تنبّأت عالمة الأوبئة البيئية والتناسلية في كلية الطب في إيكن بماونت سيناي في نيويورك، شانا سوان، بإمكانية انتهاء الجنس البشري قريباً. وبنت نظريتها انطلاقاً من تزايد المواد الكيميائية المسببة لاضطراب الهرمونات التي تقضي على الخصوبة بمعدل يُنذر بالخطر في جميع أنحاء العالم، بحسب ما جاء في تقرير صادر في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية.
ونقلت الصحيفة عن كتاب بعنوان "العد التنازلي"، للكاتبة سوان، أنّ "نهاية الجنس البشري باتت أقرب مما نعتقد، لأن عدد الحيوانات المنوية قد شهد انخفاضاً حاداً بنسبة 60% تقريباً منذ عام 1973. وبعد المسار الذي نسير فيه، تشير أبحاث سوان إلى إمكانية انخفاض الحيوانات المنوية إلى الصفر بحلول عام 2045! بحسب ما تقدّر كاتبة مقال "ذا غارديان" بناء على دراسة سوان. ما يعني أن إمكانية التوقف عن الإنجاب باتت قريبة جداً. وبحسب الطبيبة، فإن الوصول إلى هذه المرحلة يعني أيضاً لا إمكانية حتى إلى اللجوء للاستنساخ. وتسأل الطبيبة في هذا الصدد عن عدم عقد الأمم المتحدة اجتماعات طارئة لمعالجة هذا الشأن؟
وفي السياق، أوضحت مجلة علمية أميركية "سينتيفيك أميركان"، اعتمدت على كتاب سوان، أن "معدلات الإنجاب بدأت تنخفض بنسبة 1 في المائة، وبحسب التقرير، يشمل "تأثير 1 بالمائة" معدلات انخفاض عدد الحيوانات، وخفض مستويات هرمون التستوستيرون وزيادة معدلات الإصابة بسرطان الخصية، فضلاً عن ارتفاع معدل انتشار ضعف الانتصاب.".
على الجانب الأنثوي من المعادلة، تزداد معدلات الإجهاض أيضًا بنحو 1 في المائة سنويًا في الولايات المتحدة وكذلك معدل تأجير الأرحام. وفي الوقت نفسه، انخفض معدل الخصوبة الإجمالي في جميع أنحاء العالم بنحو 1 في المائة سنويًا من 1960 إلى 2018.
ووفقًا للمصدر نفسه، فإنه "عندما يسمع الناس عن هذا، غالبًا ما تكون هناك غريزة طبيعية لتجاهله، معتقدين أن 1 في المائة سنويًا ليس بالأمر المهم حقًا. لكنه أمر يدعو فعلًا إلى القلق، فهذه النسبة تضيف ما يصل إلى أكثر من 10 بالمائة لكل عقد وأكثر من 50 بالمائة على مدار 50 عامًا".
وبحسب سوان، فإن المواد الكيميائية المسؤولة عن هذه الأزمة موجودة في كل شيء من العبوات البلاستيكية وأغلفة الطعام، وصولاً إلى الملابس المقاومة للماء والعطور في منتجات التنظيف، والصابون والشامبو، والإلكترونيات وحتى السجاد، أي باختصار هي موجودة في كل تفاصيل حياتنا اليومية. وهذه المواد الكيميائية يُعرف بعضها، باسم "المواد الكيميائية إلى الأبد"، لأنها لا تتحلل في البيئة أو في جسم الإنسان، بل تتراكم وتتراكم وتحدث المزيد والمزيد من الضرر، ولذا يبدو أن الإنسانية تقترب من نقطة الانهيار.
نتائج استثنائية
تصف صحيفة "ذا غارديان" كتاب سوان بالمذهل في نتائجه. إذ تقول سوان: "في بعض أنحاء العالم، يكون متوسط عمر المرأة في العشرينيات من العمر أقل خصوبة مما كانت عليه جدتها في سن الخامسة والثلاثين". بالإضافة إلى ذلك، ترى سوان أنه في المتوسط سيكون لدى الرجل اليوم نصف الحيوانات المنوية التي يمتلكها جده. وتضيف: "لا يمكن أن تستمر الحالة الحالية للشؤون الإنجابية لفترة أطول دون تهديد بقاء الإنسان، ومن هنا ترى سوان بأننا (البشرية) بدأنا نعاني من أزمة وجودية عالمية".
كذلك وجد بحث سوان أن هذه المواد الكيميائية لا تقلل بشكل كبير من جودة السائل المنوي فحسب، بل إنها تعمل أيضاً على تقليص حجم القضيب وحجم الخصيتين، هذا ليس أقل من حالة طوارئ واسعة النطاق للبشرية.
