازل في قرى ببلدة سيدي بوفاضل قرب منطقة حجوط، وأوقف أعضاء في شبكة أخرى نفذت عمليات للسطو على منازل في قرية الدومية.
وتكشف دراسات أمنية أجراها جهاز الدرك الوطني وسلط فيها الضوء على المناطق الريفية، أن الشبكات الإجرامية باتت تنشط في الأرياف في شكل مقلق، "ما يهدد بتدمير البيئة الاجتماعية للمجتمع الريفي، خاصة من خلال تجار المخدرات الذين يتخذونها معبراً آمناً لنشاطاتهم بعدما وجهت الشرطة إليهم سلسلة ضربات متتالية داخل المناطق الحضرية، وضيقت الخناق على نشاطاتهم فيها.

كما باتت العصابات الإجرامية تستدرج شباباً من سكان الأرياف للمساهمة في ترويج المخدرات، والدخول في عالم الربح السريع التي تقدم لهم إغراءات لدخوله بدلاً من البقاء مقيدين بالحرف القديمة في المحيط الريفي، مثل الزراعة والبناء والرعي وتربية المواشي، ما يفسّر تنامي الاعتداءات والسرقات لتوفير المال من أجل شراء المخدرات وأقراص الهلوسة. ويثير ذلك خوف وقلق العائلات التي تقطن في القرى".
يؤكد حميد عواد الذي يسكن في قرية تتبع بلدة المعايف، وادي جر غربي العاصمة الجزائرية لـ"العربي الجديد" أن "الريف عرف الهدوء والأمن نتيجة الترابط العائلي بين السكان، لكن توجه السلطات في الفترة الأخيرة إلى بناء مجمعات سكنية وأحياء جديدة في الريف أحدث اختلاطاً وتغييراً في تركيبة سكان القرى الريفية، وقد بدأنا نسمع بحوادث ندر حصولها في الأرياف".

شبكات إجرامية تنشط في الأرياف (بلال بن سالم/ Getty)
شبكات إجرامية تنشط في الأرياف (بلال بن سالم/ Getty)

ويعتبر دارسون لتطور الجرائم في الريف الجزائري، أن "ضعف التغطية الأمنية بسبب تفرّق التجمعات السكنية الريفية فيه يصعّب مهمات أجهزة الأمن والدرك، ويمثل أحد عوامل تسهيل انتشار الجريمة وتنويعها. كما يساهم الاحتكاك بالعصابات الإجرامية التي تتواجد في الأحياء الشعبية والتجمعات السكنية وتقليدها بعضها البعض في ظهور عصابات أخرى على مستوى التجمعات السكنية الريفية التي ترتكب مختلف أنواع الجرائم".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ويعتبر الأستاذ المتخصص في علم اجتماع الجريمة بجامعة تيبازة قرب العاصمة الجزائرية، عبد القادر بوكابوس، أن فقدان طبيعة الحياة الاجتماعية الريفية يسهّل انتشار الجريمة في هذا الوسط، ويقول لـ"العربي الجديد": "ظهور الانحرافات في الوسط الريفي يعود إلى فقدان السكان طبيعة حياتهم الاجتماعية المحافظة بسبب احتكاكهم بسكان المدن وتقليدهم في أسلوب حياتهم التي تنشد الاستقلالية الفردية وحرية التصرف. وقد أضعف ذلك روابط العلاقات الاجتماعية بين أفراد العائلات وفككها، ما زاد ظهور الانحرافات في أوساطها، ومنها العنف والجريمة. كما انعكس تسييج الأراضي الزراعية واستغلال المهاجرين السرّيين الأفارقة في العمل سلباً على شباب المناطق الريفية الذين كانوا يمتهنون الرعي ويعملون في الفلاحة، ما عقّد حياتهم وجعلهم يعيشون في فراغ عرضهم لآفات اجتماعية وانحرافات وجرائم".

المساهمون