طلبة غزة... مخاوف من خسارة سنة دراسية ثانية

07 سبتمبر 2024
تلاميذ يناشدون العودة إلى المدرسة في خانيونس (بشار طالب/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تأثير الحرب على التعليم في غزة**: الحرب المستمرة تسببت في غياب آلاف التلاميذ عن مدارسهم، استشهاد أكثر من 9 آلاف طالب، ونزوح عشرات الآلاف، مما أدى إلى ضياع سنة دراسية كاملة.

- **مبادرات التعليم الإلكتروني والتحديات**: أطلقت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية موقعاً إلكترونياً لتسجيل طلاب غزة في مدارس افتراضية، لكن نقص الكهرباء والإنترنت وتدمير البنية التحتية تعيق التنفيذ الفعال.

- **قصص من الواقع وتأثير الحرب على الأطفال**: قصص مثل أحمد وصلاح الدين وبتول تعكس معاناة الأطفال في غزة، حيث اضطروا للعمل أو النزوح، مما يبرز التحديات النفسية والاجتماعية التي تواجههم.

يغيب الآلاف من تلاميذ قطاع غزة عن مدارسهم منذ 11 شهراً هي عمر العدوان الإسرائيلي، وبعد ضياع سنة دراسية كاملة، تبدأ سنة دراسية ثانية لا يعرف مصيرها عندهم في ظل استمرار الحرب.

في الأوضاع العادية، يفترض أن يتوجه أكثر من 600 ألف طالب إلى مدارسهم في قطاع غزة خلال هذه الأيام، لكن هذا غير ممكن، فأكثر من 9 آلاف منهم أصبحوا شهداء، والمئات غيرهم في عِداد المفقودين، وعشرات الآلاف منهم صاروا نازحين مع عائلاتهم بعيداً عن أماكن سكنهم في جميع محافظات القطاع. 
يجوب الآلاف من هؤلاء الأطفال واليافعين شوارع القطاع يومياً بحثاً عن الغذاء والماء، ويصطفون في طوابير التكايا الخيرية وشاحنات توزيع المياه، كما تحول بعضهم إلى باعة متجولين لكسب قوت يومهم، أو لتوفير احتياجات عائلاتهم بعد استشهاد الآباء أو الإخوة الأكبر سناً، ليصبحوا المعيل الرئيسي.
وأطلقت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، موقعاً إلكترونياً لتسجيل طلاب غزة في جميع المراحل التعليمية لمواصلة التعلم في مدارس افتراضية (تعليم إلكتروني). وقالت الوزارة في بيان: "انسجاماً مع تأكيد استئناف العملية التعليمية لإنقاذ العام الدراسي المنصرم، ومن ثم بدء العام الجديد، نأمل من طلاب غزة الموجودين داخل القطاع حالياً التسجيل (...) تمهيداً لإطلاق المدارس الافتراضية، ضمن سلسلة التدخلات المنتظر البدء بها بالتزامن مع بدء العام الدراسي الجديد بالمحافظات الشمالية (الضفة الغربية)".
غير أن هذه الخطوة يعترضها الكثير من التحديات، أبرزها توفر الكهرباء والإنترنت، خاصة مع نزوح نحو 85% من سكان قطاع غزة، وتدمير البنية التحتية للاتصالات والكهرباء، وغياب البدائل الحقيقية، وتحول ما تبقى من مدارس إلى مراكز إيواء للنازحين.
نزحت شروق الزبن من مدينة غزة إلى منطقة المواصي غربي محافظة خانيونس، وهي تعيش حسرة الفقد نفسها، إذ كانت في مثل هذه الفترة من كل عام تصطحب أولادها لشراء القرطاسية وملابس المدرسة والحقائب، لكنها اليوم تبيت في خيمة مع أطفالها، متعبة من الحرب وطول أمدها.
تقول الزبن لـ "العربي الجديد": "كنا نعيش بهجة بدء العام الدراسي، وينام الأولاد باكراً كي يستيقظوا صباحاً في موعد المدرسة، ونعد لهم السندويتشات ليأخذوها معهم، ثم نستقبلهم عندما يعودون من المدرسة بلهفة، ونضع لهم نظاماً يشمل تخصيص وقت للعب وآخر للدراسة. لدي ثلاثة أطفال، وأصغرهم يحلم أن يأتيه باص الروضة، حتى إنه كثيراً ما يرتدي الحقيبة، ويقول لي إنه ذاهب إلى الروضة، وابنتي تحب المدرسة كثيراً، أما ابني الكبير فكان يحب المشاركة في الأنشطة الرياضية في المدرسة. حرم أبنائي من التعليم ليس بسبب الحرب".