يعكس كتاب سوان الأبحاث السابقة، التي وجدت أن تراكم المواد الكيميائية يضر بإنتاج الحيوانات المنوية، ويعطل هرمون الذكورة، ويرتبط بـ "انخفاض جودة السائل المنوي، وحجم الخصية وطول القضيب". هذه المواد الكيميائية تربك أجسادنا حرفياً، بحسب وصف الطبيبة.
بالنظر إلى كل ما نعرفه عن هذه المواد الكيميائية، يثار السؤال عن أسباب عدم قيام المنظمات والسلطات حول العالم بأي إجراءات للحد من أثرها. في الوقت الحالي، هناك خليط تافه من التشريعات غير الكافية التي تستجيب لهذا التهديد، ولكن تختلف القوانين واللوائح من بلد إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، فإن الاختلاف يقع من ولاية إلى أخرى.
فرض الاتحاد الأوروبي قيوداً على العديد من المواد الكيميائية الموجودة في الألعاب، ووضع قيوداً عليها؛ التي اعتبرها "سامة للتكاثر"، بمعنى أنها تضر بالقدرات الإنجابية للإنسان، في إنتاج الغذاء.
في الولايات المتحدة، وجدت دراسة علمية أن التعرض لهذه المواد بات "واسع الانتشار" عند الرضع، وأن المواد الكيميائية وجدت في بول الأطفال الذين لامسوا شامبو الأطفال والمستحضرات والمساحيق، ومع ذلك، لا يزال هناك نقص في التنظيم الصارم، لأسباب ليس أقلها الضغط من قبل عمالقة الصناعة الكيميائية.
في ولاية واشنطن، تمكن المشرعون من تمرير قانون يعرف باسم "منع التلوث لمستقبلنا"، والذي "يوجه وكالات الدولة إلى معالجة فئات من المواد الكيميائية".
وبحسب لوائح الولايات المتحدة، تشمل الفئات الكيميائية الأولى التي يجب التوقف عن استخدامها في المنتجات ما يعرف بـ PFAS، و PCBs، و alkyphenol ethoxylate و bisphenol compounds، لأنها مواد شديدة التسمم. واتخذت الولايات المتحدة العديد من الخطوات المهمة لمعالجة مدى التلوث الكيميائي، ولكن بشكل عام، تخوض الولايات المتحدة، مثل العديد من البلدان الأخرى، معركة خاسرة بسبب التشريعات الضعيفة وغير الملائمة.
وفي الأسبوع الماضي، نصح المئات من السكان الذين يعيشون بالقرب من قاعدة لوك الجوية في أريزونا بعدم شرب المياه المحلية، عندما كشفت الاختبارات عن مستويات عالية من المواد الكيميائية السامة في المياه. ووجد العلماء هذه المواد الكيميائية في دماء جميع الأشخاص بسبب تناولهم المياه.
لا يوجد بلد أو منطقة على وجه الأرض بمنأى عن تلوث المواد الكيميائية، إنها مشكلة عالمية. تم العثور على PFAS؛مادة كيميائية خطيرة، في كل ركن من أركان العالم؛ توجد في الأسماك في أعماق البحر والطيور التي تحلق عالياً في السماء.
تشوهات عضوية
وبحسب الدراسة المنشورة على موقع Scientific Americanيعد التعرض لهذه المواد الكيميائية مشكلة خاصة أثناء الحمل على سبيل المثال، إذ يمكن لتعرض الأم الحامل للمواد الكيميائية السامة في الهواء الذي تتنفسه، والمياه التي تشربها، والأطعمة التي تتناولها والمنتجات التي تقطعها على جلدها أن تدخل جسدها (وبالتالي الجنين) وتؤثر على نمو طفلها التناسلي. هذا صحيح بشكل خاص في وقت مبكر من الحمل - في ما يسمى نافذة البرمجة الإنجابية - وينطبق بشكل خاص على الأطفال الذكور.
على سبيل المثال، إذا تعرضت المرأة لمواد كيميائية تمنع عمل الأندروجينات خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، فقد يؤثر ذلك على التطور التناسلي للجنين الذكر بعدة طرق. يمكن أن يؤدي إلى تقصير المسافة الشرجية التناسلية (AGD)، والمدى من فتحة الشرج إلى قاعدة القضيب، وهو أمر مهم لأن الأبحاث أظهرت أن AGD الأقصر يرتبط بقضيب أصغر، وعند البلوغ، يكون عدد الحيوانات المنوية أقل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي اضطراب النظام الهرموني الذكري قبل الولادة إلى انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون وزيادة خطر إصابة الطفل بالخصيتين المعلقتين (الخصيتين الخفيتين) أو نوع معين من القضيب المشوه، وإذا ولد مصابًا بهذه العيوب التناسلية، فسيكون لديه خطر متزايد من انخفاض عدد الحيوانات المنوية وسرطان الخصية كشخص بالغ.