عائلات بريطانية تواجه صعوبات بتأمين وجبة غداء أبنائها في المدارس

16 ديسمبر 2022
تلاميذ بريطانيون صغار يستفيدون من وجبة الغداء في كافيتيريا مدرستهم (دانيال ليل/فرانس برس)
+ الخط -

إنّه وقت الظهيرة في كافيتيريا مدرسة "سانت ماري" الابتدائية في لندن. يصل التلاميذ مرتدين زيّهم الأزرق في طوابير. وبينما يُحضر بعضهم الطبق اليومي المؤلّف من الدجاج والخضروات ويجلسون حول طاولات بلاستيكية، يتناول آخرون وجبة باردة أحضروها من منازلهم.

ويرتاد هذه المدرسة الواقعة في جنوب لندن عدد كبير من الأطفال المتحدّرين من أسر فقيرة، فيما يستفيد نصف تلاميذها من وجبة مجانية في مقصفها، بتمويل من الحكومة. لكنّ الأسر لم تعد كلّها تستوفي الشروط المطلوبة لهذا الامتياز، وبالتالي فإنّ ثمّة آباء يواجهون في خضمّ الأزمة الاقتصادية بالبلاد صعوبات لدفع 2.40 جنيه إسترليني (2.92 دولار أميركي)، لقاء حصول أبنائهم على وجبة غداء.

تلاحظ نائبة مدير مدرسة "سانت ماري" كلير ميتشل "تدهوراً" في الوضع المعيشي للأسر منذ انتشار أزمة كورونا الوبائية، ليزداد الوضع سوءاً مع أزمة الغلاء التي تواجهها بريطانيا، وتقول إنّ "أفراداً في الأسر خسروا وظائفهم أو خُفّضت ساعات عملهم (...) وفي مدينة مثل لندن حيث تشهد الأسعار ارتفاعاً مستمراً، باتت هذه العائلات غير قادرة على تغطية نفقاتها". وتلامس نسبة التضخم في بريطانيا 11 في المائة، فيما يطاول ارتفاع الأسعار الأكبر فواتير الطاقة والمواد الغذائية.

وتنقل وسائل إعلام بريطانية قصصاً من مختلف أنحاء البلاد عن مدرّسين وحتى أطفال يتقاسمون وجباتهم مع تلاميذ آخرين علب أطعمتهم شبه خالية. وتشير وسائل إعلام أخرى إلى أنّ عدداً من الأطفال يختبئون لعدم إظهار شعورهم بالخجل. وتوضح ميتشل أنّ لمدرسة "سانت ماري" بنك طعام خاصاً بها، مشيرةً إلى ازدياد عدد الآباء الذين يطلبون ارتياده للاستفادة من فضلات الأطعمة.

وتدرك ميتشل جيداً أنّ الآخرين يخفون الصعوبات المالية التي يعانون منها لأسباب مرتبطة بكراماتهم أو خشية من الوصمة الاجتماعية، تضيف باستياء: "نعيش في إحدى أكثر المدن ازدهاراً في العالم. هذا مثير للصدمة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويمتنع ملايين البريطانيين عن استخدام وسائل التدفئة أو تناول الطعام بكميات مناسبة، حتى أنّهم "يحذفون وجبات" في خلال اليوم، وليس الأطفال في منأى عن هذه التدابير، بحسب ما تظهر دراسات عدّة.

وفي هذا الإطار، تشير جمعية "ذي ساتن تراست" الخيرية التي أعدّت استطلاعات رأي شملت مجموعة من المدرّسين، إلى أنّ عدد الأطفال الذين لم تعد أسرهم قادرة على دفع تكاليف الغداء في مدارسهم ارتفع في نصف مدارس إنكلترا الرسمية، وسط الأزمة المعيشية.

وتوضح مؤسِّسة جمعية "سكول فود ماترز" ستيفاني سلاتر لوكالة فرانس برس أنّه "يتوجّب على الأسرة أن يكون مدخولها السنوي 7400 جنيه (نحو 9015 دولاراً) سنوياً كحدّ أقصى، مع زيادة المساعدات الاجتماعية، لتُتاح لها الاستفادة من الوجبات المجانية في المدرسة"، مشيرة إلى أنّ هذا الرقم منخفض جداً وتحديداً للعائلات التي تضمّ أفراداً كثراً. وتبيّن جمعية "تشايلد بوفرتي أكشن غروب" هنا أنّ 800 ألف طفل فقير في إنكلترا غير مؤهّلين للاستفادة من وجبات مجانية في مدارسهم، بسبب هذه المعايير. وبالتالي تطالب جمعيّتا "تشايلد بوفرتي أكشن غروب" و"سكول فود ماترز" بأن تصير وجبات الغداء في المدارس الرسمية البريطانية مجانية، "من قبيل ما هو مُعتمَد في بعض الدول الأوروبية مثل فنلندا".

في سياق متصل، منذ نحو ثلاثة أعوام، يشنّ نجم كرة القدم الإنكليزي ماركوس راشفورد والمغني زين مالك اللذان استفادا من وجبات مجانية عندما كانا صغيرَين، حملة مناهضة لحكومتَي بوريس جونسون وريشي سوناك. وبالفعل فقد ساهما بذلك في إثارة قضية الوجبات المجانية في المدارس لدى الرأي العام، ونجحا في جمع تبرّعات في هذا الإطار.

أمّا رئيس بلدية لندن الذي يستحوذ على سلسلة متاجر "تيسكو" الشهيرة، فطالب مثل كثيرين بتغيير المعايير المطلوبة ليستفيد التلاميذ من وجبات مجانية، أو حتى توفير وجبات مجانية للجميع في المدارس الابتدائية الرسمية.

من جهتهما، تتّجه ويلز واسكتلندا نحو اعتماد هذا الحلّ، فيما ظهرت داخل أحياء في لندن مبادرات تهدف إلى تمويل وجبات الغداء المجانية. لكنّ حكومة ريشي سوناك لا تُبدي أيّ تجاوب في ما يتعلق بهذا الموضوع. وتقول متحدثة باسم الحكومة لوكالة فرانس برس إنّ "أكثر من ثلث التلاميذ في إنكلترا يستفيدون من وجبات مجانية (...) ونعمد إلى توسيع برنامج الفطور المدرسي مع تخصيص 30 مليون جنيه (نحو 36 مليوناً و545 دولاراً) له".

ويلفت متخصصون في المجال إلى أنّ ارتياد التلاميذ مدارسهم وهم يشعرون بالجوع قد تترتّب عنه مشكلات دائمة. وتقول ميتشل إنّ "ثمّة عوامل عدّة بالتأكيد تجعل التلاميذ يواجهون صعوبات في المدارس، إلا أنّ الجوع يؤدّي دوراً كبيراً لدى مَن يعانون مشكلات في التركيز، إذ إنّه قد يمنعهم من استخدام قدراتهم ويحدّ تالياً من فرصهم المستقبلية".

(فرانس برس)

المساهمون