تحول ما لم يدمره الاحتلال من مدارس في غزة إلى مراكز لإيواء النازحين

على شاطئ البحر، يتجول الطفل أحمد (12 سنة) حاملاً صندوقاً بلاستيكياً ليبيع قطعاً من الحلوى تحت أشعة الشمس الحارقة، محاولاً العودة ببعض النقود لإعالة أسرته، وهو واحد من آلاف الأطفال الذين يجوبون الشوارع لبيع الحلوى أو المسليات، أو يعملون في بسطات لبيع الخضروات والمواد الغذائية.
يقول الطفل الذي غيرت الشمس لون بشرته لـ "العربي الجديد": "أبي مريض ولا يستطيع العمل، ما اضطرني إلى بيع الحلوى التي تعدها أمي. أخرج في الصباح ولا أعود إلا بعد بيع كل ما أحمله، أو أعود بالبقية عند المغرب. أعرف أن الموسم الدراسي بدأ، وقد كنت متفوقاً في دراستي، وكنت أنتظر المدرسة بشغف، لكني نسيت المدرسة، ونسيت زملائي، ولا أعرف أين هم الآن، فبعضهم شهداء والبعض لا يزالون أحياء".

يخشى كثيرون من ضياع العام الدراسي الثاني (هاني الشاعر/الأناضول)
يخشى كثيرون من ضياع العام الدراسي الثاني (هاني الشاعر/الأناضول)

يرتدي الطفل صلاح الدين الخوالدة (10 سنوات) قميصاً مدرسياً أزرقَ، ويجلس بجوار والده في المقعد الأمامي للسيارة، لكنه ليس ذاهباً إلى المدرسة، وإنما يرافق والده للتسوق، وقد ارتدى ملابس المدرسة بسبب عدم وجود ملابس غيرها. يعتبر والده نهاد الخوالدة أن عدم التحاق أولاده بالمدارس "كارثة"، ومقدمة لحرمان لجيل كامل من التعليم، خاصة أن الأهالي لا يستطيعون مساعدة أطفالهم كثيراً بالتعليم داخل خيام النزوح.
يقول الوالد لـ "العربي الجديد": "حاولنا تعليم الأطفال في الخيام، لكن الأمر صعب، فليس لديهم تقبل بسبب أوضاع الحرب والنزوح، ما يمنعهم من التعاطي معنا، ومبادرات إنشاء مدارس وسط مخيمات النزوح لم تنجح سوى مع مرحلة رياض الأطفال لأن المراحل الأخرى تتطلب نظاماً تعليمياً متكاملاً. لديَّ ابنان يفترض أن يكونا في المرحلة الثانوية، وآخران في المرحلة الابتدائية، وأقف عاجزاً عن مساعدتهم، بينما أرى ضياع مستقبلهم التعليمي مع غياب أي حلول مجدية".

عقبات تعترض مبادرة وزارة التعليم الفلسطينية لتسجيل طلاب غزة

يضيف وهو يشير إلى طفله صلاح الدين، والمفترض أن يكون في الصف السابع، إنه "منذ أزمة فيروس كورونا لم يدرس سوى ثلاث سنوات، بينما ابنتي التي يفترض أن تكون في الرابع الابتدائي لم تدرس فعلياً سوى في الصف الأول. أحاول قدر المستطاع مساعدتهم بتوفير الكتب الدراسية للمواد الأساسية كالرياضيات واللغة العربية واللغة الإنكليزية، لكن تجاوز العامل النفسي حالياً صعب، كون المسببات لم تنته، ونحتاج إلى وقف الحرب، فلا يمكنك أن تطلب من الطفل التركيز على التعلم في ظل حالة من الخوف المستمر، والنزوح المتكرر. أعتقد أن التعليم من بعد يمكن أن يكون حلاً مؤقتاً، لكن ينبغي أولاً توفير شبكات اتصال وإنترنت جيدة".
بدورها، ترفض الطفلة بتول الأسطل (10 سنوات) الانخراط في مدارس مخيمات النزوح، رغم تفوقها الدراسي السابق، إذ تفضل البقاء برفقة أمها، وتسيطر عليها مشاعر الفقد منذ استشهاد والدها. تقول أمها هبة الأسطل لـ "العربي الجديد: "لدي أربعة أولاد، وصل أحدهم إلى الجامعة، ولا أستطيع فعل شيء لهم بعدما تفوقوا في دراستهم، وحفظوا القرآن الكريم. يجب أن تجد الجهات المعنية حلاً، ولا يمكن أن يبقى الوضع هكذا، وتضيع السنوات عليهم".

مدارس مخيمات النزوح ليست بديلاً مناسباً (هاني الشاعر/الأناضول)
مدارس مخيمات النزوح ليست بديلاً مناسباً (هاني الشاعر/الأناضول)

ويعيش المعلمون مشاعر الحزن ذاتها التي تخيم على الطلاب وعائلاتهم. يقول معلم التربية الإسلامية، سليمان عمران، لـ "العربي الجديد": "يعتصرنا الألم بسبب الكارثة الكبيرة التي أصابتنا، فالتعليم أساس التطور والنهضة، ويجب أن توفر الجهات المختصة حلاً عاجلاً وناجعاً، وأنصح الأهالي بتحفيظ أبنائهم القرآن، وتأسيس الطلاب الصغار عبر مساعدتهم على تركيب الجمل، وتعلم القراءة، وتنمية مهاراتهم الأساسية".
ينخرط حذيفة أبو جزر (12 سنة) في العام الدراسي الجديد بإحدى مدارس قطر بعد تعافيه من إصابة تعرض لها خلال قصف منزله بمحافظة رفح، فجر 12 فبراير/ شباط 2024، استشهدت فيه توءمه جنان ووالده عبد الله أبو جزر وشقيقه الأكبر محمد (14 سنة) الذي كان يرافقه يومياً إلى المدرسة، وشقيقه الجنين الذي مات في بطن أمه.
مع بدء كل عام دراسي، كانت والدته شيماء الغول تجهزهم للموسم الدراسي بشغف واهتمام كما كل عائلات قطاع غزة التي تولي تعليم أطفالها اهتماماً كبيراً. تسترجع الأم بدموعها ذكرياتها حاملة صور طفليها الشهيدين جنان ومحمد خلال أيام دراستهما على أحد الأسرّة في مستشفى قطري تقبع فيه للتعافي من أثر إصابة تعرضت لها في القدم، وباتت تقترب من الوقوف على قدميها والمشي مجدداً.
تقول الغول لـ "العربي الجديد": "اشتريت حقائب وملابس جديدة لابني حذيفة وابنتي مريم، ورغم ذلك ذهبا إلى المدرسة وهما يبكيان، لأنها أول مرة يذهبان إلى المدرسة من دون الشهيد محمد والشهيدة جنان. كانت جنان تنتظر بشغف سنوي بدء العام الدراسي، وكانت طالبة متفوقة، وتحلم بأن تصبح مدرسة عندما تكبر".
ويقول مدير المكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي دمر 122 مدرسة وجامعة بالكامل، إضافة إلى التدمير الجزئي الذي طاول 334 مدرسة وجامعة، فضلاً عن استشهاد 9 آلاف طالب وطالبة في مختلف المراحل الدراسية، واستشهاد أكثر من 500 من أفراد الهيئة التدريسية، من بينهم 110 من العلماء وأساتذة الجامعات والباحثين.

ويؤكد الثوابتة لـ "العربي الجديد"، أن "الاحتلال استهدف 15 قطاعاً حيوياً في حرب الإبادة الجماعية المتواصلة، أهمها قطاع التعليم بهدف إخراج المدارس عن الخدمة، وتدمير المنظومة التعليمية باستهداف ركائزها الأساسية من مبانٍ وطلاب وهيئة تدريس، ما انعكس على مجمل العملية التعليمية. كان لدينا خطة تقوم على إتمام العام الدراسي السابق، لكن لم نتمكن من تنفيذها حفاظاً على أرواح الطلاب، ولدينا خطة أخرى لتنفيذ امتحانات الثانوية العام في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، لكن تنفيذها مرهون بتوقف الحرب".
من جانبه، حذر مفوض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، من أن أكثر من 600 ألف من أطفال غزة، نصفهم كانوا في مدارس الوكالة، يعانون صدمة شديدة، ويعيشون بين الأنقاض، وجميعهم محرومون من التعليم، وأن إطالة أمد الحرب الإسرائيلية على غزة، سيزيد مدة بقاء الأطفال خارج المدرسة، لتتزايد مخاطر فقدان جيل كامل للتعليم، ما يغذي مشاعر الاستياء أو التطرف.